لترامب مؤيدون فى مصر - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لترامب مؤيدون فى مصر

نشر فى : الخميس 29 سبتمبر 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 29 سبتمبر 2016 - 9:40 م
تبدو عقدة جماعة الإخوان والإسلام السياسى عقدة نفسية ملازمة لبعض قطاعات النخبة المصرية التى صارت فلاترها العقلية مصممة فى اتجاه فوبيا غريبة غير منطقية تجاه أى قضية سواء داخلية أو خارجية بحيث يتم خلط كل القضايا بهذه الفوبيا التى لا منطق لها ولا عقل.

آخر هذه القضايا هى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى يتنافس فيها المرشح الجمهورى ترامب وهيلارى كلينتون حيث تحولت الانتخابات الأمريكية تحت تأثير الإخوانوفوبيا إلى ساحة جديدة للخلاف فى مصر والتخوين والتصنيف طبقا للموقف من المرشحين.

دون مبالغة شعر المرء خلال الأيام الماضية خاصة عقب المناظرة الرئاسية الأمريكية الأولى بأن الانتخابات لا تخص أمريكا بل تخص مصر! فقد تجددت عاصفة الجدل التى غلب عليها اللاعقلانية التى وصلت لوصف هيلارى كلينتون بالإخوانية المؤيدة للإخوان، وبلغ الشطط بأحد هؤلاء ادعاء أن كلينتون تقوم بتحضير سيدة أمريكية من أصول باكستانية لمنصب وزير الخارجية ووصف هذه السيدة بأنها إخوانية تنتمى لأسرة إخوانية فى باكستان!

***

قمة الهزل أن تصدر هذه الأحاديث المضحكة من نخب يفترض بها الموضوعية والاتزان الفكرى والنفسى الذى يمنعها من الانحدار لهذه التحليلات المضحكة التى تحكمها نظرية المؤامرة الكونية والفوبيا التى قد يمكن تفهمها إذا صدرت من أنصاف متعلمين أو ضحايا للأمية وقلة الثقافة والاطلاع.

من العجيب أن يكون هناك أصلا مؤيدون لترامب فى مصر، هذا الرجل يمثل دون شك أسوأ تجليات التطرف الأمريكى الحديث، يعيد الرجل إنتاج العنصرية فى أبشع صورها وأغلب آرائه ومواقفه تتصادم مع الإنسانية وقيم التسامح والتعايش التى من المفترض أن العالم قد قطع فيها شوطا طويلا لا يمكن تخيل النكوص عنه والتراجع.

أفضل وصف لشخصية ترامب ما كتبه الأستاذ عماد الدين حسين بمقال حديث له حيث قال (ترامب هو عدو غالبية البشرية، هو متطرف وإقصائى وعنصرى، ويردد دائما أنه سيطرد العرب والمسلمين من أمريكا حال فوزه، وتصريحاته المتطرفة لم تتوقف منذ بدء حملته الانتخابية، ثم إن فوزه سيكون أفضل هدية لداعش وكل المتطرفين فى المنطقة والعالم، لأنه سيكون أفضل مبرر لتطرفهم).

أتفق مع هذا التحليل تماما لأن القاعدة المنطقية تؤكد أن التطرف يحتاج لتطرف مقابل كى يتسع وينتشر وتشتد شوكته، لذلك من الحمق الادعاء أن هذا العنصرى البغيض سيحارب التطرف والإرهاب بل سيساهم بشدة فى تحويل العالم لقطعة من الجحيم إذا سيكون وجوده مبررا لتنامى الإرهاب وتعميق فكرة صدام الحضارات وتأجيج مشاعر الكراهية الدينية بين شعوب الأرض.

***

يتناسى المؤيدون فى مصر لترامب ويتجاهلون ما قاله حول السيطرة على الشرق الأوسط حيث قال فى تصريحات سابقة (قبل تولى أوباما الإدارة الأمريكية كانت ليبيا ومصر وسوريا تحت السيطرة) على حد تعبيره، وهو ما يشير إلى احتقاره وازدرائه للمنطقة العربية ككل ورؤيته لها كقطعة من الأرض يجب أن تظل تحت السيطرة الأمريكية.

ترامب لا يشكل خطرا على الولايات المتحدة فقط بل على العالم كله، تنامى (الظاهرة الترامبية) على مستوى العالم هو إيذان بإعادة إنتاج خطابات الكراهية وصعود اليمين المتطرف الذى يعيد للأذهان المرحلة النازية والفاشية التى تلاحمت فى ألمانيا وإيطاليا لتزج بالعالم فى حروب دامية راح ضحيتها ملايين البشر، فمن الذى يريد ذلك للعالم مرة أخرى؟

أمريكا بالفعل لا يديرها شخص بل مؤسسات ضخمة تقوم بعملية صناعة القرار لكن وجود رئيس متطرف وعنصرى سيختار فريق إدارته بنفس العقلية سيسبب الكثير من المشكلات لأمريكا والعالم، لا يعنى هذا أن هيلارى كلينتون ملاك يحمل الخير للعالم وللمنطقة العربية ولكن المفاضلة بين سيئين لا تعنى اختيار الأفضل بل الأقل سوءا، ليس لنا أصوات انتخابية فى سباق الانتخابات الأمريكية لكننا نتمنى أن ينبذ الأمريكيون دعاة الكراهية والعنصريين ويرسلوا رسالة للعالم أنهم يرفضون هذا المسار الجنونى الذى سيقودهم إليه ترامب ومن على شاكلته.

أوهام مؤيدى ترامب فى مصر تحتاج للعلاج النفسى قبل التفنيد العقلى والفكرى، هذه الفئة من المتطرفين داخل مصر والتى تشكل صعودا ليمين مدنى لا يقل خطرا عن اليمين الدينى يجب أن نواجهها بتفنيد وتفكيك مفردات هذا الخطاب وتوعية الجماهير بمخاطره وعواقبه على مصر.

ليس من مصلحة مصر تنامى هذا اليمين المتطرف الذى يرتدى ثوبا مدنيا براقا بينما هو فى ممارساته ومواقفه وانحيازاته يمثل وجه العملة الآخر لليمين الدينى وقد يفوقه خطورة فى بعض الأحيان لأنه يستغل خوف الجماهير من اليمين الدينى فيقوم بتدجين خطابات عنصرية تساهم فى زيادة الشقاق المجتمعى ويهدد السلم الأهلى بشكل عام.

***

الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستنتهى وأيا كانت نتائجها ستؤثر بلا شك على السياسات والعلاقات الدولية لكن ما يجب الانتباه له فى مصر هو التصدى لصعود هذا اليمين المدنى الذى للأسف لا تعنيه الديمقراطية ولا قيمها وتورط فى دعم انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر وشارك فى دعم سياسات تنافى المواطنة وتناهض تحقيق الديمقراطية، لذلك فهو ليس ظهيرا للديمقراطية كما يدعى بل ظهير للاستبداد والكراهية وتمزيق أواصر المجتمع. مصر لا تستحق أن يكون هؤلاء نخبتها والديمقراطية منهم براء، لا تحتاج مصر لمزيد من الكراهية والشقاق بل تحتاج لتضميد الجراح وتحقيق الوفاق، التطرف لا يصنع المستقبل.
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات