الثورة.. والرهان الأخير - فاروق جويدة - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورة.. والرهان الأخير

نشر فى : الأحد 30 أكتوبر 2011 - 9:35 ص | آخر تحديث : الأحد 30 أكتوبر 2011 - 9:35 ص

هناك تحديات كثيرة تواجه قوى الثورة المصرية فى الفترة القادمة.. لا شك أن الثورة تعثرت فى خطوات كثيرة فى رحلتها وأن هناك أطرافا كثيرة ساهمت فى ذلك وأن الثورة نفسها دفعت ثمن أخطاء فادحة يتحمل مسئوليتها عدد كبير من رموز العمل الوطنى..

 

إن تشتيت قوى الثورة ومعاركها وسعيها نحو الغنائم قد أفقد الثورة جزءا كبيرا من جلالها خاصة حين تحولت المواجهات بين القوى السياسية إلى معارك تشبه إلى حد كبير ما كان يحدث فى أزمنة تزوير الانتخابات وضرب القوى السياسية ببعضها البعض فقد عادت للأذهان صور الماضى القبيح فيما يجرى من أحداث ومواجهات فى الساحة السياسية بعد قيام ثورة يناير رغم أننا تصورنا أن المستقبل لن يحمل لنا شيئا من أشباح الماضى الكئيب..

 

هناك أخطاء كثيرة جاء الوقت لكى نرصدها وحتى نتجنب الكثير منها أمام مرحلة سياسية فى غاية الحساسية سوف يترتب عليها مستقبل مصر السياسى:

 

كانت أول هذه الأخطاء هذا الانقسام الحاد الذى حدث بعد رحيل رأس النظام بين قوى الثورة نفسها.. لقد انقسمت فصائل شباب الثورة وبدأت رحلة التقسيمات وتوزيع الأدوار وهنا ظهرت عشرات الائتلافات بين قوى الشباب وحاول كل تيار أن يفرض وصايته على الآخرين رغم أن الموقف لم يكن يتحمل كل هذه التقسيمات.. كانت كل إنجازات الثورة أنها أطاحت برأس النظام بينما بقى الجسد المترهل كاملا بكل ما فيه من أمراض.. كان ينبغى أن تبقى فصائل الثورة بكل أطيافها فى حالة توحد كامل حتى تكمل مهمتها فى تغيير النظام بكامل مقوماته واقتلاع جذوره الممتدة فى كل مؤسسات الدولة وقد ساعدت الخلافات والصراعات بين قوى الثورة على تجميع فلول النظام السابق وبدأت توجه ضرباتها بضراوة للثورة خاصة أنها تملك المال والقرار وتحشد حولها جموعا كثيرة من المنتفعين وأصحاب المصالح ومع هذا كله كانت هناك وجوه كثيرة غريبة لا علاقة لها بالثورة تسللت إلى مواكب الثوار وأصبحت تتحدث باسم الثورة وتفرض نفسها على الشارع المصرى..

 

سرعان ما بدأت معركة أخرى حول هوية الوطن فى ظل الثورة الجديدة.. هناك من رآها دولة دينية وقد تجسد ذلك فى طرح الإخوان المسلمين والسلفيين والصوفية والتيارات الدينية باختلاف درجاتها ومواقعها.. وكان هناك فريق آخر يرفع رايات الليبرالية والدولة العلمانية وقد شهدت الساحة جدلا واسعا حول هذه الأفكار والأهداف والرؤى المتعارضة.. ولا شك أن الثورة خسرت كثيرا فى ظل هذه الصراعات خاصة حين تحولت إلى مظاهرات مليونية ومحاولات لحشد المؤيدين والمعارضين.. وهنا سقطت القوى السياسية فى شرك الصراعات والانقسامات فى وقت هى أحوج ما تكون فيه لوحدة أهدافها.. أمام انقسام شباب الثورة وانقسامات القوى السياسية شهدت الساحة المزيد من الانقسامات وهنا بدأت رحلة التشكيك والادانات والهجوم الضارى على رموز الثورة..

 

كانت أخطر الانقسامات حين ظهرت قوى السلفيين والصوفية وبدأ تبادل الاتهامات وهدم الأضرحة والتشكيك فى النوايا والأهداف.. وكان هناك اعتقاد راسخ أن الإخوان المسلمين هم التيار الأقوى والأكثر وجودا فى الشارع المصرى وحين أطلت مليونية السلفيين فى ميدان التحرير تغيرت حسابات كثيرة.. وهنا بدا الانقسام واضحا بين التيارات الدينية وبدأ تسجيل الأحزاب ما بين الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية والصوفية والوسط.. كان انقسام التيارات الدينية من أخطر مظاهر التفكك فى مسيرة الثورة ولا أحد يعلم هل تتحول هذه الانقسامات إلى صراع بين هذه التيارات الدينية فى الانتخابات البرلمانية أم أن احتمالات انضمامها إلى الإخوان المسلمين كتيار أكبر هى الأرجح..

 

فى هذا الجو المشحون بالانقسامات بين قوى الثورة أطل أكثر من ائتلاف لشباب الثورة وأكثر من حزب للتيار الإسلامى وأكثر من تجمع للقوى الليبرالية وهنا أيضا ظهرت تيارات مسيحية وإن رفعت شعار المواطنة والمساواة ولكن الغريب فى المشهد هو حالة الشحوب والهزال التى أصابت الأحزاب التقليدية التى لم تستطع أن توحد كلمتها على شىء.. هنا فقط لاحت الفرصة أمام فلول الحزب الوطنى المنحل لكى تبدأ رحلتها فى استعادة وجودها فى الشارع المصرى.. كانت هناك مجموعة أوراق لم تزل فى يد الحزب المنحل.. من أخطرها تلك الأموال التى نهبها أعضاء الحزب وهى أخطر الأسلحة الآن فى ظل مجتمع يعانى ظروفا اقتصادية صعبة.. وبجانب هذا كانت بقايا النظام السابق مازالت تحتل مواقع حساسة وتربطها بالحزب المنحل علاقات ومصالح قديمة.. وقبل هذا كله فإن المجلس العسكرى لم يحسم قضايا كثيرة حول النشاط السياسى بما أوحى لفلول الوطنى أن الطريق ممهد وأن الفرصة سانحة..

 

إن التهاون والتردد فى حسم موقف الدولة من العزل السياسى بصورة قاطعة فترة طويلة أعطى إشارات كثيرة لنواب الوطنى المنحل بإمكانية الدخول فى معركة مع ثورة يناير.. وقد شجع على ذلك أيضا اتهامات كثيرة طالت بعض قوى الثوار خاصة جماعة 6 إبريل وما تلا ذلك من اتهامات حول التمويل الأجنبى..

 

إن جهات التحقيق لم تحسم أيضا قضايا كثيرة وجرائم فى الشارع المصرى ارتكبتها فلول الحزب الوطنى.. لم تحسم حتى الآن قضية موقعة الجمل ويبدو أن شواهدها واتهاماتها قد شوهت فى ظل مؤامرة أكبر.. وهذا ما حدث فى الأحداث الدامية أمام السفارة الإسرائيلية وموقعة ماسبيرو والعباسية ومسرح البالون وكلها جرائم تاهت فيها الأدلة والبراهين ووقائع الاتهامات..

 

أمام انقسام قوى الثورة والهجوم الضارى على فصائلها شاركت فيه جهات مسئولة وغياب الحقيقة والشفافية فى رصد جرائم الحزب الوطنى والأموال الضخمة التى دفع بها الحزب والعدد الكبير من المرشحين بدت الصورة وكأن هناك من لا يريد لهذه الثورة أن تكمل مشوارها وتحقق أهدافها فى إقامة دولة عصرية جديدة.. ولا شك أن هناك أطرافا كثيرة تتحمل مسئولية هذا المشهد الآن..

 

إن المجلس العسكرى والحكومة ومؤسسات الدولة لم تحسم أهم وأخطر قضايا المرحلة الانتقالية.. لقد ألغت مجلس الشعب وتركت الفلول لكى تتسرب إليه مرة أخرى.. وألغت الحزب الوطنى ومنحته ثمانية أحزاب أخرى ولم تكن جادة فى قضية العزل السياسى أو إعادة أموال الشعب التى نهبها المسئولون السابقون وأعضاء البرلمان.. وهذا يعنى أن الحزب المنحل بقى بكل مقوماته المالية والبشرية وزاد عليها تفكيك كل القوى السياسية الأخرى التى قامت بالثورة.. لقد كان أمرا غريبا أن تسمح سلطات الدولة لفلول الحزب المنحل أن تعقد اجتماعات ومؤتمرات شعبية فى عدد من المحافظات وأن تسمع تهديدات الحزب للحكومة ومطالباته بإقامة دولة مستقلة فى صعيد مصر.. وكان الأغرب من ذلك أن يخرج بعض وزراء العهد البائد يتحدثون عن ضرورة المصالحة ونسيان الماضى..

 

ولا أدرى على أى أساس يمكن أن ننسى هذا الماضى لكى تعود هذه الوجوه القبيحة إلى الساحة مرة أخرى.. لم تشهد مصر شيئا يمهد لهذه المصالحة فلا الأموال التى نهبها النظام السابق وفلوله عادت.. ولا الجرائم التى ارتكبوها قد حسمت.. ولا مؤسسات الدولة قد تطهرت منهم.. ولا تاريخ الفساد السياسى والمالى والأخلاقى قد خضع حتى لمجرد السؤال..

 

إن الصورة هنا تبدو غريبة ومتناقضة..

 

الدولة تتحدث عن إجراءات وقرارات حاسمة من أجل التغيير وتسليم السلطة للمدنيين.. وكل شىء يؤكد أن فلول الوطنى عائدون.. فهل التغيير هنا يعنى عودة الفلول..

 

الدولة تقدم عشرات الاتهامات للقوى السياسية ولا تحسم شيئا منها بالإدلة القاطعة.. فهل الهدف هو فقط تشويه البعض لصالح البعض الآخر..

 

الدولة تتحدث عن فساد الإعلام وهى تعلم الجهات التى تمول والايدى التى تعبث وفلول النظام السابق التى تدبر ذلك كله..

 

الدولة تعلم كل شىء عن أحداث السفارة الإسرائيلية وموقعة ماسبيرو والعباسية والبالون والتمويل الأجنبى والملايين التى تدفقت منذ قيام الثورة ولم تعلن شيئا من ذلك كله..

 

الدولة تعلم أن فلول النظام السابق تنتشر كالجراثيم فى مواقع كثيرة ورغم هذا تسمح بعودة فلول الوطنى للبرلمان.. وبقاء الكثير من مؤسسات الدولة تحت إدارة رموز النظام السابق.. وبعد ذلك كله مازلنا نتحدث عن التغيير..

 

إن قوى الثورة التى تشرذمت لم يعد فى يدها الكثير من الأوراق حيث لا مال ولا سلطة ولا فلول ولا بلطجية ولكنها تملك إرادة شعب لن يتراجع عن ثورته وقد يكون هذا هو الرهان الأخير..

فاروق جويدة شاعر وصحفي مصري
التعليقات