هذه دعوة للكبار أن يقضوا قسطا معتبرا من وقتهم مع الأطفال أو بالقرب منهم. أكتب فى اليوم الثالث من ثمانية أيام أمضيها مع ابنتى بمفردنا، أكتب لأسجل بعضا من ملامح جمال الحياة التى أعيد اكتشافها مع ناديا والتى يهديها لنا الأطفال عندما يستقر معاشهم ويأمنوا من الخوف ويجنبوا شرور وويلات الحروب والعنف والعوز.
***
الكتاب ــ لا أنكر أننى أستمتع بقراءة الكثير من الأعمال الأدبية وبعض المؤلفات الأكاديمية، وأكتسب منها بين معارف حياتية وزاد فكرى. غير أن للقراءة فى حضرة الطفل لها مذاق آخر؛ مذاق الانبهار بكل كلمة وتخيل كل مشهد وصورة، مذاق العقل الصغير القادر على استيعاب جميع التفاصيل والربط بينها بتلقائية لم تعد متاحة لنا ككبار، مذاق الطاقة الذهنية المتجددة باستمرار والتى تفيض لتمكن الأطفال من فهم المعانى وتذكر الأرقام وإدراك الرسائل القيمية دون إفساد للعالم المسحور الذى يقدمه لهم الكتاب.
الموسيقى ــ الاستمتاع بكل الحواس والانطلاق النفسى والجسدى، هكذا يستمع الأطفال إلى الموسيقى وينفتحون بها ومن خلالها على عالم مسحور آخر نفسده نحن الكبار على أنفسنا بالتعامل الاستهلاكى مع المنتج الغنائى والموسيقى. يشعر بجمال الحياة أن نراقب كيف تصبح الأغنية أو القطعة الموسيقية فى عالم الطفل قصة بديعة الشخصيات والمشاهد والألوان تتكشف خباياها كلما تكرر الاستماع إليها، وأن نتابع التعرف بالموسيقى على السعادة والحزن والخوف والترقب وغيرها من المشاعر الإنسانية التى تحفر مواضعها فى وجدان الأطفال، وأن ننبهر بالشغف بأنواع مختلفة من الغناء والموسيقى والإقبال عليها كمكون أصيل ومباشر لحياة الطفل (فيروز فى الصباح، بافاروتى يبكى فقط، كايروكى لكل الأوقات، الراب للضحك، مقتطفات من قاموس ناديا الموسيقى).
الطبيعة ــ أينما ذهبت فثم ورقة تساقطت من شجرة أو غصن زاده الوجود بين العشب جمالا أو صوت يصدر عن طائر ينتظر الإنصات أو دودة صغيرة تستحق أن نغنى لها، هكذا أختبر الدنيا مع ناديا بعيدا عن المنزل والمكتب والسيارة والطريق. دفء رائع هذا الذى تضفيه الحواس المنتبهة على الطبيعة من حولنا، ونجاة من تجاهل مصادر الجمال والسعادة الحاضرة فى حياتنا اليومية والقريبة للغاية منا تلك التى يمكننا منها عشق الأطفال للطبيعة.
***
النجاحات الصغيرة ــ بينما تتكالب على يوميات الكبار إحباطات وأزمات وإخفاقات تمزج خاصا بعام ولا تترك أيا منا دون قلق مما قد يحمله الغد أو خوف مما قد يعجز عن حمله، يأتى كل يوم فى حياة الأطفال (بالقطع حال استقرار معاشهم وأمنهم من الخوف وابتعادهم عن شرور الحروب والعنف والعوز) وفى جعبته خبرات جديدة ونجاحات صغيرة. أنظر إلى ناديا بعد أن تنتهى «عاصفة الحركة والنشاط والكلام» وتخلد إلى النوم، أنظر إليها كما نظرت من قبل إلى ولديى لؤى ونوح، أسترجع تفاصيل عباراتها التى أصبحت أكثر وضوحا وملامح تعاملاتها مع الناس من حولنا التى أصبحت أكثر ثقة ووقع خطواتها التى أصبحت أكثر قدرة على الانفتاح على البيئة المحيطة بها، أستمتع بوجودى بالقرب من حياة تتطور بحساب الثوانى والدقائق وليس السنوات.