سلوكيات اللسان 1ـ متى نتكلم - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلوكيات اللسان 1ـ متى نتكلم

نشر فى : الأحد 29 يونيو 2014 - 7:15 ص | آخر تحديث : الأحد 29 يونيو 2014 - 7:42 ص

خص رسولنا الصيام بتوجيه مهم، إذ كلف الصائم ألا يسب ولا يرد سبابا ولا شتما، ولا يزد رده عن قوله «إنى صائم»، فالصوم مدرسة تهذيب عامة وخصوصا تهذيب اللسان، لذا رأيت أن نخصص لقاءنا هذا الشهر فى سلوكيات الصيام بين السلبيات ونشير إلى الإيجابيات ونعظم الفضائل. واليوم نبدأ الثلث الأول المخصص لدراسة سلبيات اللسان..

اللسان أداة البيان، وسفير الإنسان، ومرآة الأنفس والسرائر، وهو مع ذلك لا يقدر على استرجاع ما صدر منه، فالكلمة تخرج كما تخرج طلقة المدفع لا تقف حتى تصيب هدفها. لذلك يعلمنا رسولنا محمد فيقول: «رحم الله من قال خيرا فغنم أو سكت فسلم». فإذا لم يطمئن الإنسان إلى صواب كلماته وأهميتها فعليه بالصمت فإنه عبادة أكيدة لمن لا يقدر على صواب القول. وقد أكّد الحكماء هذا بقولهم: «إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب». فالصمت أمان ووقاء. هكذا يبصرنا النبى حينما قال لمعاذ «يا معاذ أنت سالم ما سكتّ، فإذا تكلمت فلك أو عليك». وكان الآباء يعلمون أبناءهم حلاوة الصمت، وأهمية الاستماع كما يعلمونهم خطورة الكلام. فهل تتذكر معى الحكمة الشعبية: «لسانك حصانك إن صنته صانك، وإن هنته هانك». ولو تفكرت فيما خلقه الله لك: لسانا واحد وأذنين، لتعلمت أن تجعل كلامك نصف ما تسمع على الأكثر.

فمتى يتكلم الإنسان؟ يتكلم للتعبير عن نفسه فى الرضا والغضب أو بيانا لحجته فى الجدال.

وكثرة الكلام منزلق حاد وخطير إذا وقف الإنسان على قمته فلا يستطيع أن يتوقف أو يتراجع، بل يندفع وراء لسانه، فيتمادى حتى يشرف على الهلاك. ويندم متمنيا لو كان قد سكت، ولكن لا ينفع الندم.

(2)

ففى الدنيا يعانى الإنسان مما يجنيه عليه لسانه من ضرورة الاعتذار عن التجاوزات، كما يتعرض للذم على ذلات لسانه، فضلا عن ذلك السجل الغيبى الدقيق لألفاظ الإنسان وأفعاله كما بين القرآن (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أى أن هناك ملكين رقيب وعتيد موكلان بتسجيل (صوت وصورة) كل ما صدر عنك من أقوال وأفعال (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبا ).

وتعلمنا السنة النبوية، أن علم الإنسان بشىء ما لا يبيح له دوام الثرثرة به فى كل وقت أو فى أى مناسبة، فهذا أبوبكر الصديق كان عليما بأنساب العرب وفضائلها، وعلم الأنساب أحد أبرز ثقافات العرب قبل الإسلام، ففى مجلس للرسول حضر رجل عليه ملامح الغرور، فسأله أبوبكر عن نسبه، فانتسب الرجل إلى قبيلة كبرى ذات صيت وتاريخ، فعاد أبوبكر يسأله عن طبقات نسبه فى تلك القبيلة، والرجل يجيب حتى تبين الحاضرون أن الرجل من فرع ضعيف فى القبيلة وليس من ذوى الشأن. هكذا كان كلام أبى بكر سببا فى جرح ذلك الأعرابى. وكانت المفاجأة أن الرجل الجريح كان أيضا يتقن علم الأنساب، فتوجه إلى أبى بكر قائلا له «من أى القبائل أنت؟» ومازال يتتبع معه طبقات نسبه حتى تبين الحاضرون أن جذور نسب أبى بكر ــ بمقاييس الجاهلية ــ لا تنتمى إلى أشراف القبيلة... وهنا تبين أبوبكر خطأه بسؤال الرجل عما لا يخصه فاضطر الرجل لإحراج أبى بكر كما حدث له. وهكذا أدرك أبوبكر خطأ التزيد والإكثار من الكلام فنطق بالحكمة الغالية «إن البلاء موكل بالمنطق» أى أنه يقصد أن نطقه بغير ضرورة عاد عليه بالضرر، فكان عدم الكلام أولى به.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات