العلمانية... دولة الإمارات نموذجا - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلمانية... دولة الإمارات نموذجا

نشر فى : الخميس 31 أغسطس 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : الخميس 31 أغسطس 2017 - 9:20 م
خلال مقابلة تليفزيونية مع الإعلامى الشهير تشارلى روز أعطى السفير الإماراتى لدى واشنطن يوسف العتيبة تبريرا مخالفا لتوقعات الكثيرين حول أصل الخلاف بين بلاده وحلفائها، السعودية والبحرين ومصر من جانب وبين قطر من جانب آخر. وقال العتيبة بالنص إن «الأزمة الخليجية هى بالأساس أزمة رؤية متناقضة بيننا وبين قطر تجاه مستقبل الشرق الأوسط»، وأضاف العتيبة «نحن نريد شرقا أوسطيا أكثر علمانية وأكثر استقرارا ورخاء، عن طريق حكومات قوية». إلا أن نظرة سريعة وسطحية على سجل دولتى الإمارات والسعودية تحديدا كفيل بأن يكشف بان ما قاله العتيبة لمحدثيه من الأمريكيين ليس دقيقا، فلا السعودية دولة علمانية ولا تعرف الإمارات عن العلمانية شيئا.
وبعيدا عن معضلات التعريفات الأكاديمية واللغوية والفلسفية، فإن أهم أعمدة العلمانية كما تمارسها وتتبناها العديد من المجتمعات ترتكز على قاعدة الفصل بين الدين والدولة من ناحية وبين مساواة الدولة بين جميع المواطنين والمقيمين بغض النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم.
من ناحيتها تعد السعودية دولة إسلامية مكتملة الأركان، فالتشريعات والنظام القضائى تقتبس معاييرها وأحكامه من المذهب الحنبلى المتشدد. ولا تعرف السعودية دستورا كغيرها من دول العالم بل يعد القرآن الكريم والأحاديث النبوية وسنة الرسول محمد بمثابة الدستور. ولا يخفى ملوك السعودية عشقهم وولعهم بألقاب تصبغ عليهم صفات دينية، فالملك هو خادم الحرمين الشريفين فى إشارة لمكة والمدينة. من هنا لم يكن بمفاجأة خروج ردود أفعال سعودية إعلامية واجتماعية شبه رسمية تندد بما ذهب إليه العتيبة من اجتهاد يعكس فهمه المحدود لتعقيدات المجتمعات التقليدية التى خرج هو منها. وعلى سبيل المثال قامت الأميرة فهدة بنت سعود بن عبدالعزير بكتابة تعليقات شديدة اللهجة ردا على العتيبة. وخرج هاشتاج يقول «يا عتيبة كله إلا ديننا» ليعبر عن غضب ملايين الخليجيين من اجتهاد العتيبة. وغفل عن العتيبة حقيقة أن العلمانية فى المجتمعات الإسلامية المحافظة تستخدم للإشارة إلى ما هو ضد الدين بالأساس، وذلك بغض النظر عن صدقية هذا المقولة أو كذبها.
وعلى الرغم من وعود ولى العهد السعودى محمد بن سلمان بتحويل شواطئ بلاده المطلة على البحر الأحمر إلى منتجعات سياحية عالمية ضمن رؤيته المسماة 2030 ويُسمح فيها بارتداء ملابس البحر المستخدمة فى أغلب دول العالم، إلا أن هذه الأفكار لا تقترب من قضايا اجتماعية هيكلية مثل حق المرأة السعودية فى قيادة السيارة، أو أن يُسمح للعائلات السعودية بدخول مثل تلك المنتجعات السياحية. وتتناول رؤية ولى العهد صغير السن انفتاحا اقتصاديا ماديا يتضمن بناء ناطحات سحاب والسماح بمعاملات اقتصادية منفتحة، فى حين لا يقترب هذا التصور المستقبلى من بعيد أو قريب من شئون الحكم والسياسة وحريات الشعوب وحقوقهم.
***
على الرغم من اختلاف دولة الإمارات عن السعودية من حيث مظاهر الانفتاح المادى والاجتماعى، إلا أن الإسلام يبقى دينا رسميا للدولة، ويُحرم تغيير العقيدة أو اختيار البقاء دون عقيدة سماوية وتُجرم الإمارات أى دعوات تبشيرية داخل أراضيها. وعلى العكس مما يبدو وكأنه تقدم فى الإمارات، فنظام الحكم لا يتسامح مع امور مثل حقوق الإنسان أو حرية التعبير أو حرية التجمع. ولا يستطيع المواطن الإماراتى أن يختار حكامه من خلال انتخابات حرة، ولا يستطيع الإماراتى التعبير بحرية عن آرائه السياسية. وهذا ليس بغريب عن دولة جرمت مع بداية الأزمة الخليجية إظهار أى تعاطف مع الجانب الآخر فى الأزمة من خلال وسائل التواصل الاجتماعية مثل فيس بوك أو تويتر، وتعهد النائب العام الإماراتى السيد حمد سيف الشمسى بسجن أى متعاطف مع قطر لمدة تصل إلى 15 عاما سواء من مواطنى الإمارات أو ملايين المقيمين فيها. 
ويختار العتيبة أن يتجاهل حقيقة نتائج تحقيقات لجان الكونجرس بخصوص أكبر حوادث الإرهاب فى العالم (أحداث 11 سبتمبر 2001)، والتى نتج عن تحقيقاتها اقتناع الدوائر البحثية والفكرية بأن غياب الديمقراطية ووجود الاستبداد ودعم واشنطن لهذه النظم سبب مهم يسهل منها خروج إرهابيين. وربطت تحقيقات الكونجرس بين الهجمات الإرهابية والأفكار الوهابية المتشددة. وعلى العكس مما يعتقد العتيبة، تؤمن واشنطن أن مجتمعات الاستبداد والديكتاتورية سمحت لتخريج أجيال من المتطرفين بمن فيهم من مرتكبى جرائم 11 سبتمبر، ونؤمن كذلك أن لا سبيل للاستقرار من خلال الاستبداد والقمع.
***
خلال زيارته للقاهرة عام 2011 دافع الرئيس التركى رجب أردوجان عن علمانية الدولة وقال إنها لا تعنى دولة اللا دين، وأن العلمانية الحديثة لا تتعارض مع الدين، ونصح كتاب الدستور المصرى حينذاك بالحرص على ضمان وقوف الدولة المصرية على مسافة متساوية من جميع الأديان والفئات. وقال أردوجان «إذا بدأت الدولة بهذا الشكل فإن المجتمع كله سيجد الأمان، المسلمون والمسيحيون وغيرهما من أديان أخرى واللا دينيون، فحتى الذى لا يؤمن بالدين يجب على الدولة أن تحترمه، إذا تم وضع تلك الضمانات فهذه هى الدولة العلمانية»، وقامت القيامة ضد الرئيس التركى على دعوته مصر الجديدة لتبنى العلمانية نهجا لضمان حياد الدولة وعدم تسلطها أو استغلالها لدين ما أو استغلال رجال الدين للدولة ذاتها. ورغم ما يبدو من انحراف تركيا وأردوجان نفسه عن القيم الديمقراطية المتعارف عليها، فقد كانت كلمات أصابت الحقيقة التى لا يجرؤ الحكام العرب الدعوة إليها أو حتى الادعاء بتبنيها. 
ويبدو أن دعوة العتيبة للعلمانية قُصد بها التزام بلاده وحليفتها السعودية بعلمانية جديدة من نوع خاص، علمانية لا تسمح بقيام أحزاب سياسية ولا جمعيات أهلية. علمانية لا تعرف الانتخابات الدورية الحرة والعادلة، علمانية يُستغل فيها رجال الدين للترويج لكل ما يريده حكام القصور إلا ما يتعلق بحقوق وحريات شعوبهم.

 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات