لننظر من حولنا، لكى ندرك أن عالم ٢٠١٦ ينزلق بسرعة بالغة إلى هاوية الفاشية والجنون والتنصل من قيم سيادة القانون والمساواة والتضامن والعدل والحرية.
كتبت بالأمس عن الحرب على الحقوق والحريات فى الديمقراطية الأكبر عالميا، الهند. وأشرت منذ أيام قليلة إلى القمع المنظم الذى يمارسه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ضد معارضيه وضد المجتمع المدنى وضد الحريات الأكاديمية وضد الإعلام المستقل، وبالقطع ضد كل صوت يطالب سلميا بحقوق الأكراد.
بجانب الحالتين الهندية والتركية، يتزايد بانتظام عدد الحكومات التى إما تواصل دون تغيير السياسات السلطوية والممارسات القمعية من روسيا والصين إلى السعودية وإيران ومصر، أو تتنصل من بعض القيم الديمقراطية التى انتخبت فى إطارها من المجر وسلوفاكيا فى وسط أوروبا والدانمارك فى شمالها إلى البرازيل فى أمريكا الجنوبية وباكستان وماليزيا وإندونيسيا فى آسيا.
يتصاعد أيضا تراجع العديد من الحكومات الديمقراطية فى البلدان الغربية عن الالتزام بسيادة القانون على وقع توظيف خطر الإرهاب كمبرر للحد من الضمانات الدستورية والقانونية للحقوق والحريات، وعن تفعيل المساواة والتضامن كقيمتين إنسانيتين معانيهما الراهنة هى استقبال اللاجئين الفارين من جحيم الحروب والعنف بحثا عن ملاذات آمنة وتمكينهم من ظروف معيشية تصون كرامتهم التى امتهنها المستبدون والإرهابيون.
يحدث ذلك فى الغرب على وقع النجاحات الانتخابية المتتالية لليمين المتطرف (لم يوقف قطار اليمين مرحليا سوى الانتخابات الرئاسية فى النمسا). يحدث على وقع خوف الأحزاب المحافظة (كأحزاب المسيحيين الديمقراطيين) من المزيد من الخسائر الانتخابية إن هى اتبعت سياسات الباب المفتوح مع اللاجئين، أو هاجمت اليمين المتطرف بضراوة، أو لم تركز أجنداتها السياسية على مواجهة خطر الإرهاب والحد من تدفق اللاجئين. يحدث على وقع عجز الأحزاب والحركات اليسارية عن إقناع قطاعات شعبية مؤثرة بقدرة المجتمعات الغربية على استيعاب اللاجئين، وبإمكانية توظيفهم بصورة مجدية اقتصاديا واجتماعيا، وبزيف المقولات العنصرية ومقولات الكراهية التى يوجهها اليمين المتطرف إلى الغرباء. والحصيلة هى دونالد ترامب فى الولايات المتحدة الأمريكية، وحركة «البديل لألمانيا» التى تسجل مكاسب انتخابية غير مسبوقة لليمين المتطرف فى بلد ذاق ويلات الفاشية، وصنوف من الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة والفاشية التى تحدد إيقاع النقاش العام فى العديد من البلدان الأوروبية.
ثم تحيط جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التى يرتكبها ديكتاتور فاشى فى سوريا، وميليشيات متصارعة وعصابات داعش الإرهابية فى سوريا والعراق وليبيا، وخلايا داعش فى أوروبا؛ تحيط عالم ٢٠١٦ بسياج مقيت من الدموية والوحشية. وعلى الهامش تستنسخ بعض هذه الجرائم فى سياقات أصغر كما فى مصر التى تتزايد بها حالات القتل خارج القانون والتعذيب والعنف الطائفى، وتتصاعد أسهم اليمين المتطرف والسياسيين المتنصلين من القيم الديمقراطية وتتعالى الأصوات العنصرية المطالبة بإبعاد المسلمين عن الغرب وبلاد أخرى.
عالم ٢٠١٦ هو عالم الفاشية والجنون. فدعونا لا نستبعد المزيد من القمع فى مصر، وعودة انتصارات اليمين المتطرف فى أوروبا، ووصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية.