ريح صرصر عاتية - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ريح صرصر عاتية

نشر فى : السبت 29 سبتمبر 2018 - 10:45 م | آخر تحديث : السبت 29 سبتمبر 2018 - 10:45 م

أمهات ونساء يحفرن القبور في انتظار من سيرجع ميتا من الرجال بعد المعركة مع الجيش النظامي. ولد يسافر بغتة إلى سوريا، تاركا رسالة خطية إلى أهله ليعلمهم بالخبر. جهاديان يستعدان لتفجير أنفسهما ونراقبهما في لحظاتهما الأخيرة. جميع هؤلاء هم أبطال ثلاثة أفلام عربية، روائية طويلة، عرضت في الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي التي اختتمت قبل يومين، وهي تعكس واقع مجتمعات مأزومة لا تزال لا تفهم ما الذي ألم بها. ضربها شيء من الجنون لا أول له ولا آخر، هلامي الشكل يسمى الإرهاب باسم الدين، وهي لا تفهمه وتعجز عن تفسيره بشكل كامل، ما اتضح من رؤية المخرجين للأمر. يطرحون حالات دون الغوص في دواخلها، يتناولون اللحظة، يركزون على مواقف بعينها، يطرحون الأسئلة دون إجابات وافية، وهم يعرفون أن دورهم ليس الوصول لإجابات يقينية. يضعونا فجأة أمام هؤلاء الأفراد دون التعرض لدوافعهم، فقط نجد أنفسنا أمام شخصيات درامية في أزمة.

***

وتعريف كلمة "الأزمة" باللاتينية أو crisis)) يعني اختيار أو قرار صعب أو مرحلة حرجة من المرض أو ظواهر مبهمة يعتريها الغموض أو فقدان التوازن... أي جميعها أوصاف تنطبق على حالة مجتمعنا العربي الراهن، الأمر الذي نشعر به فور مشاهدتنا الأفلام العربية في مهرجان الجونة، فعلى الرغم من أن مخرجا مثل الجزائري مرزاق علواش قد تناول ظاهرة التطرف الديني في أربعة أفلام سابقة، خاصة العشرية السوداء أو الصراع المسلح الذي كان دائرا بين النظام وفصائل موالية لجبهة الإنقاذ، إلا أن فيلمه الخامس "ريح رباني" جاء مرتبكا ومربكا. نتابع من خلاله علاقة جهادية قيادية معروفة باسم نورا الفرنسية وجهادي ناشئ باسم أمين، في انتظار الأوامر لتنفيذ عمليتهما الانتحارية. نتوق لمعرفة دوافعهما ولتحليل تناقضاتهما إلا أننا نظل بجهلنا، نرى العالم من منظور الأبيض والأسود الذي صور به الفيلم. أما شريط المخرج التونسي محمد بن عطية "ولدي" فهو يعرض لعالم الأب الذي يتهاوى مع رحيل ابنه المفاجئ إلى سوريا، يحاول الوصول إليه وإثنائه عن قراره دون فائدة. يركز الفيلم على دور الأب ومسؤوليته أكثر من قصة الابن ومشكلاته. وبالتالي نظل أيضا بجهلنا.

***

وثالث فيلم هو السوري "عندما أضعت ظلي" لسؤدد كنعان. خلال رحلة البحث عن أسطوانة غاز، تقع البطلة على مجموعة من الجهاديين الإسلاميين، تشارك معهم في حفر قبور الغائبين، تواجه معهم آثار الحرب، ونظل ندور معهم في الدائرة المفرغة نفسها، دائرة الحرب والكرب وسكة من يذهب بلا رجعة. لم يأخذ الأبطال ومن أخرجوهم على الورق البعد الكافي من الحدث لكي يتمكنوا من روايته. لكن السينما تسير مدفوعة بحجم التحولات السريعة. لم تهضم الواقع بعد. واقع أشبه بالكوابيس التي تؤرق نوم أي مبدع وتستحوذ على تفكيره فلا يستطيع الفكاك منها.
عرضت الأفلام الثلاثة لأول مرة في العالم العربي، وحملت همومه حتى ولو بشكل غير محكم ولا مقنع، لكنها جديرة بأن نناقش محتواها ونتوقف عندها ونفكر، في انتظار أعمال أكثر نضجا.

التعليقات