معضلتان رئيسيتان فى الحوار الوطنى - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معضلتان رئيسيتان فى الحوار الوطنى

نشر فى : الثلاثاء 31 مايو 2011 - 9:36 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 31 مايو 2011 - 9:36 ص

 تابعت كما تابع غيرى المحاولة الثانية لإجراء الحوار الوطنى والتى تعثرت بسبب الخلافات والاشتباكات التى اندلعت خلاله حول التنظيم وأسماء المشاركين مما طغى على موضوعه، كما تابعت تكرار ذات الأمر ــ وإن كان بدرجة أقل ــ فى جلسات الوفاق الوطنى. ومع تقديرى لما عبر عنه الكثير من المعلقين مما يرجع إلى سوء التنظيم أو الخلاف على أسماء المشاركين، إلا أننى أظن أن الأمر يتجاوز ذلك ويتعلق أيضا بعدم توافر الظروف الملائمة والفهم المشترك لفكرة الحوار وللمطلوب منه. لذلك فمهما تغير اسم النشاط أو القائمين عليه أو شكله التنظيمى أو حتى المدعوين لحضوره، فإن فكرة الحوار ذاتها لن تكون ممكنة ما لم نتعامل بحكمة مع قضيتين رئيسيتين.

القضية الأولى: أن مصر تمر بمرحلة انتقالية فريدة من نوعها، أحد سماتها الرئيسية عدم استقرار أوضاع التنظيمات المدنية التى تعبر عن قوى المجتمع وعدم اكتمال بنائها فى أعقاب الثورة. فالمجتمع الإنسانى لا يتكون من أفراد بذواتهم وإنما يتكون أيضا من تكتلات وتجمعات ومنظمات سياسية واجتماعية هى التى تقوم بالتعبير عن آراء وطموحات فئات المجتمع وجماعاته المختلفة. وهذا هو الدور الذى تقوم به فى الوضع الطبيعى الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية والجمعيات الأهلية والاتحادات الطلابية وسائر مؤسسات المجتمع.

وجود هذه المؤسسات ومشروعيتها هو ما يسمح بإجراء حوار وطنى لأنه يكون عندئذ حوارا ليس بين مجموعة من الأفراد ــ مهما كانت قيمة كل منهم الشخصية ــ وإنما بين ممثلين للقوى الاجتماعية والفكرية والسياسية التى تعبر عن كافة فئات وطوائف وطبقات المجتمع. ولكن الوضع الانتقالى الذى نمر به ــ لأسباب مفهومة ومبررة تماما ــ يعانى من غياب أو ضعف هذه المؤسسات، خاصة أن القديم منها الذى كان موجودا قبل الثورة يعيد صياغة دوره بينما الجديد الذى نشأ بعدها لا يزال فى طور التكوين والمخاض. الأحزاب المعارضة القديمة تمر بمرحلة إعادة تعريف للذات وتأقلم مع عالم جديد والأحزاب الجديدة لا تزال تستكمل أوراق تكوينها وتكتب برامجها. والنقابات المهنية فى مرحلة انتقالية ومجالسها لن تكتسب شرعية كاملة لحين إجراء انتخابات جديدة. والنقابات العمالية الرسمية فى مرحلة مشابهة، بينما النقابات الجديدة المستقلة لم يكتمل شكلها القانونى بعد.

اتحادات الطلاب كلها تنتمى إلى عصر ولى ولن يحل محلها اتحادات جديدة إلا فى العام الدراسى القادم. جمعيات رجال الأعمال خفت صوتها واختفت من على السطح ربما فى انتظار استجلاء المستقبل وما يخبئه لها. أحزاب وجماعات قليلة التى تمثل قوى محددة فى المجتمع وهى فى مرحلة التحول إلى العمل الحزبى الرسمى. هذه ليست مشكلة فى حد ذاتها لأنها من طبيعة المرحلة الانتقالية التى نمر بها وسوف تزول تدريجيا كلما جرت انتخابات جديدة فى النقابات والاتحادات والأحزاب. ولكن إلى حين تحقق ذلك فإن الحوار الوطنى سوف يظل يعتمد على اختيارات لأشخاص بعينهم بكل ما يحمله ذلك من عيوب. ولا مخرج من هذا الوضع سوى أن نهتم جميعا باستكمال بناء الأحزاب وإجراء الانتخابات اللازمة فى النقابات والجمعيات والاتحادات بمثل اهتمامنا بالانتخابات البرلمانية والرئاسية. فبناء الديمقراطية لن يكون فى المجلس التشريعى وحده، وإنما فى كل اتحاد وكل نقابة وكل حزب.

أما القضية الثانية فتتعلق بالغرض من الحوار نفسه. فنحن لا نزال أمام فكرة أن الحوار سوف يمكن القوى السياسية المختلفة من الجلوس فى قاعة واحدة، وعرض وجهات النظر المتباينة وصولا إلى اتفاق أو إجماع ما على الحلول المطلوبة فى هذه المرحلة الانتقالية. هذا فى تقديرى تصور غير ملائم للحوار المطلوب فى مصر الآن والذى يجب أن يكون هدفه الرئيسى إيجاد المناخ الذى يسمح باستمرار الاختلافات فى الحياة السياسية وطرحها وفهمها بشكل واع، وبالتالى يسمح باستمرار التعاون فى تجاوز العقبات والأزمات التى تعترض التحول الديمقراطى. بمعنى آخر فإن الغرض من الحوار لا يجب أن يكون التوصل لاتفاق بل احترام التعدد والتباين فى الآراء واستمرار وجود قنوات مفتوحة بين التيارات السياسية لأن هذا هو ما يجهض العنف والتخوين والتكفير. ولكن ما أراه هو أن محاولات الحوار تبدأ من فرضية أن الهدف هو الوصول إلى نتائج ومقررات وإتفاق على قضايا رئيسية، بينما الإجماع غير مطلوب وغير ممكن.

لنفكر فى الحوار على أنه وسيلة لاحترام الخلاف ولاستمرار الحديث الصحى بين التيارات والقوى السياسية المختلفة ولتجربة الأفكار والطروحات إلى أن يحين وقت صناديق الاقتراع وتحل آليات ديمقراطية كاملة محل الوضع الانتقالى الذى نجتازه وبالتالى يقرر المجتمع مواقفه واختياراته بناء على رأى الأغلبية وليس بناء على إجماع النخبة. اقتراحى إذن أن يتم إعادة توجيه دفة الحوار الوطنى ــ إذا كان له أن يستمر أصلا ــ بحيث يكون الهدف منه هو طرح المشاكل وطرح الرؤى المختلفة وتوفير الأرضية التى تسمح بالتشاور والتعاون ولكن دون السعى لتحقيق اتفاق أو إجماع أو حتى لحسم القضايا التى يتناولها. والاكتفاء بإنشاء قنوات للحوار فى هذه اللحظة التى تتكون فيها مؤسسات الدولة المدنية ليس بالأمر اليسير أو القليل، بل إن تحقيقه يمكن أن يساهم فى تقدم الوطن أكثر بكثير من الإصرار على الخروج بإجماع أو اتفاق غير حقيقى.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.