وحدت الفلسطينيين .. وفضحت العرب - طلال سلمان - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وحدت الفلسطينيين .. وفضحت العرب

نشر فى : الأربعاء 30 يوليه 2014 - 9:35 ص | آخر تحديث : الأربعاء 30 يوليه 2014 - 9:35 ص

-1-

اندفع العدو الإسرائيلى إلى حربه الثالثة، الرابعة، الخامسة على غزة ــ فلسطين مفيدا من حالة التيه العربى ومؤكدا مدى شمولها وعمق تأثيرها على « الرعايا» المنتشرين بمدى اتساع قارتى آسيا وأفريقيا ( والمهاجر..)

كانت قيادة التطرف اليمينى الإسرائيلى تعرف ما يكفى عن عجز النظام العربى الغارق فى دماء رعاياه كما فى مشكلاته المعقدة سياسيا واقتصاديا، واندثار الحد الأدنى من التضامن الجامع بين الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ، بغير أن ننسى السلطان المفرد ... كما كانت تعرف حالة الشعوب التى انقسمت بين مقيمة فى قلب النار، أو مشردة فى ديار اللجوء القريبة أو أصقاع الهجرة البعيدة، تاركة بلادها لنار الحروب الأهلية بين الأنظمة الفاشلة وبين العصابات الآتية من الجاهلية لتبشر المؤمنين بدين غير الإسلام الذى عرفوه فآمنوا به والتزموا نص كتابه المقدس...

وكما فى الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة هاشم ــ فلسطين ( وبغير أن ننسى الحروب على لبنان) والتى تعاقبت خلال السنوات الثمانى الأخيرة، فقد تعامل أهل النظام العربى مع الحرب الجديدة على أنها « حملة تأديبية» أخرى تقوم بها « الدولة» ــ إسرائيل ــ على بعض الخارجين على إرادتها، من المقيمين على « أرضها « مؤقتا وريثما تستورد الأعداد الكافية من المستوطنين ليرثوا الأرض بما عليها تصديقا للوعد الأسطورى المعطى لهم من دون خلق الله..

فى السابق كان أهل النظام العربى يتملصون من الفعل باللجوء إلى التصريحات الشاجبة والمستنكرة وبعض التبرعات السخية والتواصل فيما بينهم» لتوحيد « المواقف المستحيل توحيدها إلا فى « الصياغات الذكية» حمالة الأوجه، ومن ثم التلاقى فى أفياء جامعة الدول العربية للتناوب على قراءة خطب مكتوبة بعناية بحيث لا تعبر عن موقف محدد.

-2-

على أن الجديد الذى طرأ على الحالة العربية تمثل فى موقف مصر، الذى جاء مختلفا عما سبقه من مواقف فى حالات الحروب السابقة على غزة – فلسطين، سواء فى عهد حسنى مبارك أو خاصة فى عهد الإخوان المسلمين بشخص محمد مرسى، والذى حكمه الارتباط الحزبى المشترك، متجاوزا بذلك « التعاطف» إلى قدر من « التورط» ولو لفظيا، والذى لم يمنع الحرب الإسرائيلية ولكنه أثّر على سياقها التدميرى وأسهم فى وقفها ــ مؤقتا ــ مستفيدا من تضامن بعض العرب، لا سيما منهم قطر بمالها وبعلاقاتها المميزة مع العدو الإسرائيلى، والتى أتاحت لأميرها أن يجيء إلى غزة شبه المدمرة، مصحوبا بزوجته الشيخة موزة، وأن يقدم تبرعات سخية لإعادة إعمار ما تهدم، مع إضافة جديد مبهر.

•••

فى الحرب الإسرائيلية الجديدة على غزة كانت الدول العربية المؤثرة مشغولة عنها بهمومها الداخلية الثقيلة:

مصر تكافح إرهاب الإخوان بعد إسقاط «دولتهم» التى لم تعمر لأكثر من عام واحد، وكذلك نتائج إضعاف « الدولة المركزية» بالحصار الدولى الذى لم ينجح توثيق العلاقات مع السعودية ومعظم الخليج ( باستثناء قطر) فى التخفيف من أثقاله..

لم يستطع العهد الجديد فى مصر بشخص الرئيس الآتى من الجيش الفريق السيسى أن يتخفف من أثقال الخصومة مع الإخوان، وأن يفصل بالتالى بين هذه الخصومة وبين الحرص على الدور القيادى لمصر، لا سيما فىما يتصل بغزة التى يكاد أهلها يرون أنفسهم «مصريين»، والتى تحرقها النار الإسرائيلية فلا تلتفت إليها مصر بالنجدة.. ولو لوقف العدوان.

ربما كان من الصعب على هذا النظام المثقل بمشكلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية، والذى استولدته الحاجة إلى التخلص من حكم الإخوان قيصريا، إطلاق برنامج واضح للتغيير، فيما عدا شعارات طوفان الجماهير التى نزلت إلى الميادين فى القاهرة وسائر المدن والقصبات فى كامل البر المصرى، تهتف للحرية والعدالة الاجتماعية.. إن « يورط « نفسه فى حرب احدا لا يقتنع أنه لم يكن قادرا على وقفها بموقف وطنى مصرى، يتجاوز الخصومة مع حماس إلى حماية الشعب الفلسطينى.

-3-

كانت هموم الداخل ثقيلة جدا. وبرغم أن معظمها موروث عن مجمل العهود السابقة، إلا أنه كان من السهل أن يحمّل الإخوان المسؤولية المباشرة، وأن يشمل الاتهام كل الإخوان حيثما كانوا، مع تركيز خاص على الدور القطرى ( والتركي)... وبالطبع فإن الإخوان فى غزة كانوا فى مقدمة المتهمين، خصوصا وأن النظام وجد ما يدينهم به من أسباب التدخل فى شؤون مصر الداخلية، ( من تهريب السجناء، إلى تهريب السلاح عبر سيناء، إلى استخدام الأنفاق فى الاتجاه المعاكس أى بدل أن تكون من ليبيا عبر السودان فسيناء إلى غزة صارت الوجهة الداخل المصرى...

ولقد طغت العصبية بل الشوفينية المصرية على موقف النظام، ووجدت أرضا خصبة فى أجهزة إعلامه فصدرت عنه فضائح سياسية وأخلاقية يحاسب عليها القانون المصرى ذاته.. خصوصا وأنها قد ألحقت الإهانة بتاريخ النضال من أجل كرامة مصر والذى أعطى مصر المكانة الرفيعة والأهلية لقيادة أمتها العربية جميعا.

أما سوريا فقد كانت ولا تزال غارقة فى الحرب فيها وعليها، خصوصا وقد أزيحت المعارضة السياسية عن موقع القيادة فى مواجهة النظام لتحل محلها تنظيمات أصولية متعددة المصدر والهوية والأصل، تلم أشتاتا من « المجاهدين » من غير السوريين بل من غير العرب..

ثم إن هذه الحرب قد ضربت العلاقة التاريخية بين سوريا والفلسطينيين فيها، خصوصا وقد امتدت ألسنتها إليهم... وكذلك امتد تأثير القوى الداعمة لبعض المعارضات المسلحة، وبالتحديد قطر التى تجهر بكونها حاضنة هذه المعارضات ( فى سوريا ثم فى العراق، فضلا عن مصر وليبيا وتونس الخ) إلى علاقة النظام السورى بحماس على وجه الخصوص.

ولقد فصل النظام فى سوريا، أقله إعلاميا، بين من موقفه من حماس وموقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة، فلم ينف أن بعض الصواريخ التى استخدمها المدافعون عن بيوتهم وأرضهم هى من صنعه، ثم خاض- بالصوت والصورة والموقف السياسى المعلن- الحرب وكأنها امتداد للحرب عليه، وتأكيد لطبيعتها ... متجاوزا خصومته لقطر ومعها تركيا.

-4-

أما العراق فأزماته الداخلية من الصعوبة والتعقيد والحدة بما يجعله على باب حرب أهلية تهدد وحدة شعبه وكيانه السياسى بالتمزيق... وبالتالى فهو عاجز عن أن يمد غزة حتى بموقف سياسى موحد، وبالتالى مؤثر... حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة التى كانت رحلته الأخيرة إلى المنطقة بعنوان غزة، وجد من الضرورى أن يزور بغداد ليحاول إقناع المسئولين(؟) فيها، سواء فى الحكومة المستقيلة والمعلقة أو خارجها على الالتفات إلى المآسى المتفرعة عن الكارثة الوطنية العظمى فى بلاد الرافدين، وأخطرها « حرب الاستئصال» التى شنها مقاتلو داعش على الأقلية المسيحية وفيها السريان والكلدان والأشوريون، وهم أهل العراق الأصليون قبل الأديان جميعا وبعدها.

فأما السعودية وسائر الخليج ( ما عدا قطر) فإنهم مثقلون بهمومهم، وبعضها ناجم عن الحروب التى تورطوا فى تأجيج نيرانها فى سوريا والعراق (ضد النظامين القائمين فى دمشق وبغداد)... وهكذا فقد أداروا وجوههم إلى الناحية الأخرى... واكتفت الرياض بالتبرع ببعض الدواء لضحايا الحرب الإسرائيلية فى غزة، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

•••

ليست مبالغة القول أن الحرب الإسرائيلية الجديدة على غزة هى أخطر الحروب بنتائجها على العرب فى مختلف ديارهم: لقد فضحتهم جميعا. فضحت عجز أنظمتهم (القوية فقط على شعوبها)، كما فضحت تفكك صفوفهم، خصوصا وقد بلغ فى بعض الحالات حد « التحالف» مع العدو الإسرائيلى وليس مجرد التواطؤ معه..

كذلك ليست مبالغة أن نقول إن العرب فى مختلف ديارهم قد فجعوا بموقف السلطة الجديدة فى مصر ولم يستطيعوا أن يقبلوه، برغم الذرائع العديدة التى قدمت لتبريره.

ففلسطين جميعا، وغزة بالتحديد، مسؤولية وطنية مصرية كائنا من كان «الحاكم» فيها ...

-5-

وستظل غزة تنظر إلى مصر على أنها مرجعيتها، فى السلم كما فى الحرب، وحاضنة فلسطينيتها التى تأكدت هذه الأيام بالتحام الضفة بها- بالدم- مؤكدة وحدة الأرض والشعب فى فلسطين،التى كانت فلسطين والتى ستبقى فلسطين.. وستظل مصر فى عينها والقلب، سلما وحربا.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات