سيد البنائين.. أحمد الحضرى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيد البنائين.. أحمد الحضرى

نشر فى : السبت 29 أغسطس 2015 - 7:40 ص | آخر تحديث : السبت 29 أغسطس 2015 - 7:40 ص

أمام دار السينما الأنيقة، المرصعة بأفيشات الأفلام المصرية، فى مدينة تورينو الإيطالية، عقب عرض ومناقشة أحد أفلام كمال الشيخ، الذى فاجأ الجمهور بقوة اسلوبه، تردد الأستاذ فى السير مع مجموعة الضيوف العائدة إلى الفندق.. قال، بعد صمت وتفكير: ثمة طريق آخر، مختصر، من الممكن أن يوصلنا فى وقت أقل.

اعترض الجميع، المصريون، والقادمون من روما.. أخذ الأستاذ يشرح: لقد مشينا فى ثلاثة أضلاع. اليسار، ثم اليمين، ثم اليمين.. بالضرورة، إذا سرنا، فى خط مستقيم، وسط الشوارع، فى المدينة، فإننا حتما سنصل إلى مبتغانا سريعا، مما سيجعلنا نتحاشى فترة تعرضنا للبرد القاسى.

لم يقتنع الضيوف بكلام الأستاذ. أما بالنسبة لى، وجدتنى أفضل المغامرة.. تحركنا، من شارع لشارع، ولم يفته تأمل البنايات القديمة، بمعمارها الإيطالى الخلاب.. وما هى إلا عدة دقائق، حتى رأينا الفندق أمامنا.. جلسنا فى الردهة، فى انتظار السادة، طوال النصف ساعة. فوجئوا بوصولنا، وبينما بدا الأستاذ مشفقا عليهم، انتابنى نوع من السعادة الشريرة، لأننى، مع الأستاذ، لم نبتل بمياه المطر الذى انهمر فى الربع ساعة الأخير، على العكس منهم.

الأستاذ، طبعا، هو أحمد الحضرى.. فسر لى ما فعله بأنه يرجع إلى دراسته لعلم قراءة الخرائط الذى استوعبه فى جامعة لندن، إبان دراسته لهذا العلم، موفدا من الجيش المصرى، فى منتصف الخمسينيات.

الحضرى، خريج قسم العمارة بكلية الفنون الجميلة، الرسام، عاشق السينما، تحولت عنده القدرة على قراءة الخرائط، إلى إمكانية رسمها فى ذهنه، وهذا ما حدث ليلة إدراك الطريق المختصر إلى الفندق.

مع الأيام، والمتابعة، أدركت أن تخيل الخريطة، وإدراك معالمها، وتضاريسها، مسألة لا تتعلق بالمكان وحسب، بل هى أسلوب حياة.. طريقة، فى التفكير، والتصرف، والتنفيذ، وهذا ما اتسم به، ومارسه، الأستاذ، وبالتالى، جاء الحصاد وفيرا.

الحضرى، الجاد إلى حد الصرامة، أكاد أراه وقد رسم، بصفاء، خرائط كل ما أنجزه. فى مجال الترجمة، اختار أكثر من عشرة كتب، بالغة الأهمية، تفيد عشاق السينما وصناعها، تجمع بين المتعة والعلم.. من بينها «فن المونتاج السينمائى»، من تأليف وإعداد أحد أصحاب الذوق الرفيع: كاريل رايس.

فى عالم التصوير، القريب من الرسم، أنجز الحضرى ستة أفلام، حصل بعضها على جوائز مرموقة، ولايزال بعضها مبهرا، بطريقة اقترابه الحميم من الوجوه البشرية، ولعلك تتذكر «حصان الطين» لعطيات الأبنودى ١٩٧١، الذى نال ما يقرب من الثلاثين جائزة، حسب الكتاب الثمين الذى كتبه الناقد الدءوب، محمد عبدالفتاح، أحد تلامذة المثقف الكبير.

تتعدد جوانب نشاطات وإنتاجات الأستاذ، وكلها، تصب فى طاحونة الثقافة السينمائية، فى أرقى حالاتها.

إذا كان من المغرى تأمل خريطة «تاريخ السينما المصرية»، فى جزءيه الأولين، مبينا تضاريس الإبداع المصرى، بما فى ذلك التعليقات النقدية، فإن الأهم، هو ما أنجزه خلال رئاسته لنادى سينما القاهرة، الذى استمر «٢٦» عاما، حيث أصدر نشرة أسبوعية، تعتبر ثروة ثقافية لكل من تابعها، واحتفظ بها.. تتضمن النشرة، قبل تحليل الفيلم المعروض، تسجيلا لتتابع مشاهده، مكتوب بدقة ووضوح.. ثم مواد إضافية، إما تعليقات على الفيلم الذى تمت مشاهدته فى الأسبوع الماضى، أو نقدا لأفلام معروضة فى دور السينما.

الحضرى، بنفسه، دأب على قراءة المادة، قبل نشرها، كلمة كلمة، والأهم، أنه أثناء عرض الفيلم، فى سينما أوبرا، أو فى قاعة النيل، تعود على المرور فى الطرقات، مانعا التدخين، قبل صدور قانون منع التدخين، محذرا من يتحدث إلى جاره، أو يعلق على مشهد، حتى أن البعض أطلق عليه صفة «حضرة الناظر».

فى هذه النشرة، انطلقت أسماء كبار نقادنا: سامى السلامونى، على أبوشادى، فتحى فرج، يسرى نصر الله ــ قبل تحوله للإخراج ــ يوسف شريف رزق الله، أحمد رأفت بهجت، خيرية البشلاوى، وآخرين.. مجلدات هذه النشرة، ذات قيمة ثمينة، تبين بجلاء، أن وراءها، لابد أن يكون صاحب عقل بناء، رسم خريطتها فى ذهنه، قبل إطلاقها.

مهرجان الاسكندرية، فى محاولاته لأن يغدو ناجحا، مرموقا، خصص جائزة باسم الأستاذ، الأمر الذى يعطى للحضرى، الذى أغدق علينا العطايا، بعض حقه.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات