تطوير الأزهر - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تطوير الأزهر

نشر فى : الجمعة 29 أغسطس 2014 - 7:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 29 أغسطس 2014 - 11:33 ص

تصاعدت خلال الأيام الماضية حملة شعواء تهاجم الأزهر الشريف وتشكك فى مناهجه وتتهمها بغرس بذور التطرف الدينى وتبرير الإرهاب، وتحولت الحملة فى بعض الأحيان للنيل من شخص الإمام الأكبر نفسه واتهامه باتهامات سخيفة كالسكوت على الأخونة وتمكين المتشددين بالجامعة والمؤسسة الأزهرية بشكل عام. وبعيدا عن الحملة التشويهية التى اعتمدت السطحية منهجا والتعميم مبدأ، تفتح هذه الحملة النقاش حول دور الأزهر فى حماية الوسطية وترسيخ مفاهيم الدين الصحيحة.

لذلك لا بد أن نعود للماضى قليلا لنتذكر دور الأزهر فى الحركة الوطنية المصرية منذ الاحتلال الفرنسى لمصر وما أتبعه من أحداث عظمى، وصولا لثورة 1919، ووصولا للحقبة الناصرية التى شهدت التغييرات الجذرية فى طبيعة المؤسسة الأزهرية وتفككيها بتأميم الأوقاف وفصلها فى وزارة خاصة، وفصل الجامعة عن المسجد، وإلغاء المحاكم الشرعية، واستحداث كليات علمية كالطب والهندسة بجامعة الأزهر، مما اعتبره بعض المؤرخين بداية التدمير لدور الأزهر واعتبره البعض الآخر بداية التطوير.

•••

فى كل الأحوال ثمة أمور لا بد من الإشارة لها إذا كنا نتحدث عن تطوير الأزهر واستعادة دوره بشكل حقيقى، وليس دعاوى التطوير المدلسة التى تريد الإجهاز على الأزهر وتفريغه من مضمونه:

أولا: الأزهر والسياسة، وهنا يدول الجدل حول الدور الوطنى للأزهر والدور السياسى ومساحات الاختلاف بينهما، على سبيل المثال اعتبر البعض وجود الأزهر فى مشهد 3 يوليو دور وطنيا واعتبره آخرون زج بالأزهر فى غياهب السياسة وانتصار لفريق دون فريق، ولذلك يجب أن نتفق جميعا على تعريف الدور الوطنى للأزهر وحدوده الفاصلة عن الاشتباك بالسياسة ومتاهاتها.

ثانيا: استقلال الأزهر عن السلطة سواء الاستقلال الإدارى وكذلك المادى، رفع دعاة استقلال الأزهر عدة مطالب لتحقيق هذا لاستقلال من وجهة نظرهم وهى: استعادة أملاك الأزهر وإلغاء وزارة الأوقاف ودمجها بالأزهر ونقل دار الإفتاء ومخصصاتها وأملاكها واختصاصاتها من وزارة العدل للأزهر، مع التأكيد على مبدأ انتخاب شيخ الأزهر عبر آلية يتم الاتفاق عليها. وما لا نختلف عليه أن الأزهر لم يعد مؤسسة مصرية تخص المصريين بل هو ملك للعالم الإسلامى والمجتمع الإنسانى الذى يتعامل مع الأزهر كمرجعية لأتباع ثانى أكبر ديانة بالكون. لذلك فترسيخ استقلاليته عن أى نظام حاكم يزيد مصداقيته ويضاعف تأثيره.

ثالثا: التعليم الأزهرى، وهو الملف الأصعب والذى أثار الجدل منذ بدايات القرن العشرين، ولعلنا نتذكر اقتراح الأديب طه حسين بتفكيك التعليم قبل الجامعى الأزهرى وتحويل الجامعة إلى كلية اللاهوت. وبمراجعة آثار التطوير الذى أحدثه عبدالناصر عام 1961 واستحداث كليات علمية بجامعة الأزهر وأثر ذلك على انخفاض المستوى التعليمى بالكليات الشرعية التى تمثل أساس الجامعة الأزهرية، وبعد مرور ما يزيد عن نصف قرن على هذه التجربة يجب أن تخضع للتقييم خاصة أنها كانت تابعة لمرحلة تاريخية للتمدد المصرى فى أفريقيا وغيرها ورغبة عبدالناصر فى توفير العلوم المدنية للوافدين بجوار العلوم الشرعية نتيجة لظروف الاستعمار الذى حرم هذه البلاد من التعليم الحديث واستثمارا لرغبة أبناء هذه الدول فى التعلم بجامعة الأزهر الذى كان يمثل لهم مصدر فخر بين بنى وطنهم. لذلك ينبغى التفكير فى فصل جامعة الأزهر لجامعتين جامعة تختص بدراسة العلوم الشرعية والتراث، وجامعة أخرى مدنية تنضم للجامعات الأهلية وتعامل بنفس معاملتها على أن يبقى التعليم قبل الجامعى بما يحتويه من مناهج أزهرية ومناهج عادية متاحا للجميع، على أن يقتصر الالتحاق بالجامعة الأزهرية الشرعية على من اجتاز مراحل هذا التعليم، ويتم تمكين من تدرج فى هذا التعليم من دخول أى جامعة حكومية أخرى طالما أنه درس نفس المواد المؤهلة بالإضافة للمواد الشرعية، وهذا اقتراح يجب أن يخضع لمزيد من التقييم والمناقشة.

رابعا: الأزهر والتراث والمناهج، وهذه الاشكالية التى فتحت الباب للهجوم الغير موضوعى والطعن فى الأزهر. وينبغى الإشارة إلى أن كتب التراث التى يتم تدريسها بالأزهر هى حصيلة إبداع إنسانى متراكم سواء فى علوم الفقه أو اللغة وعلوم الكلام والفلسفة وغيرها وتمثل فى مجملها ثروة علمية متكاملة لا يمكن أبدا التفريط فيها رضوخا لابتزاز بعض من لا يفهمون قيمة هذا التراث، لكن يمكن تشذيب وتهذيب بعض المسائل والموضوعات بهذه الكتب من خلال المتخصصين مع التأكد من التأهيل الجيد لمن يدرسون هذه المناهج وصلاحيتهم للقيام بذلك مع تضمين المناهج بكتب ودراسات حديثة تمثل التطور الفكرى والفقهى لمسائل الشريعة وضرورات العصر حتى يكون لدينا دعاة قادرين على التفاعل مع المجتمع ومشاكله.

خامسا: الأزهر والدعوة، لا أحد يرضى بفوضى الدعوة واعتلاء المنابر من أشخاص غير مؤهلين، ولكن فى نفس الوقت لا يمكن أن تقتصر الدعوة على من ترضى عنهم السلطة وتتحول وسيلة التقييم الوحيدة هى التقارير الأمنية. لذلك فلا بد من وجود حد أدنى من المعرفة والتأهيل يحمى المجتمع من نشر الخرافة والتطرف والكراهية باسم الدين مع التأكيد على عدم تحويل المساجد لساحات اقتتال سياسى سواء بتأييد السلطة أو معارضتها.

•••

معركة تطوير الأزهر قد تتحول لمعول هدم وقد تحقق ما نحلم به جميعا لهذه المؤسسة التى هى فخر لكل مصرى وجودها فى بلده فلتتكامل الجهود من أجل تحقيق الحلم.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات