وداعًا على ماهر أحد فرسان الدبلوماسية المصرية - عمرو موسى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وداعًا على ماهر أحد فرسان الدبلوماسية المصرية

نشر فى : الثلاثاء 29 نوفمبر 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 نوفمبر 2016 - 9:35 م
كم هى نادرة تلك الكلمات التى يستطيع المرء أن يعبر بها عن ألمه وحزنه لفقدان السفير على ماهر السيد، الذى رحل إلى جوار ربه يوم 23 من نوفمبر الجارى؛ ذلك أنه قضى حياته كلها فى العطاء والتفانى لأجل رفعة بلاده وإعلاء شأنها؛ فأصبح عن جدارة واستحقاق أحد سفرائنا الكبار، الذين تعتز بهم الدبلوماسية المصرية باعتبارهم أبناءها البررة المخلصين، الذين تركوا بصمة فى كل موقع عملوا فيه أو تولوا أمره.

تربطنى بالسفير على ماهر، صداقة ممتدة منذ بواكير التحاقى بوزارة الخارجية فى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى، وعبر هذه السنين الطوال تميز الراحل الكبير بالعمق والهدوء، وحسن الإطلاع والثقافة الرفيعة والقدرة الكبيرة على الحصول على المعلومات المتعلقة بأى موضوع هام، سواء كلفته به الوزارة أو قدر هو أنه موضوع يستحق أن يلفت النظر إليه، فيبادر بوضع تفاصيله أمام وزارة الخارجية والحكومة المصرية من أى موقع يخدم فيه.

عمل السفير على ماهر مديرا لمكتبى وقت أن كنت وزيرا للخارجية (1991ــ 2001) بعد عودته من منصبه كسفير لمصر فى تونس، وإلى أن أصبح سفيرنا فى باريس. كان هناك تماهى كبير بينى وبينه فى إدارة الوزارة وإدارة الدبلوماسية المصرية، وفى الحركة السياسية، التى كانت تقودها وزارة الخارجية، ولذلك أشعر بالحزن الشديد على فقد هذا الدبلوماسى القدير.

وصل السفير على ماهر إلى قمة تألقه فى العمل الدبلوماسى خلال الفترة التى كان فيها سفيرا لمصر فى فرنسا (1999ــ2002)، فقد نجح بحق فى أن يكون سفيرا فوق العادة، قادر بانفتاحه على الرئاسة الفرنسية والمجتمع الفرنسى بمفهومه الأوسع بما يضمه من فنون وآداب واقتصاد وسياسة على تعزيز العلاقات المصرية ــ الفرنسية وخدمة مصالح بلاده فى هذا البلد الأوروبى المهم. وساعده على ذلك ثقافته الفرنسية رفيعة المستوى. كنت أداعبه دوما بقولى «وأنت فى فرنسا يا على أراك كسمكة تبحر فى المياه»، من فرط إلمامه بتفاصيل التفاصيل المرتبطة بالثقافة الفرنسية بمختلف مجالاتها.

كانت المحصلة النهائية لجهود على ماهر فى الفترة التى قضاها سفيرا لمصر فى فرنسا أن أصبحت العلاقات بين القاهرة وباريس مطمئنة مستقرة، يسودها التفاهم والتنسيق على الأصعدة جميع. وظل حتى وفاته فى تواصل دائم ومستمر مع الأوساط السياسية والدبلوماسية الفرنسية؛ فحظى الراحل الكبير بتقدير المسئولين الفرنسيين، وتجلى ذلك فى إصرار السفير الفرنسى فى القاهرة، السيد أندريه باران على مرافقة جثمانه حتى وورى الثرى.

اتسم على ماهر بخلق قويم، فلا كذب ولا خداع، ولا رياء، ولا استغلال نفوذ، حتى فى طموحه كان منضبطا صبورا. ولما تواترت الأنباء عن توليه وزارة الخارجية بعد خروجى منها سنة 2001 كنت سعيدا جدا بأن الوزارة سوف يأتيها وزير عظيم مؤهل لقيادتها، ويستطيع بكل حرفية ومهنية إدارة شئونها ربما بأسلوب مختلف عن أسلوبى، ولكنه من نفس المدرسة ونحو نفس الأهداف.

فى سنواته الأخيرة بعد تقاعده تولى مسئولية العلاقات الخارجية لمكتبة الإسكندرية، فجعل المكتبة قبلة يشار إليها بالبنان فى مناقشة القضايا الدولية التى تمس إقليم الشرق الأوسط والعالم العربى والعلاقات المصرية مع العالم الخارجى، ولعلى أذكر آخر ندوة أقامها فى هذا السياق بالتعاون بين مكتبة الإسكندرية والسفارة الفرنسية فى القاهرة تحت عنوان «قرنان من العلاقات الفرنسيةــ المصرية: مصير وآفاق مشتركة فى 17 و18 أكتوبر الماضى، وشارك فيها كثير من المسئولين الفرنسيين، والجالية الفرنسية والاكاديميين الفرنسيين، وكذلك نظراؤهم من مصر، وكانت ندوة مهمة هنأته عليها، وعلى التفاعل الكبير الذى حدث فى مناقشاتها المثمرة.

السفير على ماهر متزوج من سيدة كريمة للغاية، تنافسه فى الهدوء والرقى، هى السيدة شاه ناز المهدى، والدها عباس باشا المهدى، الذى كان أحد كبار أعضاء حزب الوفد، والحقيقة كانت فى غاية الكرم، والمنزل فى غاية النظام، ولذلك أحبها الجميع، وساهمت فى توفير الأجواء اللازمة لنجاح زوجها.

يؤسفنى كثيرا أن الدبلوماسية المصرية فقدت على ماهر، وأنه لن يصبح متاحا كما كان متاحا لنا جميعا نأخذ رأيه وننهل من حكمته ونتبادل معه الصداقة الحقة المنزهة غن كل غرض.
رحم الله على ماهر أحد فرسان الدبلوماسية المصرية وأدخله فسيح جناته.
عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق لجمهورية مصر العربية والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية
التعليقات