اجتياز سنة أولى ديمقراطية بامتياز - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اجتياز سنة أولى ديمقراطية بامتياز

نشر فى : الأربعاء 30 مايو 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 30 مايو 2012 - 8:30 ص

لشاركت الكثيرين ممن اعتبروا نتائج المرحلة الأولى لانتخابات الرئاسة فى صدمتهم من تحقق السيناريو الكارثى الذى سادت التمنيات بألا يكون هو ختام فترة راودتنا فيها أحلام طاردت مخاوف تغذيها مشاعر الإحباط التى صارت عنوانا للمرحلة الانتقالية.. ولم يفلح السرور الذى داخلنى عندما وجدت صوتى ساهم مع ملايين آخرين فى وضع مرشحى المفضل فى المرتبة الثالثة. ودفعنى هذا الشعور المختلط لأن أعيد تقييمى للموقف لكى أحدد موقفى إزاء الإعادة. وقد قادنى هذا إلى الاعتقاد أنه للمرة الأولى يضع الشعب المصرى أقداما ثابتة على أرض الديمقراطية التى سالت دماء طاهرة زكية لتروى النبت الطيب الذى تنبته أرض طيبة. وليسمح لى القارئ بأن أعدد الاعتبارات التى أوصلتنى لهذا الاستنتاج.

 

●●●

 

أولا: أن النتائج كشفت الخريطة الاجتماعية، وهو ما كنت أدعو لدراسته كنقطة انطلاق، فأسقط أوهاما فى أذهان العض وكشف مستورا كنا نبنيه للمجهول بالحديث عن طرف ثالث، حيث أفصح عن عناصره المحلية، ووضع بالتالى حدودا عبارة «الشعب يريد».. فهناك جانب من الشعب مازال يحلم بالماضى، وآخر يسهل خديعته بمستقبل لن يتحقق إلا على جثة الثورة.

 

ثانيا: السيناريو الذى يعتبر كارثيا أنقذنا من سيناريو كان يبدو مرغوبا، ولكنه فى جوهره لا يقل كارثية. ذلك هو أن تكون الإعادة بين طرف إسلامى وآخر ينتسب للفريق المدنى. لو أن هذا حدث لازدادت حدة الاستقطاب الذى شوه المرحلة الانتقالية فأفسح مجال الحركة أمام أعداء الثورة. وهو استقطاب لن ينتهى بحكم أنه سيغذى تهمة الاستحواذ والتكويش بل ويجسدها.

 

ثالثا: أدرك ــ أو بالأصح أرجو أن يكون قد أدرك ــ الإخوان المسلمون أخطاءهم. ولو سلمنا بمقولتهم أن قرارهم الأولى بعدم التقدم للرئاسة كان خطأ جرى تداركه، فقد اتضح أمامهم أن مصدر التهديد ليس رفاق الثورة، بل فلول النظام الذى مارس معهم أنواعا من التعذيب وقف كل الشرفاء ضدها، ليس إنقاذا لنظرياتهم وإنما دفاعا عن آدميتهم. ويظل هؤلاء الشرفاء يقفون نفس الموقف بالنسبة لضحايا حماة رموز ذلك النظام ومن سيقع دون شك فى قبضة النسخة المنقحة من ذلك النظام التى تطل برأسها دون حياء.

 

رابعا: بالمثل أدرك شباب الثورة لأول مرة ومعهم كل القوى السياسية خارج التيار الإسلامى، إن الشارع والميدان لهما المناسبات التى يكونان مجديين فيهما، وأن هناك بدائل من العمل السلمى أعظم تأثيرا، وأقدر على تعزيز القدرة على تحقيق أهداف الثورة ومطالب الثوار دون إراقة لدماء شهداء وحرمان شباب من أعضاء لا معنى للحياة بدونها. ولعل هذه السابقة هى بداية لتأكيد أن الديمقراطية إن بدأت بالصناديق لا تنتهى عندها، بل تظل تتيح للذين لم تصل بهم الصناديق إلى مواقع السلطة فرصة ربما أشد تأثيرا فى عمليات اتخاذ القرار.

 

خامسا: فى ضوء الاعتبارين السابقين فإن ما يجرى على الساحة حاليا يرسى أساسا للعمل المشترك بين شركاء الثورة يبشر بإدراك الدرس الأول فى الديمقراطية، وهو أنه أيا كان الفصيل الذى يمسك بمقاليد العمل الرسمى فإن عليه أن يستجيب للفصيل الذى يبقى خارجها. فلا وجود فى الديمقراطية لأغلبية دائمة وأقلية دائمة، ولا يعنى تداول السلطة أن يتناوب أطراف العمل السياسى السيطرة على السلطة، بل يتوجب على من يتولى الحكم أن يتداولوا مع من هم فى خارجه لتحقيق الرضا للجميع.

 

سادسا: أرجو أن يكون حزب الحرية والعدالة ورئيسه ومن خلفهما الإخوان قد أدركوا أن تمكنهم من السلطتين التشريعية والتنفيذية لن يكفل لهم المضى بمشروعهم إلا فى الحدود التى تتفق ومطالب الأرباع الثلاثة الباقية، وإلا فهى دورة إلى غير رجعة. ولعل ما عرضه دكتور مرسى من توجه لوحدة وطنية يكون أكثر من قشة الإنقاذ من بركة الإعادة، بل هى بداية للإيمان بأسلوب العمل الديمقراطى المستمر. لكن هذا يتطلب منه إعلان التآلف ليس لفترة صعبة، «بعدها نقطع فى بعض» على حد قوله فى قناة النهار. إن هذا ينذر بانتهازية لا أعتقده يقصدها اعتمادا على وعود سلفية، فقد أبوالفتوح بمثلها أصواتا يستحقها.

 

سابعا: أسفر شفيق عن وجه النظام القمعى الذى يريده، مشيرا إلى أنه لو نزل إلى الشارع من يرفضونه، فهناك الجيش بشهادة العباسية «وكله بالقانون». يكفى أن يدس فى أى مظاهرة سلمية بلطجية أثبتوا جدواهم فى أكثر من موقعة، لينزل الجيش بأمره فيحصد الخارجين عن القانون إما بالرصاص الحى أو التعذيب المميت. وتشهد موقعة الجمل أنه يعتبر هذا من باب الفنون الشعبية، ولا أعتقد أنه من الغباء لكى يتجاهل درس 25 يناير.

 

ثامنا: يبقى المجلس العسكرى الذى لو افترضنا فيه حسن النية، بعد أن أزاح عنه الكنز الإستراتيجى المدعو مبارك صداع إسرائيل تاركا إياها تهيمن على أوضاع سيناء لتحرمها فرص التنمية، وبعد أن تباهى بنزاهة الانتخابات، نيابية ورئاسية، متعاميا عن تزييف الفلول لإرادة بسطاء الناخبين، يتوقع أن يكمل التمثيلية الطويلة المملة التى أكرم بها وفاد من كان القذافى يسميه «البارك»، وبطانته، بتسليم السلطة إلى من يعتبره مثله الأعلى، ليس فقط فى الغباء والبلادة، بل وفى القمع والتستر على الفساد الذى غرق فيه قطاع الطيران.

 

ثامنا: لقد تمت الانتخابات فى ظل عوار دستورى، حيث تذرعت اللجنة الموقرة بشبهة عدم دستورية قانون العزل. فماذا لو صدر الحكم بعد الانتخابات بدستوريته، ليبطل بذلك حق شفيق فى الترشيح، ومن ثم يتوجب عزله من الرئاسة؟ إن استقرار نظام الحكم يقتضى أن تؤجل الإعادة إلى ما بعد الفصل النهائى فى دستورية القانون شريطة ألا يشوب القرار ما أصاب قرار تمويل المجتمع المدنى من عبث فى القضاء. وخلال ذلك يتم وضع الدستور وتلافى ملحوظة كارتر.

 

●●●

 

إن الأمر بيد مرسى: إما أن يكتفى باتفاق سلفى يجتاز به الإعادة، أو يدرك أن مستقبله هو وحزبه رهن بإدارة يشاركه فيها رفاق الميدان.. وإلا سيواجه الرفاق فى الميادين.

 

مستقبل مصر بل وجودها بيد الحرية والعدالة وبرقبة المجلس العسكرى.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات