حرية الرأى حين تصبح جريمة بالبرلمان - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرية الرأى حين تصبح جريمة بالبرلمان

نشر فى : الخميس 30 مارس 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 30 مارس 2017 - 9:35 م

لا يصدق المرء ما يراه فى جلسات البرلمان الذى قرر من البداية سرية جلساته وعدم إتاحتها للبث المباشر مثل أى برلمان فى العالم واكتفى بما يخرج من الصحفيين الحاضرين للجلسات من تغطية إعلامية محدودة وبعض المقاطع التى تعرض بعد المونتاج على شاشات التلفاز، بعد فصل نائب رأته إدارة البرلمان خرج عن الخطوط المسموحة فى النقد تم تحويل النائب هيثم الحريرى إلى التحقيق بتهمة الإساءة إلى رئيس المجلس!
جريمة هيثم الحريرى أنه طلب الكلمة لإبداء الرأى فى مشروع قانون الهيئة الوطنية للانتخابات وهذا حقه الذى رواه مستنكرا إحالته للتحقيق دون جرم حقيقى قائلا (بالرغم من التسجيل الإلكترونى لطلب الكلمة فى مناقشة قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، وبالرغم من طلب مكتوب لمناقشة المواد 15 و16 من القانون، تمسكت بحقى فى إبداء الرأى، وتجاهل رئيس المجلس طلبى وأصر على التصويت على المادة رقم 15 وأعلنت أن هناك مخالفة للوائح من رئيس المجلس، وصوت رئيس المجلس على تحويلى لهيئة المكتب، فخور بمواقفى ومتمسك بها ومستعد لفصلى من المجلس اليوم قبل الغد، المجلس وسيلة وليس غاية، سنظل ندافع عن حقنا وعن حق الشعب ويشرفنا أن نسدد ضريبة مواقفنا كاملة).
تابعت تغطية الإعلام للأزمة وفوجئت بتصريحات للسيد رئيس البرلمان منها (هيثم الحريرى شتمنى فى الإعلام والصحافة ويقول لى فى الجلسات أنت تخالف اللائحة ولابد من وقفة معه). وفى تصريح آخر (لقد قمت بالتدريس لـ40 جيلا من طلاب كلية الحقوق، ومعرفش الدستور واللائحة؟ هل يجوز ما قيل لى»، مشيرًا إلى أن هؤلاء الأجيال يجلسون على منصات القضاء داخل مصر وخارجها، وما حدث تطاول غير مقبول ولابد أن أحافظ على كرامة المجلس).
***
لا أفهم شخصيا الربط الغريب بين موقف شخصى لرئيس البرلمان وبين كرامة المجلس واعتبار أى اختلاف مع رئيس البرلمان إهانة للمجلس!، لم استطع منع نفسى من تذكر موقف شخصى لى فى البرلمان السابق حين شبت مشادة كلامية بينى وبين الدكتور الكتاتنى رئيس البرلمان حينها حول قدرة البرلمان على سحب الثقة من الحكومة وارتفعت أصواتنا وأنا أعلق تحت المنصة حول بيان الحكومة وأنهيت كلمتى غاضبا وسط اعتراض وصخب من نواب الإخوان حينها ضدى، ولم يمر يوم حتى فوجئت وفوجئ جميع النواب برئيس البرلمان يعتذر لى على الهواء مباشرة فى الجلسة العامة ويقول حرفيا (لقد ارتفع صوتى وانفعلت أثناء كلمة النائب واعتذر له عن هذا الانفعال وأؤكد على احترامى وتقديرى له).
شتان بين الموقفين فلم يتم تحويلى إلى لجنة القيم ولم يتم اتهامى بإساءة الأدب ولم يتم عقابى على إبداء رأيى مهما كانت درجة الانفعال والحدة لأن هذا دور كل نائب يمثل الشعب ودور رئيس البرلمان هو إعطاء الجميع الفرصة للتعبير عن الآراء فى أى قضية وأى مقترح قانون.
***
اتهام هيثم الحريرى بإساءة الأدب والتجاوز وإهانة كرامة البرلمان نوع من التزيد غير المعقول، اتجاهات النائب المعارضة وسط أغلبية مؤيدة لا يحتملها هؤلاء ويتم الإصرار على التنكيل به لإنهاء فكرة جدوى المشاركة مع النظام فى أى عملية سياسية. نال الحريرى انتقادات بالغة من رفاقه بسبب خوضه هذه الانتخابات تحت الظروف التى تم بها تشكيل البرلمان وبسبب الأوضاع السياسية بشكل عام خلال السنوات الماضية، لكنه أصر على أن يخوض التجربة كإصلاحى يناضل من داخل النظام ومؤسساته، لكن هذا النظام ضاق به وتم الإيعاز لجهات إعلامية معروف توجهاتها بقتله معنويا وشن حملات ضارية تشكك فى ذمته المالية، قم بكتابة اسمه على موقع البحث جوجل لتجد سيلا من الروابط لبلاغات كيدية ضده وتغطيات صحفية كبيرة كلها تقوم بالنهش فيه وتطلب إخراجه من البرلمان تحت مزاعم شتى.
لو يفهم هؤلاء ألف باء السياسة فوجود أمثال الحريرى فى البرلمان والمشهد السياسى هو مكسب لهم حتى لا يظهر للمتابع حقيقة احتكار المشهد السياسى وتأميمه لصالح المؤيدين فقط. كان نظام مبارك يقوم بتفصيل معارضة يكمل بها الديكور الديمقراطى ويترك لها منافذ فى الإعلام تهاجم بها سياساته وتقوم بالتنفيس عن الناس، لكن ما نراه الآن هو رغبة واضحة بإقصاء كل من لا يسبح بحمد السلطة حتى من ارتضوا أن يستمروا فى الساحة السياسية بكل ما فيها من عوار على أمل منهم بصناعة تغيير إيجابى ولو على مستويات صغيرة.
***
لا أفهم هذا الجبروت والاستعلاء اللامتناهى على إدارة المشهد السياسى فى مصر، ولا أفهم كيف يفكر هؤلاء وماذا يتوقعون فى المستقبل، المصيبة الكبرى أن هذا الكتالوج مكرر تاريخيا ومستهلك وكل مبتدئ بقراءة التاريخ يعلم إلى أين مضت هذه المآلات، ولكن هؤلاء يعتقدون أن تكرارهم نفس الفعل سيؤدى لنتائج مختلفة!
مشهد التنكيل بهيثم الحريرى ومن سبقوه يُعمق قناعات أصحاب الاختيارات بمقاطعة الحياة السياسية بكل صورها بعد أن تم تفصيل المشهد ليتسع للمؤيد فقط ويقصى المعارض والمختلف. نحن فى خطر عظيم وهذا العناد والكبر لن يقودنا للأمان بأى حال من الأحوال، الأمنيات بتغير العقلية والفكر الذى يمسك خيوط اللعبة صارت مراهنة على سراب، وكل يوم يمر يؤكد أننا ركبنا قطارا للدهس لن يتوقف إلا إذا وصل للهاوية، لم نكن نتمنى ذلك، لكنه قدرنا!

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات