خدعوك فقالوا إن الشركات تدفع ضرائب فى مصر - رضا عيسى وعمرو عادلي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:37 م القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خدعوك فقالوا إن الشركات تدفع ضرائب فى مصر

نشر فى : الإثنين 31 مارس 2014 - 5:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 31 مارس 2014 - 5:25 ص

منذ شهور طويلة ويتحدث المصريون المعنيون بالشأن الضريبى والسياسات المالية عن نوع الضرائب التى يجب فرضها فى مصر لتمويل الموازنة، ويمكن التفرقة بين اتجاهين رئيسيين أحدهما ينادى بفرض ضرائب تصاعدية لتحقيق العدالة الاجتماعية بتحميل العبء الأكبر للفئات الأعلى دخلا من الأفراد والشركات، بينما يعتبر الثانى أن فرض الضرائب على رأس المال ضرره أكبر من فائدته لأنه سيطرد رأس المال ويقلل من معدلات الاستثمار وبالتالى النمو الاقتصادى، وبالتالى ينظر إلى تحميل الضرائب على القاعدة الأكثر اتساعا من خلال الضرائب غير المباشرة كضرائب المبيعات والقيمة المضافة مخرجا لتمويل موازنة الدولة دون الإضرار بالاقتصاد المصرى. فأى الطرفين على حق؟ وكم تسهم الشركات حقا فى تحمل الأعباء الضريبية فى مصر؟

•••

تفيد بيانات الموازنات العامة أن الضرائب على أرباح شركات الأموال مثلت نحو 24 % من إجمالى إيرادات الدولة الضريبية بين 2008 و2012، أى نحو الربع، ونحو 47 % من إجمالى حصيلة الضرائب المباشرة للفترة ذاتها. وهو ما قد يحدو بالبعض إلى القول إن شركات الأموال، وهى جميع الشركات المسجلة لدى الهيئة العامة للاستثمار، تضطلع بالفعل بعبء كبير من تمويل الضرائب فى مصر. ولكن فى الأمر خدعة كبيرة إذا نظرنا لمن يدفع الضرائب بين الشركات.

إن أكبر المساهمين فى تمويل ضرائب الشركات هما الهيئة العامة للبترول والهيئة العامة لقناة السويس، ويتضاءل بجانب هاتين الجهتين الحكوميتين نصيب الشركات الأخرى التى تعمل فى مختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية. إذن فالدولة تدفع ضرائب لنفسها تحت مسمى ضرائب الشركات.

•••

أسهمت الهيئة العامة للبترول وشركاؤها الأجانب بنحو 54% من إجمالى الضرائب على الشركات فى الفترة (2008-2012) بواقع 13% من إجمالى إيراد الدولة ونحو 20% من إجمالى الحصيلة الضريبية. وأتت هيئة قناة السويس والشركات التابعة لها فى المرتبة الثانية فى الفترة نفسها حيث أسهمت بـ16% من حصيلة الضرائب على شركات الأموال، ونحو 6% من إجمالى حصيلة الضرائب و4% من إجمالى إيرادات الدولة. ومعنى هذا الكلام، ومن واقع بيانات الموازنة العامة للدولة أن هيئتى البترول وقناة السويس أسهمتا بنحو 70% من الضرائب على الشركات رغم أنهما هيئتان عامتان مملوكتان للدولة ولعموم الشعب المصرى. فأين مساهمة باقى الشركات؟

ويٌقصد بباقى الشركات جميع أنواع شركات الأموال الأخرى التى تعمل فى مختلف المجالات والأنشطة الصناعية والتجارية والسياحية والزراعية مثل شركات الأسمنت والحديد والسيراميك والملابس الجاهزة والبنوك والفنادق والطيران وغير ذلك من الأنشطة، وأيا ما كان شكل الملكية فيها سواء أكانت تابعة للمال العام أو الخاص أو الأجنبى ومهما كان حجم أعمالها. فنجد أن جملة ما ساهمت به الشركات فى الفترة (2008-2012) لا يتجاوز 30% من إجمالى حصيلة الضريبة على الشركات، ونحو 11% من إجمالى حصيلة الضرائب و7 % فقط من إجمالى إيرادات الدولة.

•••

إن الشركات جميعا المسجلة لدى الهيئة العامة للاستثمار التى تعمل فى جميع القطاعات، والتى فى واقع الحال تمثل ما نسميه نحن بالاقتصاد المصرى العامل فى مجالات الإنتاج والتوزيع السلعية والخدمية سواء أكانت تابعة للقطاع الخاص أو العام لا تسهم إلا بنحو 7% فقط من إجمالى إيرادات الدولة. وما الحديث عن مساهمة ضرائب الشركات بربع إيرادات الدولة إلا تعمية حسابية فحسب لأن أكثر من ثلثى هذا الإيراد «الضريبى» هو ريع خارجى تسلمه جهات حكومية ــ هى الهيئتان العامتان للبترول وقناة السويس ــ لجهة حكومية أخرى ــ هى وزارة الخزانة ــ تحت مسمى الضريبة.

وفى مقابل النسبة الزهيدة التى تؤديها الشركات كضرائب نجد أن الضرائب على دخول الأفراد أسهمت بنحو 9% من إجمالى إيراد الدولة فى الفترة نفسها (2008-2012)، والجزء الغالب من مموليها هم الموظفون والعمال بالقطاعين الخاص والعام ممن يدفعون الضرائب المباشرة على دخولهم بالخصم من المنبع فيما مثلت الضرائب غير المباشرة كضريبة المبيعات والجمارك نحو 46% من إجمالى الإيرادات الضريبية، ومعلوم بالطبع أن الضرائب غير المباشرة ضرائب استهلاك تتحملها القاعدة الواسعة من المواطنين من خلال التصرف فى دخولهم، ولا يكون فرضها على القدرة على الدفع بل على الاستهلاك، وبالتالى فهى أدوات ضريبية لا تحقق العدالة الاجتماعية من قريب أو بعيد بقدر ما تحقق للدولة حصيلة إيرادات.

•••

بحساب توزيع العبء الضريبى فى مصر يتضح أن الشركات تحملت 13.2% منه فى الفترة (2008-2012) بينما تحمل المواطنون العاملون 28.8% من سعر ضريبة إجمالى هو 47.9%، وهو ما يظهر بجلاء أن سياسات الدولة طالما انحازت لرأس المال على حساب عموم المواطنين من عمال وموظفين. وذلك خلافا لدول كثيرة يقع العبء الأكبر فيها على الشركات كالدانمارك مثلا التى تضطلع فيها الشركات بـ28% من العبء فى مواجهة 2.7% للعمال، ونيوزيلندا (32% للشركات مقابل 2.4% للعمال) وإسرائيل (27.7% للشركات و5.9% للعمال) وجنوب إفريقيا (24.2% للشركات و4.3% للعمال)، وكلها بلدان رأسمالية ناجحة فى اجتذاب رءوس الأموال، ويقوم اقتصادها بالأساس على نشاط القطاع الخاص فى إنتاج وتوزيع السلع والخدمات.

•••

إن مساهمة هيئتى البترول وقناة السويس بأكثر من ثلثى حصيلة ضرائب الشركات يعنى ببساطة أن الدولة إما عاجزة أو غير راغبة فى فرض وتحصيل الضرائب على شركات الأموال الخاصة، والتى تمثل القطاعات الأوسع فى الاقتصاد المصرى سواء فى الصناعة أو الزراعة أو التجارة أو السياحة أو غيرها من المجالات الإنتاجية. وهو ما يعيدنا إلى نقطة الصفر وهو أن أصحاب رأس المال الخاص لا يتحملون نصيبا يذكر من تمويل الأعباء الضريبية فى مصر. واليوم مطلوب من عموم المصريين بعد ثورة خرجت تطالب بالعدالة الاجتماعية أن يقبلوا باستمرار ذات السياسات التى ثاروا عليها، بل وأن يتحملوا هم وحدهم من خلال زيادة الضرائب غير المباشرة تمويل عجز الموازنة المتزايد.

رضا عيسى وعمرو عادلي محاسب ضريبى وناشط في مجال الحقوق الاقتصادية باحث في جامعة ستانفورد - مركز الديموقراطية والتنمية وحكم القانون
التعليقات