«آسيا الصغرى».. تتذكر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«آسيا الصغرى».. تتذكر

نشر فى : الثلاثاء 31 مارس 2015 - 10:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 31 مارس 2015 - 10:10 ص

المقصود بها ماجدة الصباحى، والاسم أطلق عليها تيمنا واحتراما، لها، ولسيدة الإنتاج الرفيع، آسيا، الرائدة، التى أغدقت عطاياها علينا، وعلى السينما المصرية.

ماجدة، بطولة «٥٨» فيلما، منها «٢٤» من إنتاجها، بعضها، أصبح من الكلاسيكيات التى لا تدخل فى دائرة النسيان، ومثل «أين عمرى»، «المراهقات»، «جميلة بوحريد»، «الجريمة والقطاب»، «النداهة»، «أنف وثلاث عيون».. هذا على سبيل المثال لا الحصر.. وها هى، تملى مذكراتها، فى «٣٠٠» صفحة من القطع الكبير، على الصحفى المجتهد، السيد الحرانى، الذى حاول، بإخلاص، رصد تفاصيل وقائع، وإبراز قيم ومبادئ النجمة التى صنعت مجدها، بجلدها وإرادتها، وتمكنت فى مشوارها الطويل، من النهوض بعد تعثر، وواجهت المشكلات، بروح لا تعرف اليأس، وآمنت بفنها، أحبته واحترمته، حتى إنها، الوحيدة ــ فى حدود علمى، التى رفضت، رفضا باتا، بيع «نيجاتيف» أفلامها، فى الوقت الذى استجابت فيه شركات الإنتاج، بحماس، إلى إغراء مؤسسات ترمى إلى شراء التراث السينمائى.

تعلمت ماجدة، بعقلها اليقظ، كيف تحمى نفسها، فنيا وأخلاقيا وماليا.. اختياراتها لموضوعات وقصص أفلامها، تعتمد على ذائقة أدبية تنم عن معرفة بالروايات العالمية، والمصرية، فهى مأخودة بشارلوت برونتى، صاحبة «جين اير» التى حولتها إلى «هذا الرجل أحبه»، ودوستويفسكى، مؤلف «الجريمة والعقاب»، وإلى جانب إحسان عبدالقدوس، ثمة يوسف إدريس، الذى قدمت له «النداهة»، وكان من آمالها، أن تحقق له «نظرة يا ست».

طوال حياتها، حافظت ماجدة على سمعتها، شأنها شأن الكثير من زميلاتها، لكن أن يطول حديثها عن أخلاقها الحميدة، خاصة بشأن رفضها المطلق لأى شبهة قبلة على الشاشة، فإن الكلام يبدو ماسخا، يصل لحد الإزعاج حين يكتب محرر مذكراتها «أنا استطيع أن أقول بأعلى صوتى انى قديسة فى هذا الوسط الفنى» وتواصل «لو كنا نعيش فى عصر الأنبياء لكنت إحدى النساء الصالحات أو القديسات».. معقول! أهذا كلام يا «السيد الحرانى»؟

يحسب لماجدة، إحساسها الإنسانى المشرق بزملائها: فريد الأطرش، كان زميلا شهما وإنسانا انطوائيا ولطيفا وطيب القلب.. عبدالحليم حافظ، لديه القدرة بما أوتى من سياسة وذكاء على أن يجعل الآخرين يشعرون، كل على حدة، بأنه صديق لهم، والأهم من ذلك أنه كان صادقا إلى أقصى درجة فى أدائه التمثيلى والغنائى.

بينما تعود ماجدة، بين الحين والحين، لحديثها الدافئ عن المشاركين لها، فإنها تفرد فقرات عن المخرجين، خاصة يوسف شاهين، حيث كانت الخلافات بينهما تندلع بانتظام، تصل إلى مواقف طريفة، كأن يتحاشى كلاهما الحديث مع الآخر، فإذا أراد يوسف توجيه ماجدة ــ أثناء تنفيذ «جميلة» ــ يقول لمساعده، على رضا «قول للآنسة تذهب فى هذا الاتجاه وتقف».. وسريعا ترد «قول للأستاذ هى ليها طريقتها».

جذر المشكلات بينهما، والذى أدى إلى تعاطى ماجدة المهدئات، طوال عملها مع شاهين، يكمن فى اختلاف الأساليب. ماجدة، من مدرسة وجه النجم هو الأهم، لابد أن تسطع الإضاءة عليه، وأن يكون فى مقدمة الصورة، بينما يوسف شاهين يرى أن حيوية الحركة، داخل المشهد هى الأهم.. إنه يفكر فى عمق المجال، وهى تؤمن أن الوجه، بتفاصيل ملامحه، يستحق أن يكون هو الأساس، إن لم يكن الألف والياء.

لو أن ماجدة، ومعها الصحفى «الحرانى»، التفتا إلى هذه المسألة، لجاء حديثها، عن المخرج الكبير، أقل قسوة، مما هو عليه فى المذكرات.

ربما كانت الخلافات بين ماجدة وشاهين، من الدوافع التى أدت إلى إقدام نجمتنا على تجربة الإخراج، فى «من أحب»، المأخوذ عن رواية أو فيلم «ذهب مع الريح».. وبرغم أن «من أحب»، المرتبك، العشوائى، لم يحقق نجاحا يذكر، فإن المذكرات تزعم أنه «لقى نجاحا استطاع من خلاله أن يبث الطمأنينة إلى قلبى».

ماجدة، صقلتها الأيام، وبقوة ملاحظتها، شهدت ما يعانيه بعض الفنانين، فى أواخر حياتهم، من متاعب صحية تدفعهم إلى مطالبة الدولة بتحمل نفقات علاجهم.. وأدركت، بوعيها، أن الإنسان يجب الاحتياط من تلك الأيام، وبالتالى، عملت على تأمين مستقبلها ــ متعها الله بالصحة وطول العمر ــ فاستطاعت، بجديتها، أن تقيم مجمعا مرموقا فى مدينة ٦ أكتوبر، وألا تبدد ثروتها الفنية، وثروة الوطن أيضا، متمثلة فى أفلامها الجميلة، التى سيكتب لها.. طول البقاء.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات