وماذا عن الأمطار القادمة؟ - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وماذا عن الأمطار القادمة؟

نشر فى : الإثنين 30 أبريل 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 30 أبريل 2018 - 10:10 م

تابعت مثل غيرى ما دار من نقاش على مواقع التواصل الاجتماعى وغيرها من وسائل الإعلام حول ما شهدته منطقة التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة من سيول وأمطار، وما نتج عنها من خسائر وأضرار، فضلا عن معاناة العديد من المواطنين الذين ظلوا محبوسين داخل سياراتهم بالساعات دون مساعدة تقدم أو نجدة تصل. وقد انقسمت الآراء حول من يتحمل مسئولية ما حدث، وما إذا كانت الحكومة تلام على ما كشفته هذه الأمطار والسيول من أوجه قصور وتقصير، أم أن ما حدث الحكومة منه براء نظرا لحدوثه فى العديد من بقاع الأرض الأخرى.

وقد ذهب منتقدو الحكومة إلى اتهام المسئولين وموظفى المحليات بسوء التخطيط والتنفيذ، مطالبين بتقديمهم إلى المحاكمة ومعاقبة المقصرين والمرتشين منهم. ومن ناحية أخرى، انبرى الفريق الآخر فى الدفاع عن الحكومة متعللين بسوء الأحوال الجوية، وتمادى البعض إلى حد عدم تحميل الحكومة أى مسئولية، بل إن البعض منهم ذهب إلى تحميل مسئولية ما حدث للشعب الذى لا يعمل ويريد خدمات دون أن يدفع ثمنها، ولا يلتزم بتنفيذ أى قوانين، بدءا من إشارة المرور وانتهاء بدفع الضرائب. وينتهى أنصار هذا الرأى الأخير بالقول إنه مع شعب كهذا، فلا تلوموا الحكومة التى لا تجد الموارد الكافية لتوفير الخدمات ومنع تكرار ما حدث فى التجمع أو قبل ذلك فى الإسكندرية، أو ما قد يحدث مستقبلا. يقودنى ما سبق إلى عدة ملاحظات:

أولا: لابد من التشديد على أنه من الطبيعى أن يكون لكل فريق وجهة نظر، قد يحمل الصواب وقد يحمل الخطأ، وهو الأمر الذى يجب التعلم معه أهمية الحوار والاستماع للرأى الآخر وقبول النقد إن كنا جادين فعلا فى العمل على الارتقاء بهذا الوطن والنهوض به. أؤكد بداية على ذلك بسبب ما تعرض له البعض من قبل حين أشاروا لحالة الطرق والشوارع من تقادم وعدم إصلاح أو تجديد، فانبرى البعض باتهامهم بالعمالة وعدم حب الوطن. وكأن الدفاع المطلق عن أى قصور أو إهمال يعد واجبا وطنيا، وانتقاد أى خطأ أو تقصير حتى لو كان رصف شارع أو تمهيد طريق من أعمال العمالة والخيانة.

ثانيا: القبول بالأخطاء والاعتراف بها وتحمل المسئولية لا ينتقص من قيمة الفرد أو المؤسسة أو الحكومة، بل أنه يزيدها احتراما ويدل على ثقة بالنفس ويعمق العلاقة بين المسئول والمشتكى. نعم، السيول والأمطار تهطل فى كثير من دول العالم، بما فى ذلك أوروبا وأمريكا والدول المتقدمة، وتنقل شاشات التلفزيون مشاهد أكثر ضراوة وضررا مما حدث عندنا. ولكن هناك نسبة وتناسب سواء فى الحدث نفسه أو طريقة التعامل معه أو استعداد الحكومات للتخفيف من نتائجه. ونتذكر جميعا ما مرت به بعض الولايات الجنوبية فى الولايات المتحدة من خراب ودمار وخاصة ولاية أريزونا أثناء إعصار كاترينا فى عهد جورج بوش الابن، كان الإعصار مدمرا واستمر لعدة أيام، وعندها وجهت العديد من الاتهامات للإدارة الأمريكية آنذاك بالتقصير بل وبالتحيز الطبقى والعنصرى لتلكؤها فى نجدة المناطق المنكوبة، وهى المناطق التى تقطنها أغلبية ذات أصول إفريقية ومحدودة الدخل. ورغم هذا لم يخرج أحد للدفاع عن ما حدث باعتباره من أعمال الطبيعة أو اتهم المنتقدين بخيانة الوطن أو سكان هذه المناطق بالتكاسل وتعاطى المخدرات. ولكن عمل الجميع على دراسة ما حدث والتعلم من أخطاء التجربة، وهو ما خفف من وطأة ما تعرضت له البلاد لاحقا ورسخ من ثقة المواطنين فى إدارة مختلف المؤسسات المعنية فى مثل هذه الظروف.

ثالثا: جاء ما كتبه الرئيس عبدالفتاح السيسى على صفحته الشخصية على «الفيس بوك» من تفهمه لحالة المعاناة التى ألمت ببعض المصريين لما أصابهم نتيجة سقوط الأمطار بشكل مفاجئ، ثم بيان هيئة الرقابة الإدارية بعد ذلك حول أسباب ما تعرضت له بعض مناطق القاهرة الجديدة من أضرار مع تحديد أوجه القصور والمسئولين عنه بشكل تفصيلى وتحويلهم للتحقيق، ليقدما ردا واضحا على هؤلاء الذين يصرون على التعامى عما يحدث من أخطاء وتجاهلها بحجة «حتى لا يشمت فينا الشامتون»، أو بهدف المغالاة فى إثبات الولاء وإرضاء المسئولين. كما أنه يمثل نهجا صحيحا للعلاقة التى يجب أن تكون بين الحكومة والمواطنين.

رابعا: لابد من الإشارة فى هذا الإطار إلى أن تغير المناخ أصبح ظاهرة عالمية تستعد لها جميع الدول داخليا وخارجيا. داخليا من خلال تعديل وتطوير الكثير من الصناعات والخدمات وبما يتلاءم مع أوضاع الطبيعة الجديدة. وخارجيا، من خلال الدخول فى العديد من الاتفاقيات الدولية للحماية من آثار تغير المناخ هذه. ومصر ليست بمنأى عن هذه التغيرات، وقد بدأنا نرى إرهاصاتها فى السنين الأخيرة. وخطورة ما حدث يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين لا تقتصر فقط على الكشف عن حجم الأخطاء والتقصير الذى تم فى تخطيط وتنفيذ القاهرة الجديدة، ولكن أيضا عن عدم التحسب والاستعداد لما يطرأ على المناخ من تغيرات تقتضى طرقا وأساليب جديدة فى البناء والتشييد.

ما حدث فى الأسبوع الماضى ليس حدثا عارضا ولا استثناءيا، وهو ليس الأول ــ سبق ذلك ما شهدناه فى الإسكندرية وبعض محافظات الوجه البحرى العام الماضى ــ ولن يكون الأخير. ولذلك، فإن توجيه عدد من الاتهامات لبعض المسئولين هنا أو هناك مع الاعتراف بالأخطاء وتقديم الأعذار، لم يعد يكفى. المطلوب خطة عمل جادة للتغلب على الآثار المتوقعة لتغير المناخ على مصر، بما فى ذلك التوسع فى الأعمال التقليدية من سدود ومصارف لمواجهة الزيادة المتوقعة فى الأمطار والسيول، لأن المرات القادمة لن تكون أخف وطأة، فإما نكون قد استوعبنا الدرس ونتخطى ما هو قادم، أو نظل على نفس المنوال ونكرر ذات المشهد.

التعليقات