في الاختيار بين التوريث.. والثورة - سمير كرم - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 10:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في الاختيار بين التوريث.. والثورة

نشر فى : الأربعاء 29 يوليه 2009 - 10:42 ص | آخر تحديث : الأربعاء 29 يوليه 2009 - 10:42 ص

 حتى الآن ــ فيما أدرى ــ لم تطرح بجدية وتفصيل كافيين الفكرة البديلة السوية عن مشروع التوريث. أو قل مشروع التوريث باعتبار أن ما يظهر الآن يتجاوز كثيرا حدود الفكرة.

بعبارة أخرى لم نتساءل بعد: التوريث أو ماذا؟

ليس هناك سوى الإجابة الترهيبية التى تقول: التوريث والاّ فالتطرف الإسلامى. لكن حتى هذا لم يناقش جديا. لم تناقشه الجماعات الإسلامية نفسها بالجدية اللازمة.
وصحيح أن على من يعارض التوريث أن يطرح البديل وأن يشرحه. والتوريث لا يمكن أن يكون بديلا للتوريث.. بمعنى أنه لا يمكن القول بأن دخول الوريث معركة انتخابية متعددة المرشحين تسفر عن فوزه ليس توريثا. إنه التوريث بعينه وقد كسى برداءة الشرعية الديمقراطية إرضاء للداخل وللخارج معا فدعونا من هذه الحيلة.
فما البديل عن التوريث؟

يتعلق هذا السؤال ــ كما التوريث نفسه ــ بالعمر الذى بلغته ثورة 23 يوليو 1952 التى لا تزال تمثل ــ شاء بعضهم أو لم يشأ ــ الأساس الحقيقى لشرعية نظام الحكم فى مصر. ولعل من الأفكار الكامنة فى أذهان أصحاب مشروع التوريث فكرة أن ثورة يوليو لم تعد قائمة إلا كذكرى تاريخية. فهم أنفسهم الذين أشرفوا على تصفية مضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولعلهم أول من يرحب بفكرة تقول إن ثورة يوليو بلغت من العمر عتيا فدعوها تستريح فى مقرها الأخير فى متاحف التاريخ.

إن ثورة يوليو تبدأ عامها الستين فى العام نفسه الذى يفترض أن يتسلم فيه الوريث التركة الرئاسية.. أى العام التالى مباشرة لانتخابات عام 2011. فهل العادة التاريخية ــ إذا جاز التعبير ــ أن تعيش الثورة لتبلغ هذا العمر أو تتجاوزه.. خاصة إذا كانت تتعرض فى معظم سنوات عمرها لهجمات القوى الخارجية والداخلية بلا انقطاع؟
فلنحاول أن نستقرئ ما حدث للثورات التاريخية الأخرى لنعثر على رد موضوعى على هذا السؤال.

الثورة الفرنسية الكبرى ــ 1789 ــ لم تستطع أن تعيش مع تقلبات التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى أعقبتها لتصل إلى عمر الثلاثين. إذ لم تلبث أن وقعت ثورة 1815 وبعدها ثورة 1830 ثم ثورة، بالأحرى ثورات، 1848. وكانت كل من هذه الثورات محاولة لتجديد الثورة الفرنسية.

الثورة البلشفية ــ ثورة أكتوبر 1917 ــ شاخت ووهنت عظامها وعظام الذين تولوا شئونها وبدت عليها علامات التفكك والانهيار قبل عشرين عاما من سقوطها الأخير. عندما بدأت تظهر عليها علامات الوهن كانت فى الخمسين من عمرها.

الثورة الصينية عاشت ــ بكل ما اتسمت به من صرامة وقدرة على التحكم والتنظيم ــ لما لا يزيد على ثلاثين عاما.. عندما وقعت ثورة التجديد الاقتصادى التى قادها دنغ شياو بنغ فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى، ليمد الثورة الصينية بما «يناسب السمات القومية الصينية» من قوانين وآليات السوق. وقتها اعتقد الغرب أن حكم الحزب الشيوعى انتهى، لكن السنوات التالية وحتى الآن رفعت إلى أعلى إنجازات الصين الاقتصادية مع بقاء الحزب الذى صنع الثورة حاكما.

ويمكن أن ندخل مباشرة إلى إجابة السؤال: وماذا يكون البديل عن التوريث؟
الإجابة هى الثورة التى تجدد ثورة يوليو. الثورة هى البديل الوحيد الممكن، ليس فقط عن التوريث بل عن حالة التردى والوهن الذى أصاب هذه الثورة وعن حالة الغليان بالغضب المصاحبة لعملية اغتيال الثورة وإنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، لصالح رأس المال الكبير الذى يستمد شرعيته من العولمة وهى فى مرحلة احتضار.. أى من التبعية للرأسمالية العالمية وهى فى مرحلة أزمة كبرى.
.. على ألا تكون الثورة هى عامل الترهيب الذى يظن أنصار التوريث أنه يمكن أن يكون حليفهم يوم انتخابات الرئاسة فى عام 2011.

.. على ألا يدّعى أى من التيارات القديمة أنه الثورة أو أنه الحل.

فالمطلوب ثورة تجدد ثورة 23 يوليو وتعيد إليها القدرة على استئناف طريق التغيير لمصلحة غالبية الشعب المصرى، أى لمصلحة الفقراء والمهمشين والمقهورين. فهم ــ فى حالة الثورة ــ الذين يرثون الأرض.

إن الذين يطرحون مشروع التوريث لا يصارحون غالبية الشعب بأنه ليس مقصودا لذاته وملذّاته ــ إنما هو مقصود لدرء الثورة وردع هذه الأغلبية عنها. لكنهم يدركون أن مواصلة الطريق بواسطة التوريث هى التى تمكنهم من حجب الثورة كبديل تاريخى عن الأوضاع الراهنة التى عادت بمصر إلى أوضاع ما قبل ثورة 1952، وكأنه لم يبق إلا أن تعود الملكية (انظر ضياء رشوان، «الشروق» فى 21/7/2009).

ألا يكون مشروع التوريث بحد ذاته واحدا من دواعى الثورة؟

هذا ما لن يعترف به أبدا أنصار التوريث وجماعات المنتفعين الواقفة فى طوابير الانتظار.. إلا فى مواجهة واقع جديد يتصدى للمشروع ويبطله قبل أن يكون.
ولو أننا افترضنا ــ نظريا ــ إمكانية تخيير الشعب المصرى، بطريق الاستفتاء مثلا، بين التوريث والثورة، هل يشك أحد بخلاف أنصار المشروع وجماعات المنتفعين، فى أن اختيار الغالبية العظمى من الشعب سيكون للثورة؟

من أين لنا هذه الثقة؟ من حيث نفهم أن الغالبية الساحقة ــ مهما افترض المفترضون غياب الوعى عنها ــ تعرف أن التوريث معناه تكريس التوغل الرأسمالى الكبير محليا وخارجيا فى مصادرها وأرزاقها. وتسليم مصير البلد للأقلية نفسها المستفيدة من الوضع الراهن.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات