إسرائيل حاولت خلط الأوراق بين طابا والقضية الفلسطينية - نبيل العربي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسرائيل حاولت خلط الأوراق بين طابا والقضية الفلسطينية

نشر فى : الثلاثاء 30 نوفمبر 2010 - 11:18 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 30 نوفمبر 2010 - 11:19 ص

 لا شك أن استعادة طابا تمثل أهم إنجاز فى حياتى المهنية، فقد أمضيت ما يقرب من خمس سنوات من عمرى مسئولا عن هذا الملف، وذلك من 1984 إلى أن صدر الحكم يوم 29 سبتمبر1988 وانسحبت إسرائيل من الأراضى المصرية فى مارس 1989.

فى هذه الفترة كنت فى البداية مديرا للإدارة القانونية والمعاهدات فى وزارة الخارجية، ورئيسا لوفد التفاوض مع إسرائيل فى محادثات إبرام مشارطة التحكيم، التى وقعتها فى فندق مينا هاوس فى 12سبتمبر1986، ثم نُقلت فى صيف 1987 سفيرا ومندوبا دائما لمصر لدى المقر الأوروبى للأمم المتحدة فى جنيف لمتابعة تطورات التحكيم عن كثب، حيث تم تعيينى وكيلا للحكومة المصرية خلال مرحلة إجراءات التحكيم ثم كلفنى الرئيس حسنى مبارك بمتابعة تنفيذ الحكم إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين مصر وإسرائيل، قمت بتوقيعه فى فندق طابا بتاريخ 26 فبراير 1989 أدى إلى انسحاب إسرائيل يوم 15مارس.


وليس باليسير الكتابة حول جميع هذه المراحل لأنها استغرقت عدة سنوات والكثير من التفاصيل، التى كانت لها أهمية خلال هذه المرحلة فقدت بمرور الزمن ما كانت تتسم به من أهمية، ولا أريد أن أغرق القارئ فيها. ومن جهة أخرى لدى بعض الحرج من الإشارة إلى الدور الذى اضطلعت به خلال هذه السنوات لأن كل ما أقدمت عليه كان جزءا من مسئولياتى كمدير للإدارة القانونية فى وزارة الخارجية ووكيل الحكومة المصرية فى التحكيم، وهذا الاصطلاح قد لا يكون معروفا لدى القارئ، والمقصود به هو الشخص الذى يمثل الحكومة فى كل ما يتعلق بإجراءات التحكيم ويتحدث باسمها ويرأس فريق الدفاع. وفى نفس الوقت أجد لزاما علىّ أن أقدم عرضا أمينا بما هو مناسب من التحليل والوثائق حتى أستطيع أن أزعم أنه يسجل ــ بقدر الإمكان ــ مراحل القضية وكيف تناولتها مصر. وهناك عدد من الكتب القيمة التى كتبها بعض من ساهم فى الدفاع عن طابا. وجميع هذه المؤلفات فى نظرى لها قيمة كبيرة، ولكنها فى مجملها تقتصر على تغطية فنية متخصصة لبعض جوانب النزاع. ولا شك أن مثل هذه المؤلفات تمثل إضافات مهمة إلى التعريف بسجل النزاع من زاوية مختلفة. إلا أن هذه الإضافات القيمة والمهمة لا تقدم عرضا عاما شاملا لجميع جوانب النزاع لأن من قام بكتابتها كانت لهم أدوار تستحق دائما الإشادة بها، ولكنهم لم يشاركوا فى صنع الأحداث واتخاذ القرارات منذ البداية وحتى النهاية. وهذا ينطبق ــ للأسف الشديد ــ على الكثير من التصريحات والمزايدات، التى أقرأ عنها فى وسائل الإعلام من آن لآخر وألزم الصمت حيالها.

وأود قبل أن أبدأ تسجيل أهم معالم النزاع الخاص بطابا أن ألقى بالضوء على بعض الحقائق التى تمثل الإطار العام للنزاع:

الحقيقة الأولى: إسرائيل كانت تعلم أن الحكم القضائى لن يصدر فى صالحها.

فبعد كل هذه السنين وبعد دراسة جميع مراحل النزاع وبعد تفكير عميق لاشك لدىّ أن إسرائيل لم تكن تسعى لكسب القضية لأنها كانت تعرف مسبقا أن المحكمة لن تؤيد موقفها فإسرائيل كانت تعلم تماما أين يقع خط الحدود عند نقطة طابا، وكان فى جعبتها البيانات الدقيقة حول موقع العلامة رقم 91، وهى نفسها التى قامت بطمس معالمها عند إزالة الشق الجنوبى للهضبة الشرقية لوادى طابا بعد بضع سنوات منذ بدء الاحتلال. ولابد أن هدفها كان إفشال قدرة المحكمة على إصدار حكم. وبذلك لا يكون هناك مفر أمام مصر سوى العودة مرة أخرى إلى التفاوض والدخول فى متاهات جديدة قد تستغرق سنوات طويلة وتحاول إسرائيل خلال هذه المفاوضات انتزاع تنازلات من مصر سواء فيما يتعلق بالترتيبات فى طابا أو فى أى موضوعات أخرى.

وسعيا وراء تحقيق هذا الهدف:

أ‌ ــ تقدمت إسرائيل بمكانين للموقع الذى تدعيه للعلامة 91 القاسم المشترك بينهما أنهما يتركان منطقة طابا فى أيدى إسرائيل.. وهو ما يعتبر فى حد ذاته دربا من الهزل لا يستقيم مع من يهدف لكسب قضية أمام محكمة دولية.

ب‌ ــ قامت إسرائيل بطمس معالم العلامة 90 بعد أن تركتها فى موقعها ولم تدمرها ولم تخطر مصر بأنها قد أزالت جزءا من الهضبة وأبقت على الرقم 9 فقط لإيهام مصر أنها العلامة 91. وطوال سنوات المفاوضات لإبرام مشارطة التحكيم من أبريل 1982 إلى سبتمبر 1986 عندما وقعت مشارطة التحكيم فى فندق مينا هاوس أبقت موضوع إزالة جزء من الهضبة سرا، ولم تصارح مصر بأنها أزالت العلامة الأخيرة عندما شقت الطريق، الذى يربط طابا بميناء إيلات على الجانب الإسرائيلى من الحدود ومصر يمكن ــ إلى حد ما ــ أن يلتمس لها بعض العذر فى عدم معرفة هذه التغيرات التى أدخلتها إسرائيل على تضاريس المنطقة أثناء الاحتلال لأنه لم يكن لها أى وجود فى هذه المنطقة منذ عام 1956.

ج ـ كان قرار مجلس الوزراء الإسرائيلى فى يناير 1986 بقبول الالتجاء إلى التحكيم لحل النزاع معلقا على شرط بأن تكون هناك مرحلة توفيقية ضمن إجراءات التحكيم، ومصر لم تعترض على هذا الشرط على أساس أن الهدف الذى تسعى إليه هو عرض النزاع على جهة قضائية وهذا يتحقق بقبول إسرائيل للتحكيم. أما المرحلة التوفيقية التى سوف تتخلل التحكيم فقد نظرت إليها مصر على أنها لا ضرر منها ما دام ما تمخض عنه قابل للرفض. لكن نظرة إسرائيل كانت تختلف، فأنا على يقين أنها كانت تتوقع أنه بعد أن تُقدم ما لديها عن مكان العلامة الأخيرة طبقا لاتفاقية 1906 وأنه ليس الموقع الذى تقدمت به مصر لن يكون أمام مصر من مفر سوى قبول حل توفيقى يحقق لإسرائيل بعض أهدافها. وكان من الممكن أن يتحقق السيناريو الإسرائيلى إذا لم تنجح مصر فى إقناع المحكمة أن إسرائيل لا تستمد أى حق من اتفاقية 1906 التى لها قيمة تاريخية فقط وأن معاهدة السلام ومشارطة التحكيم يمثلان المرجعية القانونية الوحيدة، التى تستند عليها المحكمة فى إصدار الحكم. وتحقيقا لهذا الفرض كنا نصر فى المحادثات على عدم الإشارة إلى اتفاقية 1906 وعارضنا جميع المحاولات الإسرائيلية، التى كانت ترمى إلى إدخال اتفاقية 1906 فى صلب المشارطة بما كان يسمح لإسرائيل بالدفع بأن لها حقوقا تنبع من هذه الاتفاقية. ويلاحظ فى هذا الصدد أن هيئة التحكيم اعتمدت تفويض المحكم الفرنسى بيير بيللية لتولى مسئولية اجتماعات فى جنيف، وفى باريس كنت أمثل مصر فيها وكان معى فى بعض هذه الاجتماعات السفير مهاب مقبل. وبعد ما يقرب من شهرين اقترح بيللية فى آخر اجتماع عقد فى باريس فى مايو 1988 قبول الموقف المصرى مع السماح بتأجير إسرائيل لمنطقة طابا لمدة 99 عاما، وهو الاقتراح الذى رفضته فورا ودون الرجوع إلى القاهرة لأن مبدأ التأجير يتعارض مع سيادة مصر من جهة وتخوفا من الانزلاق إلى هاوية المساومة حول مدة التأجير بالرغم من الإغراء الظاهرى بأن العرض ينطوى على الاعتراف بموقع العلامة المصرية.

د ـ كانت إسرائيل تتصور أنها تستطيع الاعتماد على ما تعتبره تفوقا حضاريا وتكنولوجيا إسرائيليا يضمن لها أن مصر سوف ترتكب أخطاء تستفيد منها إسرائيل. وقد صرح بهذا المعنى رئيس الوفد الإسرائيلى للمستشار القانونى الأمريكى عندما قال له إن لديهم أسلحة سرية، أهمها أن المصريين سوف يخطئون واستخدم الاصطلاح الأمريكى The Egyptians will surely shoot their own feet وهو الأمر الذى لم يتحقق والحمد لله.

ثانيا: الصحافة ووسائل الإعلام فى مصر دأبت على تصوير قضية طابا على أنها كانت «معركة عسكرية» أفرزت بطولات وهذا تصوير يجانب الصواب. وتاريخ النزاع كما تناولته وسائل الإعلام لم يعترف بالدور المحورى، الذى باشرته وزارة الخارجية، وما زلنا نسمع إشادة بأسماء لها قيمتها العلمية والمهنية ولكن تقتضى الأمانة أن أقرر أن بعضها كان دورها استشاريا، وأن أغلب هذه الأسماء لم تتحمل أى مسئولية خاصة، ولم تشارك فى اتخاذ القرارات.

فالنزاع حول طابا برمته منذ بدايته فى إبريل 1982 وحتى نهايته فى مارس 1989 لم يكن معركة عسكرية التحم فيها خصمان، وقام أحدهما بأعمال بطولية عرض فيها حياته للخطر مما يستدعى الإشادة بها..

قضية طابا كانت مواجهة، ولنقل ملحمة حضارية بين الأجهزة المعنية فى حكومتين كل منهما تسعى لتضع أمام محكمة دولية ما لديها من أدلة تساند موقفها وتدحض موقف الخصم. وما يستخدم فى هذه المواجهة لم يكن الأسلحة النارية والسيوف بل الأدلة والأسانيد القانونية والجغرافية والتاريخية والمساحية، التى كانت نتاج بحث متعمق ودراسة متأنية فى أعماق الملفات والوثائق فى الخرائط المصرية المحفوظة فى مختلف أجهزة الدولة، وأيضا فى ملفات الأمم المتحدة والأرشيف البريطانى والتركى والسودانى.

وعلى سبيل المثال نشرت الصحف أنه أثناء احتفال كريم فى شرم الشيخ قال أحد المشاركين إن المخابرات الحربية هى التى أجرت البحوث والتحريات لتجد ضباط يوغسلاف خدموا فى قوات الطوارئ الدولية UNEF، التى أنشئت بقرار الجمعية العامة رقم 1000 (2ES1) نوفمبر 1956. وأن المخابرات الحربية هى التى قامت بدعوتهم لتقديم شهاداتهم أمام هيئة التحكيم. والواقع أن الإدارة القانونية فى وزارة الخارجية هى التى درست المتوافر من مستندات الأمم المتحدة بما فيها المستندات والتقارير الخاصة بقوات حفظ الطوارئ فى نيويورك وكُلفت بالسفر إلى نيويورك لهذا الغرض ثم قمت بزيارة إلى يوغسلافيا ثلاث مرات بحثا عن هؤلاء الضباط وقابلت العديد منهم ــ بموافقة السلطات اليوغسلافية ــ لاختيار خير من يصلح للشهادة فى المحكمة.

أرجو أن ينقل العرض الذى أقدمه فى هذه السطور صورة شاملة متكاملة من الشخص الذى شارك فى التخطيط والإعداد والتفاوض والمرافعة والتنفيذ.

وللأسف الشديد أجد لزاما علىَّ فى هذا العرض أن أذكر أن حفظ المستندات والوثائق فى مصر يشوبه قصور شديد أرجو أن يكون الوضع قد اختلف فى عصر الكمبيوتر.

الحقيقة الثالثة: إن دراسة الوثائق والمستندات وإعداد المواقف لمواجهة إسرائيل فى مختلف مراحل النزاع من مفاوضات عقيمة للاتفاق على وسيلة حل النزاع عن طريق التوفيق أو التحكيم، والتى استغرقت سنوات إلى إعداد مشارطة التحكيم الذى استغرق تسعة شهور من مفاوضات مكثفة ثم تقديم ثلاث مذكرات إلى هيئة التحكيم والاشتراك فى محاولة التوفيق، التى أجراها المحكم الفرنسى بيللية كما ذكرت بناء على تفويض من هيئة المحكمة كانت تقع على عاتق وزارة الخارجية. وكنت عند القيام بهذه المهام الجسام أعمل فى إطار تعليمات واضحة المعالم صادرة من القيادة السياسية التى تابعت بصورة مباشرة جميع التطورات. وكانت هذه التعليمات تصدر بعد دراسة متأنية متعمقة من فريق الإدارة القانونية فى وزارة الخارجية، الذى كان يتقدم بمقترحات ويتشاور مع أعضاء اللجنة القومية ثم يعرض الموقف النهائى على الدكتور عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية آنذاك، الذى كان يرفع هذه المقترحات إلى رئيس الجمهورية، وكثيرا ما كان الرئيس يتصل بى مباشرة للاستفسار عن بعض الأمور، وكان يهتم بمعرفة جميع التفاصيل. ولا يكتفى بأن يعرض عليه الإطار العام لما يثار من مشاكل. والواقع أن اتخاذ القرارات السياسية فى معالجة موضوع طابا بواسطة القيادة السياسية فى مصر كان مثاليا وتم بأسلوب علمى حضارى لم يطبق قبل ذلك فى مصر، وأشك أنه اتبع بعد ذلك فى اتخاذ المواقف والقرارات فى الموضوعات السياسية الخارجية المهمة. وإذا رجعت بذاكرتى إلى الوراء قد يكون الاجتماع الوحيد الذى عقده رئيس جمهورية مصر مع مسئولى وزارة الخارجية تم فى أغسطس 1970 عندما كان الأستاذ محمد حسنين هيكل وزيرا للخارجية بالإنابة واصطحب معه لمقابلة الرئيس عبدالناصر سبعة مسئولين من وزارة الخارجية بما فيهم السفير فى نيويورك الدكتور محمد حسن الزيات ووكيل الوزارة محمد رياض والمشرف على رعاية المصالح فى واشنطن الدكتور أشرف غربال والمستشار القانونى لوزارة الخارجية الدكتور أحمد عثمان والوزير المفوض تحسين بشير والمستشار أسامة الباز، ودار حوار مفتوح حول النزاع العربى الإسرائيلى والموقف بالنسبة لتنفيذ القرار 242 تحدث فيه مسئولو وزارة الخارجية بكل صراحة مع رئيس الجمهورية.

الحقيقة الرابعة: إن الحكومة المصرية أدارت «قضية طابا» بأسلوب علمى متحضر على أعلى مستوى مهنى. فالمسئولية منذ البداية ألقيت على كاهل وزارة الخارجية التى تولت الدراسة والتنسيق واتخاذ القرارات المطلوبة. وفى هذا الإطار تم التنسيق مع جميع الجهات الحكومية ذات الصلة بمنتهى الشفافية وروح التعاون، وكان واضحا منذ البداية أن المواجهة السياسية والقانونية مع إسرائيل لتسوية النزاع طبقا لأحكام المادة السابعة من معاهدة السلام سوف تكون فى غاية الصعوبة، وأن مصر سوف تكون فى حاجة إلى خبراء متخصصين فى القانون والتاريخ والمساحة والعلوم العسكرية بصفه عامة. لذلك اتجه التفكير إلى تكوين لجنة قومية تضم خبراء مصريين على أعلى مستوى فى جميع التخصصات ذات الصلة. ولم يكن صعبا اختيار القانونيين لأن أسماء ألمع أساتذة القانون الدولى فى مصر كانت وزارة الخارجية وكنت أنا شخصيا على معرفة بها. وتم بالفعل اختيار كوكبة من كبار المتخصصين مثل الدكتور وحيد رأفت والدكتور مفيد شهاب والدكتور طلعت الغنيمى والدكتور أحمد القشيرى والدكتور صلاح عامر والأستاذ سميح صادق. وبالرغم من أن الدكتور جورج أبى صعب لا يقيم فى مصر لأنه يعمل أستاذا للقانون الدولى فى معهد الدراسات الدولية فى جنيف منذ سنوات، فإنه قبل المهمة وقدم إسهامات قيمة وبالغة الأهمية. وقد صاحبت وزير الخارجية وقتئذ الدكتور أحمد عصمت عبدالمجيد فى مقابلات مع وزراء العدل والدفاع والبترول والتعليم وطلب من هذه الجهات أن تنتدب ممثلين للتعاون مع وزارة الخارجية، وقمت من جانبى بالاتصال بالجمعية التاريخية والجمعية الجغرافية والمساحة الجيولوجية وإدارة المساحة العسكرية لنفس الغرض، ثم اقترحت على وزير الخارجية تشكيل لجنة قومية فى يونيو 1985 وتوليت مهمة المقرر والمنسق لهذه اللجنة بوصفى مدير الإدارة القانونية.

الحقيقة الخامسة: إن الفريق الذى كان يعمل فى وزارة الخارجية كان متفانيا فى عمله إلى أقصى درجة وكان يشمل عددا كبيرا من السفراء منهم إبراهيم يسرى وبدر همام وحسن عيسى وأحمد أبوالخير ومحمد عز الدين عبدالمنعم ووجيه حنفى وأحمد فتح الله ومحمد جمعة ومحمود سامى. وفى مراحل معينة قدمت الوزيرة فايزة أبوالنجا إسهامات قيمة، كما أن الوزير أحمد ماهر السيد والسفير مهاب مقبل حضرا بعض مراحل التحكيم، وشارك السفير مهاب مقبل فى بعض الاجتماعات، وشارك السفير ماجد عبدالفتاح بجهود مهمة فى مرحلة تنفيذ الحكم. أما وجيه حنفى ومحمد جمعة فقد كرسا أربع سنوات كاملة من عمرهما فى التعاون الوثيق معى فى الدراسة والإعداد والمرافعات إلى أن صدر الحكم وبدون تفان وإخلاص وإسهامات وجيه حنفى ومحمد جمعة كان من غير الممكن أن أقوم بالمسئوليات التى ألقيت على عاتقى.

الحقيقة السادسة: إسرائيل كانت تسعى بإلحاح خلال المفاوضات حول قضية طابا وبالذات أثناء إعداد مشارطة التحكيم عام 1986 على خلط الأوراق بين طابا والقضية الفلسطينية. خلال هذه الفترة لم تكن هناك اتصالات بين إسرائيل والرئيس مبارك والرئيس عرفات، وكان لدى الوفد الإسرائيلى تعليمات بأن يتحدث مع المسئولين المصريين حول أمور تتعلق بالفلسطينيين. وفى كل اجتماع كان الإسرائيليون يلحون على التطرق إلى المشاكل المتعلقة بالفلسطينيين. وكنت من جانبى أسعى لعدم خلط الملفات وأن يقتصر دورى مع رئيس الوفد الإسرائيلى على إعداد المشارطة خاصة أنه سبق أن كلفت فى نهاية عام 1983 بالسفر مع السفير الشافعى عبدالحميد مساعد وزير الخارجية فى زيارة كانت مصر لا ترغب فى الإعلان عنها لمحاولة الحصول على موافقة إسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت على سفر أعضاء اللجنة المركزية لمنظمة فتح المقيمين فى الضفة والقطاع إلى تونس وقابلنا شامير الذى رفض بشدة. ولذلك لم تكن لدىَّ بارقة أمل فى أن فتح موضوعات فلسطينية مع تامير وكميحى سيؤدى إلى أى نتيجة. وقد أيد الدكتور عصمت عبدالمجيد وجهة نظرى. ولكن فى مرحلة تالية رؤى أن يتولى الدكتور أسامة الباز المستشار السياسى لرئيس الجمهورية التباحث مع الوفد الإسرائيلى دون أن يُعلن عن ذلك. وكان أسامة الباز يحضر بعد انتهاء مفاوضات طابا ونحجز له غرفة فى فندق ميناهاوس أو فى أى فندق يتم فيه التفاوض وتدور مباحثات عقيمة كنت أشارك فيها إلى ساعة متأخرة من الليل دون التوصل إلى أى تقدم ملموس. وحتى الآن لا أدرى بالضبط لماذا كان الوفد الإسرائيلى يصر على إجراء هذه المباحثات. ونظرا لأن كميحى كان حريصا على معرفة أسلوب اتخاذ القرار فى السياسة الخارجية المصرية والعلاقة بين الرئاسة والخارجية ويسأل العديد من الأسئلة حول هذه الموضوعات فربما كان هذا الاهتمام يفسر الإصرار الإسرائيلى على إجراء مباحثات لا جدوى منها كمحاولة لفهم المطبخ الداخلى فى السياسة الخارجية المصرية.

وأود أن أشيد بجهود جميع من شارك بعلمه وجهده ووقته فى عمل اللجنة القومية، فقد كانوا جميعا أساتذة أجلاء وخبراء على قدر عال من الكفاءة، ولكن لابد من القول بأن الإدارة القانونية فى وزارة الخارجية هى التى حملت على عاتقها العبء كله، وكانت المخطط والمنفذ والمتابع لجميع المراحل. وكانت المقترحات والتوصيات، التى أتقدم بها إلى وزير الخارجية هى التى تحدد مسار الموقف المصرى. ولا شك أننى مدين للدكتور عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية آنذاك فقد منحنى ثقته الكاملة وكان دائم الدعم للمواقف التى أتخذها لمواجهة المخططات الإسرائيلية.

نبيل العربي  قاض بمحكمة العدل الدولية سابقا .. وأمين عام جامعة الدول العربية السابق
التعليقات