فى مشروعية العنف الوطنى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى مشروعية العنف الوطنى

نشر فى : الأربعاء 29 يوليه 2015 - 7:55 ص | آخر تحديث : الأربعاء 29 يوليه 2015 - 7:55 ص

إذا كان العنف الوحيد المتمتع بالمشروعية والشرعية هو عنف الدولة، لاقترانه بالقانون، فإن شرعيته تقوم فى مواجهة عنف آخر غير مشروع، هو العنف الأهلى فى صورتيْه الرئيستين: العنف الأهلى الذى تقوم به الجماعات العصبوية المغلقة، والعنف السياسى الذى تقوم به الأحزاب والجماعات السياسية من كلّ مذهبٍ ومشرَب. ليس فى داخل المجتمع من شرعيةٍ للعنف إلاّ ذاك الذى تمارسه الدولة باسم الأمّة، وفى نطاق القانون؛ وهو غيرُ الاستبداد والديكتاتورية لأن هذيْن ينتهكان القانون؛ العنف غيرُ الرسمى (= الأهلى) باسم الثورة، أو الدين، أو المذهب، أو القبيلة، أو الجهوية... فعْلٌ ينتهك القانون ويخرق إرادة الأمّة، وهو والاستبداد والديكتاتورية سواء. توفّر الدولة الحديثة وسائل مختلفة للتعبير عن الحقوق والمصالح، والدفاع عنها فى وجه الهضم والانتهاك، ولذلك لا مجال لممارسة الصراع، فى أى مجتمع، من طريق توسُّل السلاح لخطورة ذلك على الاستقرار والسّلم والمدنية.

العنف الوحيد المشروع، إلى جانب العنف القانونى للدولة، هو العنف المصروف إلى ردّ العدوان الأجنبى، وهو عنف قد تقوم به الدولة وجيشُها، وقد يقوم به الشعب إن احتُلَّتْ أرضهُ، وسقطت فيه الدولة أو اضمحلت قدرتُها على تحرير الوطن.

***

لم تنشأ الجيوش، فى الدول، إلاّ للدفاع عن السيادة الوطنية أو القومية، فى وجه أخطارٍ خارجية واقعة عليها (العدوان والاحتلال)، أو تتهدَّدُها بالوقوع عليها. والعنف (= الردّ العسكرى) الذى تبديه الدولة، فى مثل هذه الحال مشروعٌ، ويحظى بالاعتراف الدولى، لأن فيه، فضلا عن ردِّ ظُلمٍ واستعادةِ حقٍّ مصادَر، إنفاذا لأحكام القانون الدولى الذى يَعنى له خرقُ سيادةِ دولةٍ من الدول انتهاكا له كقانون. بالمثل لم تنشأ حركات التحرر الوطنى، وحركات المقاومة المسلحة، فى المستعمرات وفى البلدان التى تعرّضت للاحتلال الكولونيالى الغربى أو النازى إلاّ لتحرير أوطانها من ذلك الاحتلال الذى وقَع عليها، وألغى الدولةَ فيها كلاّ أو جزءا. أما العنف الوطنى المسلّح، الذى تلجأ إليه تلك الحركات، فمشروعيته بيّنة لا غبار عليها؛ وهو ما تلحظه القوانين الدولية نفسُها حين تُقِرُّهُ وتشرعن حقّ الدول والحركات الوطنية المحتلة أراضيها فيه.

وقد يحدث ألّا تأتى ممارسةُ حقّ الدفاع المشروع عن الاستقلال والسيادة، باستعادتهما أو الكفاح من أجل استعادتهما بالسلاح، من جانب الدولة فحسب، أو من جانب الحركات الوطنية وحركات المقاومة فحسب، بل من لدنهما معا ومِن طريق تعاوُنٍ وتنسيق. يقع ذلك، فى الغالب، فى حالين: تقسيم الكيان المحتل من قِبل قوى الاحتلال، وضَعف إمكانات الدولة ونقصَ قدرتها على مواجهة الاحتلال وتحرير أرضها. المثال الأوّل، الثورة التحررية الفيتنامية، إبان انقسام البلد إلى شمالٍ وجنوب فى سياق الاحتلال الأمريكى؛ حيث حصل التحالف بين الفييتكونغ والدولة فى هانوى لمواجهة الغزاة الأمريكيين، وعملائهم فى الداخل وصولا إلى إسقاط سايغون ودحر الاحتلال الأمريكى. والمثال الثاني؛ لبنان، الذى تعرّض جنوبُه للاحتلال، فى العام 1978، (فى ما سمّى بـ«عملية الليطانى»)، وتوسَّع نطاقُ احتلاله فى العام 1982 (= عملية «سلامة الجليل الأعلى») وحصار بيروت (قبل الانكفاء الصهيونى إلى مناطق الجنوب بعد العام 1985). لم تكن الدولة اللبنانية قادرة على تحرير الجنوب، لكنها غطَّت، سياسيّا، مقاومة شعبية مسلّحة انطلقت فى البلاد، منذ صيف العام 1982، وأسبغت عليها الشرعية محليا ودوليا، وتبادلت معها الأدوار، وصولا إلى إنجاز التحرير فى الخامس والعشرين من مايو/ آيار 2000.

وأيّا تكُنِ الجهةُ التى تقود العنف الوطنى المسلّح ضد الاحتلال، دولة كانت أو مقاومة شعبية، فإن مشروعية هذا العنف ومسوِّغَهُ ليسا متأتيين، فحسب، من إقرار القانون الدولى له، واعتراف قرارات مؤسساته به، وإنما مأتاهُ من فعل الاحتلال نفسه.

***

إن الاحتلال، بالتعريف، عنفٌ مسلّح يقع، بشكلٍ غير مشروع، على شعب ووطن ودولة، ولا يمكن رفعه إلاّ بعنفٍ مضادّ («ما أخِذ بالقوة لا يُسْتَرَدّ بغير القوة» كما قال الرئيس جمال عبدالناصر). والعنف المضادّ هذا مشروع، لأنه دفاع عن النفس ضدّ العدوان، وفعلٌ متناسب مع أحكام القانون الدولى الذى يجرّم عدوان دولةٍ على أخرى. ليس من وجهِ شبَهِ بين العنف الوطنى المشروع، ضدّ الاحتلال والعدوان الأجنبى، وبين العنف السياسى فى الداخل ضدّ الخصوم، الهادف إلى حيازة السلطة بالقوة؛ فالعنف الأخير هذا، والإرهاب أعلى أشكاله، يرادف فى المعنى، كما فى النتائج الناجمة منه، عنف الاحتلال والعدوان الخارجى. كلاهما عنفٌ غيرُ مشروع لأنه غيرُ قانونى (الأول ينتهك قانون الدولة والثانى ينتهك القانون الدولي)، وكلاهُما يدمّر المجتمع والمقدّرات ويمزِّق نسيج الوطن والوحدة الوطنية فى البلد الذى يقع فعلهما عليه.

فى العنف الوطنى التحررى، يتوحّد الشعب فى وجه الأجنبى، وينسى انقساماته، وتجتمع إرادات قواه الاجتماعية المختلفة على الهدف الوطنى المشترك والجَامِع. أمّا فى العنف السياسى الأهلى والحزبى فينقسم الشعب الواحد، والمجتمع الواحد، إلى عصائب يقاتل بعضُها بعضا، فتذوى فيه علاقات التلاحم مُخْلِيَة الساحة لغرائز الإفناء المتبادل. فارقٌ كبيرٌ هو، إذن، بين المعركة الوطنية الموحِّدة والحرب الأهلية المفتِّتَة، بين عُنْفٍ تحرّرى يصنع وطنا وعنفٍ أهلى يدمِّر مجتمعا ودولة.

 

 

عبدالإله بلقزيز
من الصحافة العربية
الخليج ــ الإمارات

 

التعليقات