تزكية الإقليم - 3 - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تزكية الإقليم - 3

نشر فى : الجمعة 31 أكتوبر 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 31 أكتوبر 2014 - 10:02 ص

(1)

تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن تزكية الشعب وتحويله لأمة راغبة فى الحياة الكريمة، واليوم نتابع كيف يتطهر الإقليم ــ الأرض المسكونة ــ ويتزكى ويصبح ملائما للشعب.

فالإقليم أرض يابسة تتعدد أنواعها بين سهول وصحراء وجبال، وبهذه الطريقة يزكى ذاته ويساهم فى تزكية سكانه وذلك بتنوع المنفعة ولا يتقوقع فى حقل معين، بل يقدم إمكانيات متنوعة تتناسب مع القدرات المتنوعة للأفراد، فسكان الإقليم يكتشفون قدراتهم التى وهبها الله لهم، فيختارون المهن والحرف والصناعات التى يستطيعون التميز فيها والتى يحققون ذاتهم فى الاشتغال، بها فها هى الأرض ذات أنواع مختلفة تنادى سكانها «افتحوا الأبواب لإبداعكم ودعوكم من الكسل والقُعاد»

أين الزارعون؟ أين المنقبون عما فى باطن الأرض؟ أين الباحثون الذين يطورون ما خرج من الأرض ويحولونه إلى مواد أولية تساهم فى الإعمار والتحضر؟ أين الذين يتقنون خدمة البشر (تعليما وصحة) أين الباحثون عن الطاقة؟ الطاقة من الأرض؟ أم من المياه؟ أم من الشمس والرياح؟! إن نظام التعليم الذى لا يُخرج كل هؤلاء لا قيمة له.

(2)

الإقليم الزكى يكشف لسكانه ما فيه من مميزات وإمكانات؟ ويستطيع سكانه التعرف عليه أكثر مما تعرف «جمال حمدان» على «عبقرية مصر»، فجمال حمدان ــ رحمه الله ــ تعرف على الأرض معرفة الجغرافى الراشد من خلال جهده الفردى، وفى حدود ما أُتيح له من مراجع فى أثناء اعتزاله الحياة الجامعية، بل والعامة فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، حيث الانغلاق المضروب على مصر وقتها وحيث الفقر فى وسائل الاتصال ومحدودية «الإمكانات المعرفية» ورغم كل ذلك، اكتشف جمال حمدان عبقرية كل «سم» فى الأرض المصرية وأشار إلى عديد الاستخدامات المتاحة ولكن أين الفهم والفقه؟ إذا لم نفهم ونعمل فلا مكان فى الدنيا.

ولكننا ــ كما يقول المثل الشعبى المصرى ــ لا حس ولا خبر ــ عشوائية فى اختيار المهن والحرف غير النافعة، فالفقر والعوز يحيط بأكثر من 60% من الناس، وسوء التغذية وخدمات صحية عزيزة على أكثر من 80% من الناس لماذا هذا الفقر والعوز والمرض وتعدادنا قارب الـ100 مليون، وأرضنا تضم الكثير من خزائن السماوات والأرض.. لأن الإقليم قد تزكى ولكن الناس لا يزكون أنفسهم، بل يتعلقون بأوهام وأحلام صنعتها ضلالات الإنس فقادوا الشعب للفقر المدقع هل تكون الزيادة السكانية نعمة فى بلاد قليلة الموارد مثل الصين، وتصبح الزيادة نقمة فى مِصرنا. لماذا لا تفتح أبواب العمل للناس؟

(3)

المسئولون عن تزكية الإقليم وإعماره هم «النُخب المتنفذة» التى تملأ الدنيا صياحا لا يأت بخير، سواء تلك النخب المتصدرة فى المدارس أو فى الجامعات أو هؤلاء الذين تزاحموا فى النقابات لا يهتمون بشىء من تخصصهم العملى وراحوا يتفرغون لمنافعهم الخاصة وحظوظهم الذاتية، أم هؤلاء الذين يمارسون الوعظ والإرشاد دون دراية من أين يبدأ الناس عملهم، وإلى أين يتجه الناس فى طلب معاشهم، وعن هؤلاء المنتقدين فى الإعلام العام والخاص وقد توافقوا على تحويل النوافذ الإعلامية إلى خواء يستهلك إعمار الناس وقوتهم، ويحرم الوطن من جهودهم ما داموا ينالون الملايين من الجنيهات.

(4)

هؤلاء النُخب مسئولون بالدرجة الأولى عن التخلف الذى يعانيه الإقليم سواء من عدم الإنتاج واستخراج الخيرات، أو بسبب تكدس المواطنين فى 6% من مساحة الإقليم وهجر الباقى هجرا غريبا لا مبرر له إلا جهل المسؤلين وحقدهم على الشعب وميلهم الشديد إلى عدم الإبداع، وعدم العناية بحقوق أهليهم المواطنين وما ينبغى لهم من سكن مريح وطرق واسعة، وقرب مقبول من أماكن العمل حتى لا يفقد المواطن ربع عمره فى المواصلات.

(5)

إن كثيرا من المشاكل والأعباء الملقاة على عاتق الدولة يرجع إلى هجر الإقليم وتكدس الناس فى مساحات ضيقة مما انعكس على سلوكياتهم بالضيق وتحولوا جميعا إلى «كتل قلقة» يقلق بعضهم بعضا فلا راحة بين الأقارب، ولا آداب بين الجيران ولا علم ولا خبرة بين المتصدرين للعمل العام، وكل هذا القلق ينصب فى علاقة شد وجذب وصراع لا مبرر له وها هو نداء مواطن للجميع أسرعوا بإعادة النظر فى تخفيف كثافة السكان ليتلاشى الصراع.. ونتقدم نحو الخلاص من همومنا.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات