المعدية.. لغة العيون - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المعدية.. لغة العيون

نشر فى : الإثنين 31 مارس 2014 - 5:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 31 مارس 2014 - 5:30 ص

هانى عادل، النجم الجديد الصاعد، اسمه فى الفيلم «فارس»، وهو اسم على غير مسمى.. صحيح، جسمه قوى، شاب، مفتول العضلات، يوحى بالعنفوان، يتمتع بوجه متسق، واضح الملامح، منحوت بوضوح، يليق بفارس فعلا.. لكن، فى نظرته انكسارة خفية، ممتزجة بالحيرة والقلق، يشوبها اليأس، تعبر عن درجات متفاوتة من الوهن الداخلى، يتصاعد إلى عينيه ليضفى ألق السعادة التى تغمره ــ مؤقتا ــ وهو بصحبة حبيبته «أحلام»، بأداء ناعم، صادق وعميق، من «درة».

«أحلام» أيضا، اسم على غير مسمى، فبالرغم من أنها جميلة، دقيقة، جادة، مكافحة، فإن أمانيها المشروعة، بأشواقها العذبة، تتهشم، المرة تلو المرة، على صخرة الواقع القاسية، مما يبدد الإشراق فى عينيها، واللافت ان غلالة الكدر الزاحفة على عينيها، غالبا، تنسحب أمام لمعة تحدٍ تبرق فى نظرتها، معبرة عن عزيمة نابضة بالحياة.

عطية أمين، المخرج، فى أول أفلامه، يؤكد تفهمه لقدرة اللغة السينمائية فى التعبير عن أدق خلجات أبطالها من خلال ملامح الوجوه، خاصة العيون، تلك النوافذ التى تطل منها على أدق أسرار الأحاسيس.. وهذا لا يعنى ان مخرجنا اعتمد على اللقطات الكبيرة، القريبة، لممثليه، ولكن، مع مصوره المتمكن، رءوف عبدالسميع، تعمد رصد الانفعالات المتضاربة لأبطاله، داخل المشهد الواحد، مما منح الفيلم قدرا كبيرا من الحيوية، فمثلا، شقيق «أمل» ــ بأداء أحمد صفوت ــ العائد توا من الخليج، يغضب ويثور حين يعلم برغبة صديقه «فارس» فى الزواج من أمل.. فى مدخل الشقة، بينما يعصف به الغضب وقد وضع نظارة سوداء على عينيه، تكتسى نظرة فارس بالخجل، ويبدو كما لو أنه يريد الهرب من المكان. وإذا كانت «أمل»، الصامتة، الخائفة من اتهامات محتملة، منطوية على نفسها، فإن درجة ما من الاستنكار، تتجلى فى عينيها.. أما زوجة الأخ، المنزعجة من الموقف كله، فتكاد تحنو، بنظرتها، على «أحلام»، برغم النقاء المندلع بينهما منذ قليل.

قصة الفيلم بسيطة، مرهفة، كتبها محمد رفعت، المتفهم لتقلبات العواطف، وعلاقتها بالمصالح، فالصديقان، هانى عادل وأحمد صفوت، فرق بينهما المستوى الاقتصادى، فالأخير، لا يريد أن ترتبط شقيقته بمجرد حارس أمن لا مستقبل له.. ومع توالى المواقف، والأحداث الصغيرة التى تصنع الحياة، يدرك، إزاء عزيمة شقيقته، أن لا فكاك من الموافقة على الزواج.

«المعدية»، يدور فى «جزيرة الورد». مكان شديد الخصوصية، قلما نراه على شاشاتنا، لكن المشكلة أن الفيلم لم يبرز أو يبين العلاقة الجدلية بين المكان والبشر، ذلك أنه حصر نفسه فى قصص ومشكلات أبطاله، وبالتالى لم ير فى الجزيرة سوى بعض المناطق الزراعية، وبيوت متواضعة، ضيقة، وأناس أقرب للكومبارس الصامت، يهيمون على غير هدى.. ثم معدية، تذهب وتجىء.. هكذا، كأن أبطال الفيلم غرباء عن المكان، أو أن المكان لم يشكل ملامحهم.

بعيدا عن هذا المأخذ الجوهرى، يتمتع الفيلم بسخاء التفاصيل، فضلا عن درجة عالية من الحساسية فى اختيار الديكورات والإكسسوارات، قضبان النوافذ توحى بالقيود، الشبابيك التى تطل على بعضها تعنى انكشاف الأسرار، والأهم، تلك القصص والعلاقات الجانبية، وكلها، تصب فى طاحونة التمرد ضد قمع حرية الاختيار، وتأكيد الانتصار للحياة، والمستقبل، برغم العناء.. إنه فيلم جميل، ينبئ بجيل مشرف، فى السينما المصرية.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات