أ- المحكم

(1)

قال تعالى ((هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) آل عمران (7) وهذه الآية قد حوت عديدا من المصطلحات القرآنية التى تفرض على القارئ والسامع أن يتجه إليها بجميع قواه، حتى يعلم ما فيها وما يجب حيالها.

فلنحاول أن نسأل القرآن عن هذه الألفاظ وعن مكانتها العلمية والدينية فى قاموس القرآن ولغته. وأول خطوة نقوم بها هى استخراج الألفاظ المراد تدقيق معناها وهى ألفاظ ( 1- آيات محكمات 2- أم الكتاب 3- متشابهات 4- فى قلوبهم زيغ 5- الفتنة 6- تأويله 7- الراسخون فى العلم 8- آمنا بالله كل من عند ربنا 9- يتذكر 10- أولوالألباب)، ومفتاح البحث فى هذه المصطلحات العشر كلمتان أساسيتان هما (محكمات/ متشابهات)

(2)

واليوم نقلب النظر فى لفظة «محكم»، فللنظرة الأولى قد يتصور الإنسان أن القرآن الكريم فيه آيات محكمات، وفيه آيات آخر متشابهات غير محكمات، وإذا كانت آية آل عمران تشير إلى وجود آيات محكمات، فها هى الآية هود (1) تقول ((..كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)) فهذه الآية قد أوضحت جانبا من الأمر بل زادته إيضاحا، «فالكتاب كله محكم»، ثم تولى الحكيم الخبير وحده تفصيل ذلك المحكم، «فالكتاب كله محكم مفصل»، فى حين أن آية آل عمران تقول ((..مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ..)) فهل يكون المقصود ــ والله أعلم ــ أن أم الكتاب وعموده الرئيسى آيات محكمات ميسورة واضحة لاتحتاج إلى جدل، لأنها هى «معيار الإيمان ومناط التكليف»، ومن أمثلة هذا المستوى من الإحكام أولا: أصول الإعتقاد واضحة 1- «إله واحد» {وَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيمُ}،

2- «دين واحد» ((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ..))،

 3-«رسول خاتم واحد» ((مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ..))،

4- تكاليف واحدة للجميع» ((.. فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ..)) 5- «جزاء واحد على قدر العمل» ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّا يَرَهُ(8)

 6- يوم واحد للجزاء ((هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ..))

 7- إقرار كل إنسان على نفسه ((..اِقْرَأْ كِتَابك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبا))

 8- شهادة جسم الإنسان عليه ((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))

  ثانيا: أصول المعاملات محكمة لا تجد فيها ما يصادم الفطرة والعقل

 1-((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ..))

2- (( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضا فَلْيُؤَدِّ الَّذِى اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ..))

 3-((..تِجَارَة عَن تَرَاضٍ..))

 4-((..وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ..))

 ثالثا: أصول الشعائر محكمة لا تجد فيها ما يرهق ولا تكليف فوق الاستطاعة

 1- ((..فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ..))

2- ((..فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ..))

 3- ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا))

 4-((وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ))

 5- ((فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ))

 رابعا: أصول الأخلاق لا تحمى رذيلة، ولا تنسى خيرا

 1- ((هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان))

 2-((وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))

 3- ((وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ))

 4- ((فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ))

 خامسا: أنباء القصص لا كذب فيها ولا تهويل ولا تهوين ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْك أَحْسَن الْقَصَص بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن وَإِنْ كُنْت مِنْ قَبْله لَمِنَ الْغَافِلِينَ)) هذا هو الإحكام والضبط الذاتى للقرآن من داخله، فلا تجد أمرا ولا نهيا ولا توجيها إلا وهو واضح دقيق لا يجادل فيه إلا أهل المراء أو التفلسف.