(1) ما قبل الوثيقة - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(1) ما قبل الوثيقة

نشر فى : الجمعة 30 نوفمبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 نوفمبر 2012 - 8:35 ص

إن الدستور باعتباره «عقد العقود»، أو «إطار العقود»، لا يولد إلا من توافق إرادات مجتمعة يتوافر لها الشفافية والإخلاص لإخراج دستور يلائم الحاضر المتردى ويهيئ لمستقبل أفضل، كذلك لابد من مناخ هادئ يمنح «الدستور الوليد» حقا سموه فى الهيمنة على كل العقود وكذلك حقه فى رضوخ الجميع له.

 

 

 

وأقول بشفافية وإخلاص، لأن النوايا لا تكفى إلا مع الدليل الوحيد لحسن النية هو الشفافية المطلقة التى لاتخفى شيئا ولا تتجاوزه.

 

 

 

ومهما تحقق الوثيقة الدستورية من رغبات الشعب، فإنها لا تنال احترامها وتوقيرها إلا إذا صدرت عن جمعية تأسيسية تحظى بثقة الكل، ثم فكيف إذا علا الصراخ والضجيج من قبل صدورها؟!.

 

 

 

(2)

 

 

 

والدستور باعتباره العقد الأكبر بين جميع المواطنين، لابد وأن تتوافر له مشاركة واسعة باتساع المجتمع وليس مجرد تمثيل لبعض شرائح الناشطين مستندين إلى تراخيص الأحزاب أو الجرائد أو الفضائيات فتلك الوسائل الإعلامية وسائل تواصل وتلاقح للأفكار، وليست وسائل لتزييف الوعى وتقسيم المجتمع وتحاربه،  وقد أقدم المجتمع المصرى على حافة الانقسام وذلك انتحار ليس من السياسة فى شىء ولا من الدين فى قليل أو كثير . فإن الناس تدين لربها رغبة وطواعية، فكيف يخضع المواطن لوثيقة دستورية افتقدت سلامة المصدر من ناحية ولاحقتها مشاعر الأنانية والأثرة، كما لاحقتها سهام الترصد تريد اغتيالها .ألم يلاحظ الجميع أن الرسول (ص) قد أقام الأخوة والمواطنة بين جميع المواطنين قبل وضع وثيقة المدينة المشهورة ؟!.

 

 

 

إن الدستور سلطة عليا فوق السلطات الثلاث المشهورة فى علوم السياسة ونظمها، وتلك سلطة الأمة مجتمعة وليست سلطة فصيل أو تيار أو تحالف بين عدد من الفرقاء لا يرقى إلى التعبير عن الإرادة العامة للأمة،  تلك الإرادة الجالبة للاستقرار والمساعدة على الحوار.

 

 

 

(3)

 

 

 

وللسلطة الدستورية أربعة أركان لاتقوم إلا بها وهى:

 

 

 

1- «مصدر نشأة موثوق» يتمتع بالرضا القاطع للجدل.

 

 

 

2- «عقد شفاف» يظهر ما يبطنه،  فالسلطة العليا لا يناسبها الغموض وتعدد الاحتمالات.

 

 

 

3- «إقرار شعبى يعلن توافق الجميع» أو الغالبية الغالبة بنسبة 80% كحد أدنى لسمو الدستور.

 

 

 

4- «مؤسسة مهابة دائمة» تقوم بدورين : أ- تفعيل وثيقة الدستور وحفظها من أى تجاوزات.

 

 

 

ب- كما تضمن دوام الحوار المجتمعى لترشيد التفكير الدستورى، واستخلاص المبادىء والقواعد وإعدادها للطرح على كل مؤسسات المجتمع وكل من يريد من المواطنين،  وهناك وظائف وأدوار أخرى لتلك «المؤسسة الأم» لا يستطيع المجتمع تحقيق تغيره وتنميته بدونها، والحقيقة التى لا مراء فيها أن مشروع الدستور المنتظر ـ  بما صحبه من قلاقل ـ يفتقد جميع ضوابط الثقة والمبادىء الدستورية.

 

 

 

1- فالمصدر المنشئ ـ مع بالغ تقديرى لكل فرد من أفراد الجمعية التأسيسية ـ مصدر غير مقبول، حيث إن هيئة الجمعية قد تبوأت مكانها عبر تناحر وتدافع يستحيل معه أن تقدر على إنتاج «وليد سليم» فإن لم يكن الوليد مشوها بعيب تكوينى، فإنه سيولد مشوها ملاحقا فى الذاكرة بشد وجزر يحرق الرضا والاستقرار.

 

 

 

2- والوثيقة المنشودة وثيقة ذات طبيعة خاصة،  نذكر بعض دواعى خصوصيتها :

 

 

 

أ- أنها توضع بعد ثورة شعبية متفردة لم تنته رياحها، ولم تهدأ عواصفها.

 

 

 

ب- إن مقولة «لن نخترع العجلة»... مقولة «تسطيح وتسرع» لا مبرر لها فنحن أمام مرحلة جديدة ومنعطف تاريخى بحاجة شديدة إلى إعادة النظر الجاد فى ثقوب الفكر الدستورى العالمى،  فلسنا مطالبين إلا بقواعد العدالة الصارمة وحقوق الإنسان الكريم .... وما أكثر ثقوب وعيوب الفكر الدستورى العالمى، لذلك لابد من توافق حقيقى يخلق مناخا صالحا لولادة الدستور.

 

 

 

3- إن مصر بحجمها المدرك طوال التاريخ كانت رمزا للمبادرة الخلاقة الساعية نحو حضارة متجددة لا تركن إلى الماضى، ولا تكتفى بالنقل عن الغير، بل تقيم حضارتها على أساس من صحيح تراثها وتراث جميع الحضارات العالمية فى تنافس يسعى نحو الكمال.

 

 

 

4- ليس بوسع عاقل أن ينكر متغيرات الواقع المصرى، تلك المتغيرات التى يجب تهذيبها وضبطها حتى تتبوأ مكانتها فى النسيج الدستورى.

 

 

 

5- إن الأمة العربية كلها تعيش ما تعارف عليه أهل الرأى بـ «الربيع العربى» وهذا الربيع إن لم ينتج الزهور الزاهية والثمار النافعة فلن يكون ربيعا ولا حتى خريفا.

 

 

 

وهذا كله يعيب المصدر المنشئ والمناخ المحيط،  فما بالنا بكل أركان الوثيقة الدستورية.

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات