فقه غائب وإفتاء خائب(1-2) - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه غائب وإفتاء خائب(1-2)

نشر فى : الجمعة 30 أغسطس 2013 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 أغسطس 2013 - 9:22 ص

(1) منذ حكم محمد على مصر 1805 وحتى الآن انصرف «فقه الحياة» فى إجازة مفتوحة إجبارية حينا واختيارية حينا آخر، ولم يعد من إجازته حتى الآن. وأقصد هنا فقه قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ...) الأنفال (24) أى أسباب كرامة الإنسان وحريته واستدامة الحياة وإعمارها.

وقد غاب فقه الحياة والإعمار فى دوائر«الدرس بالأزهر»، «الإدارة والسلطة»، و«التربية والتعليم»، و«الفن والإعلام»، و«التطوع الدعوى» وغياب الفقه فى هذه المقاعد الخمسة «دليل صادق» على أن المجتمع كله يسير على غير هدى.

نعم فالخطاب الدينى لدى الأزهر والجماعات خطاب معيب لا يصل إلى العقول ولا ترتاح له القلوب، فالأزهر ــ على غير تاريخه الأسبق ــ خرج من «السباق الحضارى» فلم يراجع ماضيه، ولم يدرس حاضره، ولم يستشرف المستقبل، فأصبح خريجوه لا يسدون حاجة المجتمع، ولا يقدرون على اصطحاب الناس إلى «رضوان الله» ممثلا فى كرامة الإنسان وإعمار الأوطان ثم عبادة الرحمن. 

(2) نعم فما زال الجهاد فريضةغامضة لا يدرك الناس منها غير العناد والصدود والاستعلاء وما يسببه ذلك من صدام وقطيعة نتج عن غياب خطاب دينى «موثوق المصدر» «محدد الأولويات»، «متدرج الخطا» لابد أن يفهم الجميع أن المسلم مكلف بترك صلاته إذا سمع استغاثة أحد،  فـ«الروح» فى جسد الإنسان أعز على الله من «الصلاة» بل ومن «الكعبة»، فإذا تعارض الحفاظ على الروح والصلاة والكعبة فالروح أولى وأهم.

وما دام الإنسان كريما على ربه إلى هذه الدرجة، فما هى القواعد الدستورية التى تضمن للإنسان كرامة موفورة ؟ وكيف تقوم الدولة بخدمة الإنسان ورعايته ؟ وكيف نضمن عدم تغول السلطات على حقوق المواطنين؟

فالدولة فى حقيقتها ضامنة للمواطن فيما لم يفوض فيه أحد، ووكيلة عنه فى بعض الشئون، وحارسة لأمنه وسلامته.

 

(3) ومازال الأزهر لم يسطر حتى يومنا هذا ثلاث وثائق مهمة، هى:

1ــ فقه الأزهر لمفهوم الشورى ومبادئها، وما يلزم الدولة أن تعده لها من مؤسسات وما يتبع فيها من قواعد وإجراءات تناسب العصر.

2ــ فقه الرؤية القرآنية للكون وسكانه كما رسمها القرآن للإعمار والإصلاح.

3ــ فقه «مركزية كرامة الإنسان وحريته» وما يلزمها من إعمار وإصلاح وأولوية ذلك فى منظومة التدين.

وعلى ذلك فـ«حقوق الإنسان» لم تجد مكانها ولا مكانتها فى المنهج الأزهرى مما دفع المتطوعين إلى سد الثغرة والحلول محل الغائب، فإذا بتعدد الضغوط على الأزهر ينبت فى البيئة المصرية جماعات وجمعيات تحاول أن تقول ما سكت عنه الأزهر، وأبرز هذه الجمعيات «الجمعية الشرعية»، و«الإخوان المسلمين»، و«الشبان المسلمين»، و«أنصار السنة» (التيارات المسماة بالسلفية)، و«شباب سيدنا محمد»، و«العشيرة المحمدية»، وكل هذه الجماعات تعتبر نفسها بشكل أو بآخر إما مكملة لما قصر فيه الأزهر، وإما بديلة عنه، وذلك فى جدل واضح يخف ضجيجه عند المثقفين، ويشتد عجيجه عند العوام. وفى مثل هذا المناخ تختلط مفاهيم «الإيمان»، و«الحلال»، و«الدعوة» و«الأمر بالمعروف»، و«الجهاد»، و«الحرب والقتال»، و«سبيل الله»، و«الواجب»، و«الحق»، و«الثبات»، و«الرجولة» وهكذا يتحول ما يستحق «مجرد الأمر والنهى» إلى «ما يجب القتال فى سبيله»، وهكذا سقطت البلاد والعباد فى حالة صراع يظن كل طرف فيه أنه صاحب الحق، لكن حقيقة المسألة أن: الحق «مهجور ومتروك»، وكل طرف قد اخترع لنفسه وظيفة، واختلق لنفسه عدوا وجهز له سلاحا وتمادى فى مصارعته، حيث خلا المناخ من فقه رشيد ينتج من مصدر يثق الناس فى استقلاله وتخصصه والتزامه بالحق. وحينما يفتقد الناس ذلك الفقه الرشيد «تتورط الفتوى» وتهوى إلى محيط ملىء بالأخطاء والخطايا، نتابعها فى اللقاء التالى.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات