سلوكيات اللسان 2 ــ شروط الكلام - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلوكيات اللسان 2 ــ شروط الكلام

نشر فى : الإثنين 30 يونيو 2014 - 5:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 يونيو 2014 - 5:20 ص

لو راجع الإنسان تاريخه منذ الولادة، لتعلم أن العين قد باشرت النظر قبل حركة اللسان، وأن الأذن قد تفاعلت وسمعت قبل أن ينطق اللسان، لو تفكرنا فى هذا لأدركنا ضرورة أن تكون معلوماتنا المرئية والمسموعة ضعف ما نتكلم، كذلك يتدرب الإنسان تدريبا متواصلا ألا يتكلم فى موضوع ما ــ اعتمادا على أذنه، بل لابد من توافق العين والأذن حتى يحق للسان أن ينطق. وقد حذرنا الرسول من نقل كل كلام نسمعه فقال: «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع».

لأهمية اللسان وخطورة الكلام فإن العلماء والحكماء فرضوا للكلام شروطا لابد من توافرها لدى الإنسان قبل أن يفتح فمه بالكلام، وأهم تلك الشروط:

أ ــ أن يكون للكلام سبب منطقى يحقق مصلحة أو يمنع ضررا، فالكلام لغير مصلحة ثرثرة تشتت الفكر وتشغل العقل وتنسى المتكلم والسامع ما يجب أن يتفكر فيه، وقد بلغ حرص الناس على هذا الشرط أن صاغوه فى مثل شعبى يقول: «الكلام دون سبب قلة أدب»

ب ــ أن يصدر الكلام فى مقام يناسبه، فمقام العلم لا يتحمل التندر واللهو، ومقامات اللهو كالأفراح والاحتفالات لا يليق لها الكلام العلمى والمنطقى، كما أن ما يقال للأطفال غير ما يلقى أمام الشباب أو الكهول. فإذا كانت المناسبة جامعة مثل صلاة الجمعة أو مقابلات الأعياد والمنسبات فلابد من اختيار الألفاظ التى تسعد الجميع، ولهذا قال أهل الحكمة: «لكل مقام مقال» فلنحاول أن نضع الكلمات فى مواضعها.

ج ــ أن يكون الكلام على قدر الحاجة بلا زيادة ولا نقصان، فزيادة الكلمات ينسى بعضها بعضا، ونقصان الكلام يجعله غامضا يحتاج إلى بيان. وقد أكرمنا الله فميزنا بأن جعلنا نحسن البيان عن أنفسنا (خَلَقَ الْإِنسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) فلابد من الوضوح دون إسراف فى الألفاظ، ومن الخير أن نتعلم من رسولنا القدرة على البيان الموجز الواضح مثل قوله الشريف: «لا تغضب» وقوله محذرا من مساوئ اللسان: «أمسك عليك هذا»، وحينما سأله رجل أن يجمع تعاليم الإسلام فى كلمتين، قال: «قل الله ثم استقم» فاختصار الكلام ووضوحه سنة نبوية أكيدة فضلا عن أن علماء السيرة النبوية قد أجمعوا على وصف الرسول بقولهم: «كان دائم الصمت طويل السكوت» فليتنا نجدد العزم على ذلك.

د ــ كذلك فمن ضوابط الكلام قدرتك على انتقاء ألفاظك حرصا على مسامع الناس، فالإنسان مسئول عما يلقيه على آذان الناس مثل مسئوليته عن أذنيه هو، فقد قال تعالى: (..إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).

وقد حدث ذات مرة أن وصفت أمنا عائشة إلى رجل قصير فأشارت مسافة بيديها رمزا لقصر طوله، فتغير وجه الرسول واعتبر تلك الإشارة فى مقام عبارة، وقال: «يا عائشة لقد تكلمتِ بكلمة لو مزجت بماء البحر لعكرته».

وقد تعلم الصحابة الحرص على انتقاء ألفاظهم، فهذا عمر بن الخطاب أثناء سيره فى الصحراء يرى عن بعد قوما أو قدوا نارا لقضاء مصالحهم، وليس بجوارهم علامة تميزهم سوى النار، وأراد أن يناديهم بالعلامة المجاورة لهم، فكاد يقول: «يا أهل النار» ولكنه تذكر فصمت ثم استأنف قائلا: «يا أهل الضوء» حرصا على عدم التشاؤم.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات