هشام جعفر، إسماعيل الإسكندرانى، طاهر مختار، عاطف بطرس؛ ألم أسجل هنا أكثر من مرة أن المكون الأمنى حين يسطو على المجتمع ومؤسسات الدولة لا يسمح أبدا بالتغريد خارج السرب قولا أو فعلا؟
ألم أسجل هنا أكثر من مرة أن اليد القمعية حين تتفلت من جميع مقتضيات سيادة القانون وحين تطلق على الناس لا تصنفهم إلا وفقا لثنائية هؤلاء معنا وأولئك ضدنا، ولا تتورع عن تعقب وتهديد ومعاقبة كل معارض؟
ألم أسجل هنا أكثر من مرة أن من يظنون أن المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات ستتوقف عند حدود جماعة الإخوان المسلمين أو عند نهايات ما أطلق عليه خدمة السلطان «الطابور الخامس» يتجاهلون أن اليد القمعية تحتاج باستمرار إلى قوائم متجددة من «الأعداء» وتعتاش على دماء مجموعات متنوعة من الضحايا؟
ألم أسجل هنا أكثر من مرة أن المعايير المزدوجة فى التعامل مع ضحايا المظالم والانتهاكات ــ فيصمت البعض على القتل خارج القانون والاختفاء القسرى والتعذيب والمعاملة غير الآدمية فى أماكن الاحتجاز حين يكون الضحايا من المصنفين«إخوان»، بينما تتكاثر حملات التضامن مع الضحايا حين تأتى تصنيفاتهم فى خانات أخرى ــ تغرى الأجهزة الأمنية بمواصلة القمع والاستخفاف بالمدافعين عن حقوق الإنسان؟
هذه أيام مصرية شديدة الوطأة على نفس كل إنسان يرفض الضيم ولا يرضى الظلم. هشام جعفر يقبع فى محبسه متنقلا من تمديد للحبس إلى تمديد لاحق، ومتنقلا من حالة صحية سيئة إلى حالة صحية خطيرة. ولا ترشح من أخبار إسماعيل الإسكندرانى إلا تواريخ تجديد الحبس، وقائمة اتهامات عبثية مصدرها دولاب العمل البالى للأجهزة الأمنية. أما الدكتور طاهر مختار ومن ألقى القبض عليهم معه، فغير معلوم مصيرهم، ويشتركون مع هشام وإسماعيل فى عدم تمكن المحامين المتولين للدفاع عنهم من الاضطلاع لا على كل أوراق التحقيقات ولا على «الملفات الأمنية» التى أعدت لهم. أما عاطف بطرس، الباحث فى دراسات الأدب، فبمنعه من دخول مصر أضيفت إلى القائمة الطويلة من المظالم والانتهاكات جريمة «الإبعاد عن الوطن» وفقا لرغبات وتقارير وقرارات الأجهزة الأمنية. وغيرهم كثيرون من ضحايا ذات اليد القمعية التى اعتدى بعض أفرادها جسديا على طبيبى المطرية، وتورط بعض كبارها فى جرائم فساد وسوء استغلال مريع للمنصب العام، ويطلق بعض كبارها الآخرين اتهامات جزافية وتهديدات إبادة جماعية باتجاه مجموعات من المواطنين.
هذه أيام مصرية شديدة الوطأة على ضمير وعقل كل إنسان يدرك أن اليد القمعية ما لم يتوقف تفلتها وما لم تنتزع رغما عنها حقوق وحريات الضحايا الأحياء ويجبر الضرر (بالعدالة والإنصاف) عن الضحايا الذين انتهك حقهم المقدس فى الحياة، ستلقى بالمجتمع والدولة إلى هوة سحيقة لن نجد بها أبدا بوابات للخروج السريع.