يانى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يانى

نشر فى : السبت 31 أكتوبر 2015 - 1:50 ص | آخر تحديث : السبت 31 أكتوبر 2015 - 1:50 ص

«عالم واحد، شعب واحد»، هذا ما رآه، وآمن به، اليونانى الأصل، سليل هوميروس وسوفكليس، يانى كريسماليس، الذى تحولت عنده هذه المقولة، إلى جزء من كيانه، تسرى مع الدم فى عروفه، تحدد مساراته، اختياراته، تصرفاته، وهى التى جعلت موهبته تتجلى إلى آخر مدى، وبالتالى، أصبح متمتعا بجماهيرية واسعة، وحقق نجاحا هائلا، فى أصقاع المعمورة، وفى كل بلد يحل فيه، مع فرقته الكبيرة، ليقدم عروضه الموسيقية الخلابة، بمصاحبة الرقص والصور الخلفية والإضاءة.

«يانى»، المولود فى مدينة «كالا ماتا» عام ١٩٥٤، متمتعا ببنيان رياضى، فضلا عن قوة إرادة، مما جعله يغدو بطلا فى السباحة.. ذهب إلى أمريكا فى العام ١٩٧٢ لدراسة علم النفس، بجامعة مينسوتا، وسريعا، عقب تخرجه، سكنته الموسيقى، ومنحها ذاته كاملة.. وبرغم أنه لا يعرف قراءة النوتة الموسيقية، فإنه، بالتجربة، والمران، والمغامرات الفنية البناءة، اكتشف إمكانات واسعة لآلتى البيانو والأورج، ليستخرج منهما أصواتا جديدة.. لاحقا، أدرك السحر الخاص للآلات الموسيقية: رقة الكمان، صخب الساكسفون، الطاقة الحالمة للفلوت، والمرحة للإكسليفون. حماسة الترومبت، والمجال الواسع للطبول، فأخذ يستخدمها جميعا، ثم أخذ الصوت البشرى يتسلل إلى عروضه الأخاذة، لتغدو الأغانى، ذات المعانى الإنسانية، جزءا من فقراته.

«يانى»، صاحب جسد رياضى نحيل، ووجه متسق الملامح، ينطق بالانفعالات المتباينة، ينطق بالبهجة والإشراق، ويعبر أحيانا عن الجدية والصرامة، منتقلا إلى الرومانسية الحالمة، وإلى الواقعية التى لا تخلو من شاعرية. ملامح وجهه فى هذا تتماشى مع حركة جسده اللينة، المندمجة مع الموسيقى.. لذا، دخل الرقص التعبيرى فى فنه الذى يجمع بين أنغام الآلات الموسيقية، وحركة الجسم البشرى.

بالتجربة، والتطور، اكتشف «يانى» قوة تأثير الإضاءة، والشاشة الخلفية، فأدخلهما فى فنه، لتصبح الموسيقى مرئية وليست مسموعة فقط.. فمثلا، فى استعراض «أيامنا» تطالعنا النيران على الشاشة الخلفية، وبينما يرتفع لهيبها تقدم شابة رقصة تبدو معها وكأنها تتعرض للهيب، تنتفض ممدة على خشبة المسرح.. لكنها تقاوم، وتنهض، متحدية آلامها، تساعدها الألحان على الصمود.

تحقيقا لمقولة «عالم واحد، شعب واحد»، ومع انتقال «يانى» من مكان لمكان، تفتحت عيونه وآذانه على الآلات الموسيقية للشعوب، فأخذ منها ليدمجها فى موسيقاه، ليؤكد وحدة الكون، ويثبت أن الألوان المختلفة، تتناغم ولا تتنافر.. على سبيل المثال، أخذ من نيجيريا، طبلة «التام تام»، وهى على شكل الساعة الرملية، مزينة بالمسابح ذات الحبات الملونة، تضرب بعصاة معقوفة، بإيقاعات تختلف باختلاف المناسبات السعيدة، مثل الأعياد والزفاف، والمحزنة مثل الجنازات والخطوب، ومن الشعب الأرمنى، أخذ مزمار «الدودوك» الطويل، بصوته الحنون، المبلل بالأسى.

إلى جانب تنوع الآلات، وتناغمها، عند «يانى»، ستلحظ ذلك التنوع البشرى فى فرقته، فثمة سوداء بدينة، قوية الصوت، تصدح بأغنية بالغة الرقة، إلى جانب فتاة صينية، أو كورية، أو يابانية، تغدو مع عزفها المنفرد على الكمان، وكأنها، بجسمها وآلتها، كائن واحد.. هنا، مرة أخرى، نرى الموسيقى ولا نسمعها فقط، وحين تنتقل الكاميرا إلى «يانى»، بأصابعه الطويلة، وتوحده مع العازفة المتمكنة، يمنح المشهد عمقا فى التأثير.

فرقة «يانى»، إلى جانب ألبوماتها الخاصة، عزفت مقطوعات لآخرين، منها موسيقى فيلم «الأب الروحى» الذى أخرجه كوبولا، بعدة أجزاء، فى السبعينيات.. واضع الموسيقى هو الإيطالى الموهوب، نينو روتا، وتعمد فيها إلى ما يمكن تسميته بـ«تبريد الشاشة»، خاصة فى المقدمة، مع ظهور العناوين.. الفيلم دموى، مثير، بنزعة وحشية، لكن «نينو»، جعل الموسيقى تنساب فى هدوء، فيها من الحنين والندم والتوجس الشىء الكثير.. وحين عزفتها فرقة «يانى»، بدت أكثر رقة، كأنها آتية من عالم آخر، أو ترنو للأيام الخوالى، فى الموطن الأول لأبطال الفيلم، أو لكل من ترك بلاده.. هنا، يستخدم «يانى» الأصوات البشرية، لكورال يبطن الموسيقى بحضور إنسانى.

فى كل بلد زاره «يانى» يقدم مقطوعة من هذا البلد، وثانية له.. وها قد جاء دورنا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات