وهكذا يصنع الأغنياء مستقبل الرئيس الُملهم للفقراء - أميمة كمال - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وهكذا يصنع الأغنياء مستقبل الرئيس الُملهم للفقراء

نشر فى : الأربعاء 30 أبريل 2014 - 6:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 30 أبريل 2014 - 6:15 ص

لا أعرف كيف أرسل الله لى سائق التاكسى هذا فى لحظة يائسة، كدت أن أجن فيها. ولا أجد ردا على سؤال يطاردنى به الكثيرون، ظنا منهم أنى أملك الإجابة التى عجزوا هم عنها. فقد أعفانى هذا السائق من حرج استشعرته مرارا كلما رددت على السائلين بأننى لا أعرف تفسيرا مثلهم لمسلك الحكومة المؤقتة فى اتخاذ إجراءات من شأنها إحداث قفزة فى اسعار كافة السلع. بدءا من فاتورة الغاز، والكهرباء والميكروباص والأتوبيس وحتى ساندويتش الفول والطعمية والباذنجان والبطاطس وطبق الكشرى. وذلك قبل أيام من دخول شبه مؤكد للرئيس المحتمل جدا عبدالفتاح السيسى لقصر الرئاسة.

بدا سائق التاكسى فرحا وهو يحادثنى، كما لو كان يستكمل حديثا قطع بيننا قبل لحظات. وأغلب ظنى أنه كان قد بدأه مع زبون آخر نزل من التاكسى قبل أن يكمل السائق فكرته. فوجدنى فرصة سانحة لاستعراض عضلاته الفكرية. قال السائق وكأنه يمتلك الحقيقة أن الحكومة سترفع اسعار الكهرباء، بعد الغاز، وبعدهما البنزين، وسبقتها حكومة الببلاوى فى رفع سعر المياه وقبلها أنبوبة البوتاجاز. وهى تعرف أن أسعار كل ما نشربه، ونأكله، ونركبه، ونلبسه، ونتنفسه سيرتفع حتما. فيبدأ الناس فى الصراخ والعويل. ثم يأتى «المخلص» ليصدر قرارا بالعدول عن كل هذه الإجراءات الصعبة، لتعود الأمور كما كانت عليه، فيشعر الناس بالرضا عما كانوا لا يرضون به، ويقبلون (ضيق المعايش) الذى كانوا قد ثاروا عليه فى ثورتين. فيرفعون «الرئيس المخلص» على أكتافهم، ويتوج بعدها رئيسا مُلهما للفقراء.

بدا السائق معجبا بفكرته التى غالبا كان يقولها لأول مرة، وانتظر منى تحية على عمقها. ولما بدا له أننى مترددة فى الثناء عليه، وأن فكرته لا تروق لى كثيرا، قال لى متهكما، كمن يحاول تعجيزى إذا كان ما أقوله لا يعُجبك فكيف تفسرون أيها المتعلمون ما تفعله الحكومة التى تنتظر رئيسا جديدا للبلاد. أُسقط فى يدى. مرة أخرى نفس السؤال يطاردنى. هززت رأسى بالموافقة على عمق تحليله، حتى أنهى الحديث. ولكنه لفت نظرى إلى أن الناس لا تكاد تصدق أن الحكومة تفعل ما تفعله من إجراءات قاسية على حياتهم اليومية. دون أن تخشى من ردة فعلهم داخل الصندوق الذى سيأتى بالرئيس. فراحوا يبحثون لها عن مخرج يقنعهم بأنها حتما ستتراجع.

•••

أنا مثل السائق لا أكاد أجد تفسيرا لتسارع الحكومة فى إغضاب الناس قبل أيام من الانتخابات الرئاسية. وقلت ما دمت لا أملك إجابة عن سؤال الناس، فلما لا أعتمد التحليل التخيلى للسائق ردا رسميا لى. وأقول للسائلين بأن ما يحدث محض محاولة لإفساح المجال للرئيس المقبل لكى يصبح مُلهما.

استرحت لفكرة السائق، خاصة وأننى استشطت غضبا منذ أيام عندما أعلنت الحكومة على لسان الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والتعاون الدولى فى تصريح لرويترز عن قرب رفع أسعار الكهرباء بعد أيام قليلة، وأن قرارا مشابها برفع أسعار البنزين فى الطريق إلينا فى القريب العاجل. وذلك على هامش حضور المسئولين المصريين لاجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين. وكأن الحكومة تريد دائما أن تذكرنا بأن نحس الصندوق سوف يلاحق المصريين ولا فكاك منه.

وقبل أن يبرد تصريح رفع اسعار الكهرباء جاءت الحكومة بلكمة الغاز الذى ارتفع على كافة الشرائح حتى الفقيرة منها، ونسبة الزيادة لبعض الشرائح كانت حوالى 300% من أجل أن توفر من ميزانية دعم الطاقة أقل من مليار جنيه. فى حين أن إجمالى الفاتورة يصل إلى 130 مليار جنيه فى العام الماضى. وبالرغم من أن الزيادة لا تتعدى جنيهات قليلة تعتقد الحكومة أنها لا تحدث تأثيرا كبيرا. ولكن إذا حسبنا أن 66.8% من المصريين ينفقون أقل من 3000 جنيه فى السنة. يعنى يصرف الفرد منهم 250 جنيها فى الشهر طبقا لتقرير الدخل والإنفاق لعام 2010/2011. فتكون الجنيهات التى تستهين بها الحكومة نسبة لا بأس بها عند هؤلاء البشر. فهل حسبت الحكومة كيف يعيش الواحد من هؤلاء بأقل من 250 جنيها فى الشهر؟.

وهل فكرت الحكومة أن هذا المليار كان يمكن أن توفر أضعافه لو بدأت برفع أسعار الغاز على الشركات كثيفة الاستخدام للطاقة. والتى مازالت تحصل على الغاز بأسعار تصل إلى 6 دولارات للمليون وحدة حرارية بينما السعر العالمى فى متوسطه يزيد عن 16 دولار. خاصة وأن هناك دراسة كانت الحكومة قد أعدتها قبل ذلك تكشف عن أن رفع أسعار الكهرباء والغاز على مصانع الأسمنت والحديد والأسمدة لا يمثل سوى زيادة فى التكلفة لا تتعدى 10%،4.5 %، 4.1% على التوالى.

وإذا كانت الحكومة جادة فى عدالة توزيع العبء على الجميع كل حسب طاقته، دون أن تختار أن تبدأ بالأضعف لكانت قد عرفت أنه حتى لو ضاعفت سعر الطاقة ليصل إلى السعر العالمى على شركات الأسمنت والأسمدة والحديد لظلت هذه الشركات تحقق هامشا للربح، ولكن بدرجات أقل. وهو ما كشفته الدكتورة هناء خير الدين أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة فى دراسة هامة لها من أن هذا سيجعل شركات الأسمدة تحقق ربحا يصل إلى 21.5% مقارنة بـ2% تحققها الشركات المثيلة فى بريطانيا. وسيجعل شركات الأسمنت تحقق 29%. إلى جانب أن رفع أسعار الطاقة على تلك المصانع سوف يؤدى إلى ترشيد استخدام الطاقة التى اعترف رئيس لجنة الطاقة فى اتحاد الصناعات منذ أيام بأن الإهدار فى استخدامها فى شركات الأسمنت يصل إلى 25%من الطاقة المستخدمة. بدلا من أن تراهن الحكومة على ترشيد استهلاك شريحة من ينفق أقل من 250 جنيها.

وإذا كانت الحكومة لا تقوى على مواجهة أصحاب الشركات الأجنبية المالكة لتلك الكيانات وشركائهم من المصريين وإجبارهم على قبول رفع الأسعار. فكان يمكن لها أن توفر هذه المليارات من فرض ضريبة على الأرباح التى يحققها المضاربون فى البورصة، أو على العوائد التى يحققها بعض المستثمرين من توزيعات الكوبونات على الأسهم. ويمكن أن تحصل على أضعاف هذا المبلغ إذا ما فرضت ضريبة على الربح الذى تحققه الشركات من عمليات الاستحواذ فى البورصة. خاصة وأن إحدى الشركات الشهيرة حققت ربحا من عملية استحواذ واحدة استحق عليه ضريبة زادت عن 7 مليارات جنيه.

•••

ويبدو أن رفع أسعار الغاز ما هو إلا بروفة لزيادة أسعار بقية المنتجات البترولية المدعمة وقبلها الكهرباء. فوزير التخطيط يبشرنا بأن الكهرباء لن ترتفع إلا على شريحة الـ20% الأغنى من المصريين. ولكن هل تعرف الحكومة أن هذه الشريحة الواسعة يبلغ متوسط إنفاقها السنوى للأسرة 36 ألف جنيه. أى يبلغ متوسط دخل الأسرة الشهرى لهذه الشريحة 3042 جنيها. أى أن هذه الشريحة الواسعة تضم الطبقة المتوسطة بكافة شرائحها التى تصرف أقل من 3000 جنيه، وتتسع لتشمل أثرى أثرياء هذا البلد الذين ينفقون الملايين، وهم بالطبع ليسوا فى الهم سواء. فلماذا كلما أرادت الحكومة أن تعدل الحال المايل بالفعل فى توزيع دعم الطاقة تبدأ بالحلقة الأضعف؟. ولماذا لا تبدأ من الشرائح العليا والعليا جدا، بدلا من أن تقدم الطبقة المتوسطة، التى تحاول جاهدة أن تتماسك، قربانا لكسب ود الأغنياء؟.

والحقيقة أن أخطر ما أخشاه أن تستجيب الحكومة لرجال الأعمال الذين يقدمون لها النصح عبر دراسات يذيلونها بأسماء خبراء ومتخصصين منحازين بالضرورة ضد الشرائح الاجتماعية مكسورة الجناح فى هذا البلد. وآخر هذه النصائح المقدمة للحكومة من اتحاد الصناعات هى بيع كافة المنتجات البترولية بأسعار التكلفة دون دعم خلال أربع سنوات. على أن يوزع 40% من الوفر الذى يتحقق من إلغاء الدعم على انابيب البوتاجاز، والغاز، والكهرباء، والبنزين خلال تلك الفترة على كل من يحمل بطاقة تموينية. وأن يأخذ كل رب أسرة صاحب بطاقة فى العام الأول 58 جنيها، ثم يزيد فى العام الرابع إلى 323 جنيها للأسرة فى الشهر. يعنى بعد رفع أسعار كافة المنتجات البترولية يتحصل الفرد من محدودى الدخل على حوالى 60 جنيها فى الشهر. بينما 20% من الوفر الذى يتحقق يتحصل عليه المصدرون فى صورة دعم صادرات لرجال الأعمال. وهذا الدعم فى العام الأول يصل إلى 1.5 مليار جنيه، ويزيد حتى يصل فى العام الرابع إلى 9 مليارات جنيه، تضاف إلى المبلغ المخصص فى الموازنة لدعم الصادرات (حاليا 3.1 مليار جنيه).

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات