العزاء لا يكفى هذه المرة - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العزاء لا يكفى هذه المرة

نشر فى : الإثنين 29 مايو 2017 - 10:30 م | آخر تحديث : الإثنين 29 مايو 2017 - 10:30 م
العزاء واجب لأهالى ضحايا الإرهاب فى المنيا وللشعب المصرى بأسره، والتمنيات بالشفاء التام للمصابين. ولكن هذه المرة لا يجوز أن نكتفى بالتعزية وما يلحقها من مشاعر صادقة ولكن عقيمة، بل يجب التوقف وطرح الأسئلة المسكوت عنها، وكذلك التفكير فيما يمكن عمله للخروج من دائرة العنف والإرهاب، ولإبعاد شبح الفتنة.
العزاء لا يكفى لأنه على الرغم من أن الغضب كان واسعا وحقيقيا، فإن الحماس سرعان ما تراجع ثم فتر بعد أن اكتملت الطقوس المعتادة من بيانات وإدانات ــ من الكنيسة والأزهر والأحزاب والنقابات ووسائل الإعلام والمجتمع الدولى ــ بسرعة لافتة وكفاءة شديدة كما لو كانت «روتينا» معروفا أو نظاما استقر بعد تجربته عدة مرات، وبعد أن فرضت مسلسلات وإعلانات التلفزيون نفسها على الساحة، فعدنا حيث كنا وانتهى الأمر.
ولكنه للأسف لم ينته، بل الأرجح أن يتكرر ما لم نواجه خطر الإرهاب بشكل مختلف ونتعامل مع خطر الفتنة بجدية أكبر.
الصدمة من جريمة المنيا لم تكن فقط لفظاعتها ووحشيتها، بل لأنها أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الإرهاب لم يعد محصورا فى شمال سيناء، بل امتد فى الشهور الماضية إلى محافظات الوجهين البحرى والقبلى. وهذا معناه أنه على الرغم من تضحيات رجال الشرطة والقوات المسلحة، والموارد التى جرى توفيرها، وقانون الطوارئ، فإن كل هذا لم يكن كافيا لكسر شوكة الإرهاب ووقف امتداده إلى مناطق جديدة. ولذلك فعلينا التفكير بشجاعة فيما اذا كان السبب هو تطور الدعم الخارجى للإرهاب، أم أن لدينا تقصيرا أمنيا يحتاج للمحاسبة والتصحيح، أم أن هناك تغيرا داخل البلد دفع إلى هذا التطور الخطير، وفى كل الأحوال ما إذا كنا بحاجة لإعادة النظر فى سياستنا للتعامل مع الإرهاب بشكل عام. ويتضمن ذلك السؤال عما إذا كان الحديث الدائر عن تجديد الخطاب الدينى قد أفضى إلى شىء محدد، وهل تم اتخاذ خطوات جادة لتطوير المناهج المدرسية، وهل تنفق الدولة مواردها فى المجالات التى تحد من الاحتقان والفقر والتوتر الاجتماعى، وهل المساحة المتاحة لمؤسسات المجتمع السياسية والأهلية تجعلها قادرة على القيام بدورها فى مناهضة الفكر التكفيرى. أم أن كل هذه الأسئلة غير مجدية أصلا لأن سياستنا فى مواجهة الإرهاب ليست بحاجة للمراجعة؟
من جهة أخرى فإننا فى أعقاب كل حادث ارهابى نجد خطابا متصاعدا ــ أحيانا من جانب الدولة نفسها ــ بأن المشكلة تكمن فى احترامنا الزائد للقانون، وأن الدول التى تحررت من وطأة القوانين والدساتير كانت أكثر نجاحا فى مواجهة الإرهاب. وهذا جدل يجب أن يحسم لأنه لا يجوز أن تكون هناك مقايضة بين الأمن والاستقرار من جهة وبين الدستور والقانون من جهة أخرى، بل الطرفان متلازمان، وكلما تجاهلنا القانون والدستور مَهَّدنا لمزيد من العنف ومزيد من الانقسام فى المجتمع. فهل لدينا استعداد لفتح هذا الحوار بشجاعة وصراحة بدلا من إضاعة المزيد من الوقت والجهد فى الالتفاف حوله بدلا من مواجهته؟
وأخيرا فإن الفتنة الطائفية الكامنة لا يمكن إهمالها مهما كان الموضوع كريها ومرفوضا منا جميعا. وهناك فارق هائل بين كراهية شىء ما وتجاهل وجوده. وأنا اتفق تماما مع القائلين بأن توجيه سلاح الإرهاب نحو المصريين المسيحيين يستهدف تحديدا إذكاء الفتنة، وشق الصف الوطنى، وإظهار الدولة بمظهر العاجز عن حماية مواطنيه، والدفع إلى المزيد من الخوف والقلق والانقسام. هذا كله صحيح. ولكن الخروج من ذلك بنتيجة أن المسيحيين ليسوا مستهدفين فى حد ذاتهم وأن علينا تجاهل الجانب الطائفى من هذه المعركة، فيه استهتار بما يجرى على الأرض وما يعتمل فى الصدور. وحدتنا الوطنية قائمة وصامدة حتى الآن، ولكن هذا لا يعنى تجاهل المظاهر والممارسات القبيحة التى تهددها، ولا أشكال التمييز الظاهرة والمستترة التى اعتدنا التعايش معها، ولا الخطاب التحريضى المنتشر فى كل مكان، بل هذه هى اللحظة التى يلزم فيها بذل المزيد من الجهد وإظهار الكثير من الشجاعة ليس فقط لوأد الفتنة فى مهدها وإنما لتحقيق طفرة حقيقية للأمام، فهل نحن مستعدون لذلك؟ أم أن طموحنا هو بقاء الوضع على ما هو عليه؟
طرحت فى هذا المقال أسئلة كثيرة دون إجابات وذلك لاعتقادى أن تلك الإجابات والحلول لن تأتى من فرد واحد مهما اجتهد، بل من تفكير جماعى وعمل مشترك، وأن ما نحتاج إليه اليوم هو فتح باب الحوار الصادق والهادف حول هاتين القضيتين ــ سياستنا فى التصدى للإرهاب وخطتنا لوأد الفتنة الطائفية ــ وأن التوصل للحلول لن يكون ممكنا إلا من خلال هذا الحوار الواسع فى المجتمع كى يشعر كل فرد بأنه مشارك ليس فقط فى دفع الثمن وإنما أيضا فى اتخاذ القرار ورسم الطريق للمستقبل.

 

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.