واحد.. اتنين.. فين جمهورك فين؟ - حسام السكرى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

واحد.. اتنين.. فين جمهورك فين؟

نشر فى : السبت 30 يوليه 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 30 يوليه 2016 - 9:30 م
انتقل باسم يوسف إلى الولايات المتحدة ولم يتوقف عن السخرية وتقديم الأعمال الكوميدية. فى برنامجه الأخير «كتالوج الديمقراطية» كما هو الحال فى عدد كبير من لقاءاته التليفزيونية خارج مصر، لم يتحدث باسم عن بلده بقدر ما وجه انتقادات للولايات المتحدة الأمريكية ولممارساتها فى الشرق الأوسط بل وفى داخل أمريكا نفسها.

طور باسم رسالته إدراكا منه لتغير ما يسميه الإعلاميون بـ «الجمهور المستهدف». باسم يرى أن واجبه هو أن ينتقد ويسخر من المفاهيم السائدة لدى جمهوره. من الطبيعى إذن عندما يخاطب المشاهد المصرى، أن يستشهد ببعض الممارسات المؤسساتية فى الغرب، لتوضيح الفرق بينها وبين الوضع لدينا. ولا يتناقض هذا مطلقا مع نقده للولايات المتحدة عندما يصبح الجمهور أمريكيا. واجبه كما يراه هو تصحيح الرؤية، بالنقد والسخرية.

فى حالتنا يختلف الوضع بشكل جذرى. إعلاميونا لا يخاطبون جمهورهم، وإنما يخوضون معارك «دون كيشوتية» ضد «جمهور ما» فى الولايات المتحدة والغرب المتآمر، يخاطبونه على طريقة «شت اب يور ماوس اوباما». الرئيس الأمريكى لا يشاهدهم، والغرب لا يعرف العربية، وقنواتنا لحسن الحظ ليست ضمن الباقات المطروحة فى أسواق الولايات المتحدة، ولكن إعلاميينا بقدرة قادر يستأسدون ويزمجرون ويتوعدون من لا يدرون بوجودهم أصلا، ناهيك عن أن يشاهدوهم.

والأمر لا يختلف كثيرا فى عقليتنا الجمعية كما يعكسها المتداول على مواقع التواصل. يدهشنى كثيرا تداول فيديو مقتطع من برنامج Die Anstalt الألمانى، فيه انتقاد ذكى لاتهام العرب بالإرهاب، أو للرغبة الغربية الساذجة فى الحصول على إدانة لكل عمل إرهابى يقوم به إسلامويون.

المقطع تم تداوله بكثافة بعد عملية الذبح البشعة للأب جاك هامل فى كنيسته فى نورماندى الفرنسية. المتداولون والمعجبون أطربهم «إدانة الغرب لنفسه» و«تبرئته للمسلمين من تهمة الإرهاب» على طريقة وشهد شاهد من أهلها. يتداولون المقطع وهم فى غفلة تماما من أنهم ليسوا جمهوره ولا المعنيين به. هذه ثقافة تعرف جمهورها، وتنتقد مفاهيمه، وتصحح مساره.

مقطع آخر من فيلم «مكتبة الأسرار» يصحح فيه الممثل الشهير بن كنجسلى للشباب والناشئة (فى الغرب)، المفهوم السائد عن «عصور الظلام»، أو العصور الوسطى. ويحكى فيه عن الطفرة التى أحدثها علماء عرب ومسلمون فى مسار البشرية فى هذه الفترة. يتم تداول المقطع بإفراط باعتباره «شهادة غربية على تفوق حضارتنا وفضلها».

المجتمعات الصحية توجد فيها درجة من الحراك الواعى تسعى لتصحيح المفاهيم، ومحاربة الجهل، والتعصب، وادعاءات التفوق. هذا هو واجب الإعلام ومسئوليته.

فى حالتنا الوضع معكوس تماما. ثقافتنا ترفض المراجعة ولا تعرف مفهوم «الجمهور المستهدف». والأنكى أنها تستمرئ انتحال ما أنتج لجمهور آخر، من أجل الترويج لمفاهيم التفوق وتقديس الذات.

فنحن بشهادة برنامج ألمانى، أبرياء من الإرهاب والطائفية. ولذا نرفض الاعتراف بدور التراث الدينى فى الترويج لمفاهيم إرهابية، أو فى الإقرار بأن الكراهية والإقصاء أصبحا من مكونات الخطاب الدينى لكثير من الدعاة والمشايخ.

ونحن متفوقون حضاريا وتاريخيا بشهادة بن كنجسلى، ولذا لن نتحلى بشجاعة الاعتراف بفضل آخرين، وسننظر معه للجانب المشرق من تاريخ أمتنا فقط، مع تجاهل تام لما حدث من تعذيب وقتل لعلمائنا وفلاسفتنا ومفكرينا: أبوبكر الرازى والخوارزمى، والكندى، والفارابى، وبن المقفع، والسهروردى.. وغيرهم. لا تفكير ولا مراجعة.

أما ديمقراطيتنا فحدث ولا حرج، هى بالتأكيد بخير ولا يمكن مقارنتها بفساد الحياة السياسية فى الولايات المتحدة، بشهادة النقاد فى الإعلام الغربى ذاته، والأهم من ذلك هو شهادة باسم يوسف وكتالوجه للديمقراطية الأمريكية.
التعليقات