مكافحة الحرب المعلوماتية الروسية فى عصر وسائل التواصل الاجتماعى - قضايا إعلامية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مكافحة الحرب المعلوماتية الروسية فى عصر وسائل التواصل الاجتماعى

نشر فى : الأربعاء 29 نوفمبر 2017 - 8:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 29 نوفمبر 2017 - 8:15 م

نشر مركز الأبحاث الأمريكى Council on Foreign Relations للباحث «كير جايلز» ــ زميل فى برنامج روسيا وأوراسيا بمركز تشاتام هاوس ــ والذى يتناول العمليات المعلوماتية التى تشنها روسيا ضد الدول الغربية وتحديدا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ويضع عددا من التوصيات لمواجهة تلك الحرب.
بداية ذكر الباحث أنه لا تزال التحقيقات مستمرة بخصوص التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث كشفت التحقيقات عن وجود قرصنة للمراسلات الإلكترونية التى تخص مسئولين حكوميين فضلا عن استخدام الإعلانات المستهدفة على مواقع التواصل الاجتماعى بهدف التدخل فى العملية السياسية وزيادة التوترات المجتمعية.
منذ المراحل الأولى لتطور الإنترنت، اعتبرت مؤسسة الأمن القومى الروسى أن الإنترنت هو بمثابة سلاح يمكن من خلاله تغيير النظم السياسية وصعوبة مهمة الدولة فى فرض سيادتها على أراضيها. تضم منظمة Russia's informationــ warfare capabilities مستخدمى الإنترنت ومنافذ إعلامية ومتصيدى وسائل التواصل الاجتماعى، وكل هؤلاء محاطين بدرجة عالية من السرية. من الجدير بالذكر أن الحكومة الروسية تمتلك العديد من الجهات الفاعلة فى الحرب السيبرانية، وذلك من خلال توظيف مستأجرين ومجرمين سابقين لينفذوا هذه العمليات، مما يعطى لموسكو الحق فى نفى ذلك إذا تم اكتشافهم وقبض عليهم.
ومع ذلك يمكن للحكومات الغربية والقطاع الخاص أن يأخذوا خطوات للتحقق من عمليات النفوذ الروسى. ويجب عليهم أن يتهموا بشكل قاطع الأنشطة الروسية بمجرد أن يتم تحديدها. كما ينبغى على وكالات مكافحة التجسس أن تحدد الوسائل الكمية لقياس فعالية المناهج الروسية فضلا عن ضرورة أن تقوم شركات التواصل الاجتماعى بمزيد من الرقابة على مواقعها للمحتويات الذى ترعاها الدولة المعادية. كما يجب على المؤسسات الإخبارية أن تروج للمحتويات التى يتم التحقق منها وإثبات صحتها على مواقعها.
***
الخلفية:
يكمن هدف السياسة الخارجية الروسية فى إضعاف خصومها، خاصة الدول المتاخمة لحدودها وحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بأى وسيلة متاحة. وتستهدف حربها المعلوماتية التماسك الاجتماعى والنظم السياسية للدول المعادية.
خلال القرن العشرين استغل الاتحاد السوفيتى حرية التعبير فى الغرب وقام بزرع ونشر الأخبار الزائفة، وفى العقد الأخير فإن صعود وسائل التواصل الاجتماعى جعلت هذه المهمة أبسط من ذى قبل بكثير؛ فمنذ عام 2017، استغلت موسكو شبكات الإعلانات المتطورة والتى تستخدمها الشركات المشروعة والحملات السياسية من أجل تضليل الجمهور المستهدف.
عملت روسيا على تحقيق هذا الهدف خلال الحملة الانتخابية الأمريكية فى 2016، عندما مزجت الوكالات الروسية بين العوامل التقنية والنفسية للتأثير على الناخبين الأمريكين ليصوتوا لصالح مرشح الحزب الجمهورى «دونالد ترامب». حيث قام القراصنة الروس بنشر وثائق تدين مرشحة الحزب الديمقراطى «هيلارى كيلنتون» من أجل إحراج حملتها الانتخابية فضلا عن أن وسائل التواصل الاجتماعى لعبت دورا فى هذا النطاق من خلال متصيدى وسائل التواصل الاجتماعى مما أدى إلى تعزيز فرص نجاح «ترامب».
حاولت روسيا التدخل أيضا فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017 من خلال محاولة التدخل فى حملة «ماكرون»، ولكن الحكومة والإعلام الفرنسى حذرا من تلك الأنشطة، ومن الجدير بالذكر أن تلك الأنشطة حققت نجاحا تقنيا محدودا دون أن يكون لها تأثير كبير فى نتائج الانتخابات.
أما بالنسبة للانتخابات الألمانية فمن الصعب إثبات ما إذا كانت روسيا قد تدخلت فى تلك الانتخابات أم لا. فهناك وجهة نظر ترى أنه من المحتمل بعد التجربة الفرنسية قررت روسيا عدم التدخل فى ألمانيا. وتذهب وجهة نظر أخرى إلى أن روسيا حاولت التدخل ولكن استخدمت تقنيات أكثر خفية أو لم تتضح بعد، حيث من الجدير بالذكر أن العديد من الأدوات المستخدمة فى الانتخابات الأمريكية أصبحت معروفة على نطاق واسع بعد عام واحد من الحدث. فحتى لو أن التلاعب المحتمل فى الانتخابات الروسية غير ناجح أو غائب. فيكفى التسبب فى عدم اليقين والشك حول العملية الديمقراطية وبالتالى تلبية أهداف روسيا.
إن المحاولات لزرع الخلافات لا تقتصر فقط على الانتخابات، فاستمرت فى التدخل فى الشئون الداخلية الأمريكية منذ الانتخابات، وفى الآونة الأخيرة نشرت الشبكة الروسية للإنترنت رسائل مثيرة للانقسام على مواقع التواصل الاجتماعى ردا على الجدل الدائر حول ركوع أحد لاعبى كرة القدم الأمريكية أثناء النشيد الوطنى. وفقا لـ The Research group Alliance for Securing Democracy يوجد نحو 600 من الحسابات المدعومة من قبل روسيا والتى قامت بالترويج لتلك الحادثة من أجل تأجيج حدة الجدل.
إن المعالجة الرقمية للبيانات الشخصية للأفراد عبر مواقع التواصل الاجتماعى والتى تشمل تاريخ التصفح والإنفاق الاستهلاكى تمكن أى شخص من استهداف مجموعة معينة من الأفراد والمحددين على حسب الموقع الجغرافى والوضع الاقتصادى والاجتماعى، فالجهات الفاعلة الخبيثة يمكن أن تظهر رسائل متناقضة لمجموعات مختلفة من المستخدمين مصنفة على حسب الخصائص السياسية أو العرقية أو الدينية أو الديموغرافية، من أجل اللعب على التوترات القائمة داخل المجتمعات المستهدفة. وتظهر المعلومات ببطء حول مدى استخدام هذه الطريقة من قبل الكيانات المرتبطة بروسيا خلال وبعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولكن أثرها العام لايزال غير واضح. ويمكن أن يكون لهذا التضليل الحاسوبى هدف وتأثير قابل للقياس. إحدى هذه الطرق هى «القرصنة من أجل إدراج تقارير كاذبة فى وسائل إعلام حقيقة».
التحديات:
توفر وسائل التواصل الاجتماعى بيئة مثالية للحملات الإعلامية العدائية، فلقد فقد العديد من المتابعين الثقة فى وسائل الإعلام القائمة حيث يميل كل شخص إلى المعلومات التى تؤكد وجهة نظره. ولم تكن روسيا بحاجة إلى خلق انقسامات جديدة فى المجتمعات المستهدفة حيث إنها تقوم باستغلال الانقسامات الموجودة بالفعل. الدول الغربية تعتمد على الشركات متعددة الجنسية لتقييد عمليات الحرب الإعلامية فبعد الانتخابات مباشرة نفى كل من جوجل وفيسبوك وتويتر وشركات أخرى استخدامها فى حملات التضليل ونشر الأخبار الزائفة.
ولكن فى الآونة الأخيرة اعترفوا بنطاق العمليات الروسية وعملوا مع أطراف ثالثة لنشر الأخبار الزائفة وقاموا بوضع حلول تكنولوجية لمكافحة التضليل الإعلامى.
***
توصيات لمواجهة الحرب الإعلامية:
يقدم الباحث بعض التوصيات التى يمكن للكونجرس والحكومات الأخرى المتضررة من الحرب الإعلامية الروسية أن تضعها فى الاعتبار.
ــ إن إدراك تحدى الحرب المعلوماتية الروسية هى بمثابة الخطوة الأولى لمواجهتها. كانت الدول الغربية بطيئة فى البداية فى الرد على القدرات الروسية الإلكترونية. كما ركز الغرب فى التصدى للتهديدات التقنية عبر الفضاء الإلكترونى، مثل الجريمة الاقتصادية والتجسس والهجمات على البنية التحتية الحيوية. فى الآونة الأخيرة فى أوروبا أدى تزايد الوعى بالتهديد إلى تمكين المجتمع ووسائل الإعلام والحكومات من وضع سياسات دفاعية مناسبة موضع التنفيذ، فعلى سبيل المثال؛ فى ألمانيا أثارت قضية «ليزا» الوعى العام والاهتمام بالعمليات الإعلامية العدائية حيث حاولت روسيا تأجيج مشاعر معادية للمهاجرين. ومن ثم ينبغى على القادة فى الدول الغربية أن يكونوا متفهمين لطبيعة التحدى حيث ثبت أن ذلك فعال فى زيادة الوعى العام وخفض النتائج المحتملة للعمليات الإعلامية.
ــ قيام الحكومات المستهدفة من قبل العمليات الروسية بوضع مقياس معين للتعرف على الأهداف المحتملة مثل التأثير على الانتخابات؛ فبمجرد تحديد العمليات المعلوماتية الضارة ينبغى على الدول المستهدفة أن تستنكرها بسرعة، وذلك لتقليل تأثيرها والرد على الجهات الفاعلة الأخرى التى ترغب فى إجراء مثل هذه العمليات. كما يجب على صناع السياسات أن يحذروا الدول الأخرى التى تميل إلى الجمع بين الهجمات السيبرانية والتلاعب فى مواقع التواصل الاجتماعى بأن الرد سوف يكون أسرع وأكثر فعالية مما كانت عليه انتخابات 2016.
ــ على غرار برامج مكافحة الفيروسات الموجودة على أجهزة الكمبيوتر ينبغى على الحكومات أن تضع نظاما مشابها له لتحديد مصدر المعلومات الزائفة ورسم الخرائط لكيفية تأثيرها على الرأى العام. وهذا من شأنه أن يسمح لها بإجراء تقييم لأى تدخل روسى للسيطرة على الخطاب الإلكترونى والنقاش العام.
ــ تلعب مواقع التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك وتويتر دورا مهما فى التخفيف من آثار الرسائل الروسية، إلا أن هدفها يتمثل فى تحقيق الربح وليس الدفاع عن الحكومات الغربية. وهناك محاولات لإدخال تشريعات ولوائح قانونية لتقييد الخطاب الإلكترونى حتى لو استهدفت المعلومات المضللة الروسية والمتصيدين الروس، ومن ثم يجب على تلك المواقع اتخاذ خطوات صارمة ضد هذا النوع من المعلومات فضلا عن التعاون مع وكالات الاستخبارات الغربية، وينبغى على شركات التواصل الاجتماعى التعاون مع الصحفيين والمصادر الموثوقة للتدقيق فى المعلومات التى تنشر عبر مواقعها.
ــ لمواجهة التحدى الخاص بكيفية استغلال علم النفس البشرى من خلال التضليل الإعلامى عبر وسائل التواصل الاجتماعى ينبغى أن تكون ردود الحكومات مثيرة للاهتمام مثل الأخبار الزائفة التى تتصدى لها، والتفسيرات البسيطة التى تقيد الأخبار الزائفة ولا تكفى إشراك الجمهور المستهدف، وينبغى ألا تركز التدابير المضادة على التحقق من الوقائع فقط، وعلى غرار المعلومات الخاطئة الأصلية ينبغى أن يناشدوا عواطف القراء بدلا من عقلانيتهم لكى يكونوا فعالين.
ختاما، تشكل العمليات المعلوماتية الروسية تحديا صعبا ولكن ليس مستحيلا بالنسبة للحكومات المستهدفة. فالتدابير المضادة يجب أن تكون مرنة وقابلة للتكيف، وإذا لم يكن المدافعون مستعدين للتنبؤ، فسوف يفاجأون مرة أخرى.

إعداد: زينب حسنى عزالدين

النص الأصلى
http://on.cfr.org/2zLSF1T

التعليقات