فاشية لينز وأحلام محفوظ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فاشية لينز وأحلام محفوظ

نشر فى : السبت 30 يناير 2016 - 10:45 م | آخر تحديث : السبت 30 يناير 2016 - 10:45 م
رحلة عمل سريعة جاءت بى من جامعة ستانفورد إلى مدينة لوس أنجلوس. اصطحبت معى للقراءة كتابين، أولهما لعالم سياسة شهير اسمه خوان لينز وعنوانه «الفاشية، انهيار الديمقراطية، الحكومات السلطوية والشمولية: أوجه التشابه والاختلاف»، وثانيهما للأديب نجيب محفوظ وعنوانه «أحلام فترة النقاهة» الأحلام الأخيرة.

فى الطريق إلى لوس أنجلوس، بدأت بكتاب لينز الذى يحوى العديد من الملاحظات المهمة عن الفاشية التى تجمع دوما بين ممارسة العنف المادى والعنف الفكرى ضد المعارضين وبين التعبئة الشعبية الواسعة للمؤيدين، وعن النظم السلطوية والشمولية التى تحتكر الحكم وتميت السياسة وتتخوف من حضور الناس فى المجال العام، مؤيدين أو معارضين. يقدم الكتاب أيضا ــ معولا على أبحاث لينز الكثيرة عن انهيار الديمقراطية فى أوروبا بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وعلى مدى القرن العشرين فى أمريكا اللاتينية ــ تحليلا دقيقا لقيام فاشيات على أنقاض تجارب ديمقراطية مضطربة ولتمكن نظم سلطوية وشمولية من الاستئثار بالحكم فى المجتمعات التى تعانى أزمات اقتصادية واجتماعية حادة وتتسم مؤسساتها المدنية بالضعف.
شعرت بالارتياح ما إن أنهيت قراءة الكتاب فى مساء يومى الأول فى لوس أنجلوس. تعجبت، فعادة لا يشعرنى أسلوب الكتابة الأكاديمى بالملل، ولا ترهقنى المناقشة التفصيلية لخبرات بلدان بعيدة مكانيا وزمانيا عن الواقع المصرى الراهن. وربما كانت الرغبة فى التخلص من هذا الشعور الغريب هى التى دفعتنى إلى الإمساك بأحلام الأديب نجيب محفوظ، والبدء فورا فى مطالعتها. كنت، على الرغم من الإجهاد البدنى والعقلى، أبحث عن قراءة من نوع آخر.
لم أترك أحلام نجيب محفوظ إلا وقد انتهيت من قراءتها، وزال عنى الشعور بالملل، وبت على حال هو إلى الهيام بالوطن أقرب. بل تثبتت مجددا من قدرة الإبداع الأدبى على إجلاء حقائق الفاشية والسلطوية والشمولية وغيرها بلغة واضحة ومفردات لا تحذلق بها وفى إيجاز جميل.
فى باب الهيام، حلم ٢٣٨: رأيتنى أتسلم هدية ثمينة من يد الشيخ الفنان وهو يقول لى: لا تستمتع بها إلا حيث يلتقى النيل بالبحر، وذهبت إلى هذا الملتقى فوجدت الشيخ فى انتظارى واستمتعنا معا بالهدية، وترنمت الحناجر بالمواويل العذبة، ومازلنا كذلك حتى سبح فى الفضاء الرطيب أذان الفجر المبارك.
حلم ٣٢٧: رأيتنى طفلا جالسا بين أمى وعمتى، وعمتى تروى لى قصص الريف، لصوصه وعفاريته، ثم اختفت فسألت أمى عنها فقالت أمى لى إنها رجعت إلى بيتها وأولادها فى الريف، فظهر على وجهى الحزن، فقالت أمى معاتبة: ألست أروى لك كل ليلة عجائب القصص عن الإنس والجن؟!
فى باب إجلاء الحقائق، حلم ٢٣٢: رأيتنى فى الغورية وجنود الشرطة أضعاف المدنيين، ورأيت أبى قادما وشرطى عن يمينه وآخر عن يساره فانقبضت وخفت أن يكون مقبوضا عليه، ولكنه سلم على وقال لى: رأيتك مقبلا وشرطى عن يمينك وآخر عن يسارك فخفت أن يكون مقبوضا عليك.
حلم ٣٥٥: وجدتنى فى حشد مكون من مليون شخص هى نسخ مكررة؛ فسمرتهم غميقة وقاماتهم قصيرة وبدينة كأنهم براميل، وقسمات وجوههم غليظة، وإذا بالجيش يقدم، تتقدمهم فرقة موسيقية تذيع لحنا يبعث فى النفوس الرهبة والخوف، فتساءلت: ترى أهى مناسبة تاريخية أم جنازة قومية؟
لن أصطحب معى لينز أبدا بعد اليوم.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات