مدحت السباعى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدحت السباعى

نشر فى : الخميس 29 مايو 2014 - 5:40 ص | آخر تحديث : الخميس 29 مايو 2014 - 5:40 ص

فى إحدى المرات، التقيت الصديق مدحت السباعى، أحد ملوك البهجة، هالنى أن أرى قدمه اليمنى منتفخة، متورمة، يغلب عليها اللون الأحمر القانى. استبدل لها فردة الحذاء بفردة شبشب. ركبت معه سيارته، وبعناء، لكن من دون توجع، أخذ يضغط على دواسة البنزين تارة، والفرامل تارة أخرى. جلسنا فى مقهاه المفضل. لم يلتفت لكلامى عن ضرورة الذهاب، فورا، لطبيب.. وكعادته بدد التجهم الذى أصابنى بالانطلاق فى حكاياته الساخرة، بالغة الطرافة، يرويها على نحو لا يتأتى إلا من حكاء بالغ المهارة، يلتقط منها المفارقات الكوميدية، ذات الطابع الموغل فى مصريته، فهو، إلى جانب ثقافته التى لا يستعرضها أبدا، يعتبر «ابن بلد» بحق، يعرف تشيكوف وهمنجواى، ويتحدث بحيوية أهالى بولاق والحسين وباب الشعرية.. ولا يفوته، حين يسخر من أحد أن يندد بنفسه أولا، هى الوسيلة الفعالة لقبول ما يقوله عن الآخر.

بعد انفصاله عن ناهد فريد شوقى، تزوج وانفصل عدة مرات.. فى إحداها، سألته عن سبب الطلاق، علما بأنها ذكية ولبقة وحنون. أثار اهتمامى بقوله «هذه أسباب كافية للانفصال». قرأ فى وجهى مزيجا من الاستفسار والاستنكار. بطريقته الحماسية، الموجزة، روى الواقعة التالية: لما عدت إلى البيت، بعد ثلاثة أيام من الغياب، من دون أن أخطرها، وجدت وجهها محتقنا، غاضبا، مهيئا للشجار. سألتها، على طريقة ذات الرداء الأحمر.. مال فمك كبيرا يا جدتى، مال عينيك حمراوين يا جدتى.. لم تستجب لمداعبتى، وباغتتنى بقولها: أى زوجة يغيب عنها زوجها لثلاثة أيام، ولا تعرف أين هو وماذا حدث له، سيغدو وجهها هكذا ـ استكمل ضاحكا ـ عندئذ أدركت أنها أذكى وألبق وأحن مما أستطيع تحمله، وبالتالى كان لابد من الانفصال.. فهل أنا أخطأت؟

طبعا، لم يكن عندى إجابة، وهو يدرك هذا، وبمنطقه الخاص، بمفارقاته التى تدخل فى باب كوميديا السلوك والمعتقدات، فانفجرنا بالضحك.

مدحت السباعى، اللماح، الذى لا تفوته شاردة، يتسم ببساطة وطيبة أبناء البلد، لا يغضبك مهما جاء حجم الخلاف معه، بل ينهيه بطرفة جميلة، أو جملة مرحة تحول أجواء التوتر إلى نوع من الوئام، فحين ضغطنا عليه بهدف نزع اعترافه بمصادره الأدبية التى لا يشير إليها فى بعض أفلامه، باغتنا بقوله: كل المبدعين يأخذون من بعضهم بعضا.. «الزميل» وليم شكسبير نهل من أعمال سابقة عليه.

استخدامه لكلمتى «الزميل وليم» كانت كفيلة بنقل روح الحوار من حال لحال.

فى مشواره الفنى، انعكست روحه المرحة، المنحازة للعاديين من الناس، فى أعماله التى بدأها بفانتازيا «وقيدت ضد مجهول» 1981، وهو فيلم يعبر عن حركة بيع ممتلكات الوطن، وسرقتها، ممثلة فى هرم خوفو ـ شخصيا ـ ونقله إلى المكسيك، ثم سرقة نهر النيل أيضا. المواطن المصرى صابر «محمود ياسين» الفلاح الشريف، يزج به فى مستشفى الأمراض العقلية، وبعد خروجه، يصر على فضح السرقات والفساد.

توالت أفلامه: «فقراء لا يدخلون الجنة» 1984، حيث بعض أصداء رواية «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكى.. ثم «الجريح» 1985، المأخوذ عن رواية «الأبله» لنفس الكاتب الروسى، وفيه يقدم محمد صبحي واحدا من أفضل أدواره على الشاشة الكبيرة.. كذلك الحال بالنسبة ليسرا، المتألقة فى دورها كامرأة تنعكس على حياتها أوزار مجتمع، وذلك فى «امرأة آيلة للسقوط» 1992.. وثمة عدة أفلام تتفاوت قيمتها، ويتفاوت المستوى داخل الفيلم الواحد.. لكن أحسب أن «خلطبيطة» 1994 هو العمل الذى يمثل السباعى تماما، ذلك أنه مأخوذ عن رواية قوية، سوداوية وقاتمة، كتبها فرانز كافكا، بعنوان «المحاكمة»، حيث يجد المواطن «ك» نفسه مقبوضا عليه ومتهما فى جريمة لا يعلم عنها شيئا.. عند السباعى، مصبوغة بالكوميديا، وبأداء موفق من محمود عبدالعزيز، المواطن المسالم، الرقيق، السلبى، الذى يعيش مع أزهار الفل والنرجس التى يزرعها فى شرفته، وفجأة، يقبض عليه، يهرب، يعيش وجوها متعددة لمواطنين. إنه فيلم يحتاج لإعادة اكتشاف، شأنه فى هذا شأن مدحت السباعى، صاحب الإرادة القوية، الذى تعرض لنكبات إنتاجية، يصمد لها، يتحايل عليها، وينهض من جديد، بإصرار على العمل، تماما كما أصر على قيادة السيارة، برغم قدمه المتورمة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات