«روبوتات» سعودية تحارب التطرف - محمد عصمت - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«روبوتات» سعودية تحارب التطرف

نشر فى : الإثنين 30 أكتوبر 2017 - 9:05 م | آخر تحديث : الإثنين 30 أكتوبر 2017 - 9:05 م
معظمنا وقع فى حيرة بالغة بعد تصريحات ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، التى أطلقها خلال الأيام الماضية حول مشروع «نيوم» الذى يتكلف 500 مليار دولار، ويشمل إقامة منطقة تكنولوجية وتجارية بمشاريع عملاقة شمال غربى المملكة مع أراضى بشمال سيناء وسواحل خليج العقبة التابعة للأردن، تضم كما قال هو بنفسه «روبوتات» أكثر من البشر، ولتكون أول مدينة رأسمالية كاملة فى التاريخ تتمتع باستقلالية تامة، يدير شئونها كمنطقة حرة كل من السوق ورأس المال.

فكرة المشروع تبدو براقة وعصرية، لكنها فى المقابل تطرح العديد من التساؤلات حول فلسفتها وجدواها والغرض الحقيقى منها، فالأمير نفسه قال خلال مشاركته فى منتدى اقتصادى بالرياض الأسبوع الماضى: إن المشروع يستهدف إجراء تغييرات كبرى فى المجتمع السعودى، وأن بلاده «ستدمر أصحاب الأفكار المتطرفة فورًا، وإنها تسعى للعودة إلى الإسلام الوسطى المعتدل»، فهل يعنى ذلك تحجيم السلطات السعودية لنفوذ المؤسسة الوهابية فى المملكة؟ 

الواضح حتى الآن أن الأمير الشاب لا يفكر ــ حتى الآن ــ فى تدشين حملة لتجديد الخطاب الدينى السعودى، فالرجل الذى يشن الحرب على الشيعة فى اليمن ويناصبهم العداء فى إيران، لا يمكن أن يتخلى عن «وهابيته» فى يوم وليلة ليصبح مصلحا دينيا، ثم ماذا يقول لحلفاء المملكة من الوهابيين الذين صنعتهم ومولتهم بمليارات الدولارات على مدى عشرات السنين فى العديد من دول العالم؟

حيرتنا مع «نيوم» تمتد أيضا إلى موقف كل من مصر والأردن، الذى يخترق المشروع حدودهما كما قال الأمير الشاب، دون أن تفصح الدولتان ــ حتى الآن ــ عن موقفهما منه، فالمشروع الذى يضم مناطق ــ لا نعلم مساحتها ــ فى شمال سيناء ستخضع لقوانين خاصة، باعتبارها منطقة حرة، لم يطرح للنقاش فى مصر، وهو أمر تجاوز فيه الأمير الطموح كل الأعراف الدبلوماسية، ويضع مصر فى حرج بالغ، يدل عن كونها شريكًا فى المشروع إن وافقت عليه، أو يهدد بإثارة أزمة مع السعودية إن رفضته، أو حاولت إجراء تعديلات عليه، خاصة وأن المشروع يتصادم بالقطع مع الأفكار المصرية لإقامة منطقة حرة بمشاريع ضخمة حول قناة السويس.

ومع نشر مواقع إخبارية إسرائيلية أن بن سلمان زار إسرائيل سرًا منذ عدة أسابيع، تبدو إمكانيات امتداد المشروع مستقبلا مع إسرائيل متاحة، فى ظل الحديث عن صفقة القرن، وإقامة تعاون اقتصادى بين إسرائيل وكل دول المنطقة، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية بينها وبين دول خليجية وعلى رأسها السعودية، وهو أمر لم تؤكده المملكة ولم تنفه أيضا!.

أغلب ظنى أن الأمير محمد بن سلمان الذى نجح فى تمهيد الطريق أمامه داخل بلاده ليرث عرش أبيه، يحاول أن يستعد لدخول عصر جديد توشك المنطقة أن تطأه بأقدامها، ليضمن لمملكته قضم اكبر قطعة من «كعكة القرن» المسماة بصفقة القرن، وهو يسابق الزمن لتقديم بلاده فى صورة دولة عصرية حديثة، فسمح بقيادة المرأة للسيارات، وإقامة حفلات موسيقية وأفلام سينمائية، ليدشن عصرا جديدا من الحريات الاجتماعية لم تتوافر للسعوديين من قبل، دون أن يسمح بقدر أكبر من الحريات السياسية، أو إنشاء الأحزاب، وإطلاق حرية الصحافة، والإفراج عن المئات من المعتقلين، لتتماشى مع الحريات الاجتماعية التى يبنى عليها شرعية ملكه القادم، ليضع المملكة فى مواجهة تناقضات ساخنة بين الحريات الاجتماعية والقيود السياسية.. وهذه هى أزمة مشروع «نيوم» الحقيقة، أو بالأحرى أزمة المملكة نفسها!.

 

محمد عصمت كاتب صحفي