رحلة مدرسية للبيت الأبيض - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رحلة مدرسية للبيت الأبيض

نشر فى : الخميس 31 ديسمبر 2015 - 10:20 م | آخر تحديث : الخميس 31 ديسمبر 2015 - 10:20 م
نظمت مدرسة ابنى (يبلغ من العمر ست سنوات) الواقعة فى ضواحى العاصمة الأمريكية، رحله مدرسية اختيارية ومجانية إلى البيت الأبيض، مقر الحكم الرئيسى فى الولايات المتحدة، ومقر سكن وعمل الرئيس والعائلة الأمريكية الأولى. ونظرا لصغر سن التلاميذ، تواصلت إدارة المدرسة مع الأهالى ليبلغوهم بإمكانية اصطحاب كل تلميذ شخصين معه فى هذه الرحلة، من هنا قررت الذهاب مع ابنى، ونظرا لانشغال زوجتى، فقد اصطحبنا كذلك الابن الأصغر معنا (يبلغ من العمر أربع سنوات).
ذهبنا فى الموعد المحدد، وكان هناك طابور طويل به ما يزيد عن مائه شخص، ووقفنا نحن الأهالى مع المدرسين مع التلاميذ نتبادل الآراء فى معنى فتح البيت الأبيض لتلاميذ فى هذه المرحلة السنية المبكرة. وتحدثنا عن البيت الأبيض وتاريخه وأهميته، وكانت مفاجأة سارة لأولادى أن والدهم هو الوحيد من بين الأهالى الذى سبق له دخول البيت الأبيض عدة مرات (مناسبات صحيفة). لم نتجول فى كل أرجاء البيت الأبيض، ولم نصعد للدور الثانى الذى يسكنه الرئيس أوباما وعائلته، ولم ندخل لمكاتب كبار العاملين بالبيت الأبيض، ولا للمكتب البيضاوى الخاص بالرئيس الأمريكى، اقتصرت الزيارة على ما يقرب من رُبع البيت الذى يضم عددا من أهم وأكبر الغرف، والصالات التى تم إعدادها وتزيينها بمناسبة أعياد الكريسماس والعام الجديد.
***
عندما اقتربنا من بوابة الفحص الأمنى، انقسمنا لفريقين أحدهما للمواطنين الأمريكيين، والآخر لغير الأمريكيين، ولم تستغرق إجراءات التفتيش إلا دقائق قليلة. ولم تشمل إجراءات التفتيش إلا المرور من خلال بوابة إلكترونية كتلك الموجودة فى مطارات العالم، ولم يسحب منا الهواتف النقالة، وبعد دقائق كان الجميع من أمريكيين وغير أمريكيين داخل حديقة البيت الأبيض الجنوبية. تحركنا منفردين بعد ذلك، كل شخص يحاول أن يضبط سلوك أولاده وسط ازدياد ارتفاع الأصوات، وصراخ البعض خلال لعبهم وجريهم بين طرقات وغرف البيت الأبيض. تواجد عدد محدود من رجال الأمن فى الداخل، إلا أنهم لم يقوموا إلا بأخذ الصور لنا والتصوير مع الأطفال فى جو مبهج للجميع. تنتشر على جدران غرف البيت الكبيرة صور مرسومة بالزيت لأغلب رؤساء الولايات المتحدة بدون تفرقة بين رئيس جمهورى وديمقراطى، ولا بدون تفرقة بين من بقى فى الحكم لأربع سنوات أو من بقى لثمانى سنوات. ويعد البيت الأبيض تحفة معمارية رائعة، وهو من بين أقدم مجموعة من المبانى الحكومية فى واشنطن. وعمل وسكن فيه جميع رؤساء الولايات المتحدة باستثناء الرئيس الأول جورج واشنطن حيث تم الانتهاء من بنائه عام 1792 بعد انتهاء حكمه، وبلغت تكلفة البناء حينذاك نحو 232 ألف دولار، ويبلغ سعر البيت الأبيض اليوم طبقا لخبراء العقارات ما يقترب من 110 ملايين دولار.
***
تهدف الرحلات المدرسية لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وما قبلها، تعريف الأطفال بقيم مهمة تبقى معهم بقية حياتهم. ولا تقتصر هذه الرحلات فى الولايات المتحدة فقط على المؤسسات السياسية مثل البيت الأبيض والكونجرس والمحكمة الدستورية العليا أو الوزارات المختلفة، بل تمتد لتشمل رحلات تساهم فى بناء قيم جميلة متنوعة يتعلق بعضها بالحفاظ على البيئة، وإظهار الاختلاف بين الأقاليم الأمريكية، إلى التعرف على الحياة خارج المدن. من بين الرحلات التى اصطحبنى فيها أولادى الصغار معهم، مرافقا، رحلات لمناطق خضراء ومزارع متخصصة، ويتم تعريف التلاميذ عن قرب على حياة الفلاحين وحيواناتهم، ومحاصيلهم ومعداتهم التقليدية والحديثة التى يستخدمونها. ويقضى التلميذ يوما كاملا يساعد الفلاحين فى أعمالهم بما فيها رعاية حيواناتهم. وفى رحلة أخرى ذهبنا لمزرعة فراولة، وقضى التلاميذ ساعات يجمعون ثمار الفراولة، وقرر مالك المزرعة السماح لكل تلميذ يأخذ جزءا مما جمعه لنفسه، وبالطبع كانت سعادة التلاميذ غامرة أن يعودوا لبيوتهم حاملين كمية من الفراولة جمعوها بأبيديهم.

***

تُعد «مرحلة الطفولة» أهم مراحل غرس المفاهيم والقيم، خاصة ما يتعلق بعلاقة المواطن بمؤسسات الحكم، وعلاقة الشخص بالطبيعة والبيئة من حولنا، إذ إن ترسيخها فى هذه المرحلة المهمة يجعل منها عنصرا مكونا فى توجيهه وبناء شخصيته، على اعتبار أن الفرد يكتسب قيم الولاء الوطنى منذ نشأته البيئية ومجتمعه بأكمله، حتى يشعر بأنه جزء من كل، وكذلك لكى ينشأ منذ مراحل عمره الأولى على ثوابت لا تعرف الخوف أو الرهبة أو وجود فجوات بينه كمواطن وبين أهم المؤسسات ورموز الحكم فى الدولة التى ينشأ بها. من هنا لا يخشى التلميذ صغيرا، والمواطن كبيرا، البيت الأبيض أو الكونجرس ومكاتب أعضائه.
إفساح مؤسسات الحكم أمام المواطنين صغارا وكبارا يعكس قيما مهمة وتخلق علاقات صحية بين الطرفين لا يصبح معها أى طرف خاسرا لا فى المدى القصير ولا المدى الطويل.
***
كم من تلاميذ مدارسنا سنحت له فرصة دخول قصر القبة أو قصر الاتحادية، كم منهم تم تعريفه منذ الصغر أن من يشغلون هذه القصور ما هم إلا خدام له ولبقية التلاميذ وكل المصريين. متى يسمح للتلميذ والمواطن حق دخول البرلمان المصرى متجولا متعرفا كيف تعمل هذه المؤسسة الممولة من أموالهم مباشرة، وكيف يقضى ذلك العضو أو العضوة أوقاتهم. يتشكل العقل الجمعى للتلاميذ والشباب والمواطنين من خبرات مختلفة متراكمة، ومن بين الخبرات المتوفرة فى الولايات المتحددة وجود مقاعد كثيرة فى كل غرف وقاعات حيث تعقد لجان الاستماع والاستجوابات لكبار المسئولين الأمريكيين الذين لا يفصلهم سوى أمتار قليلة عن عوام الشعب ممن يحضرون هذه الجلسات بدون أى شروط سوى التواجد المبكر لضمان مقعد جيد الموقع.
***
تطورت المجتمعات من حولنا لتصبح معها المدارس والجامعات على رأس الوسائل الناشئة للثقافة السياسية، إلا أن بعض النظم الحاكمة، ومنها النظام الحالى فى مصر، يصمم على استغلال تلك الوسائل لتزيد من تحكمه فى الجامعات من خلال رفض استقلال الطلاب، والتمسك بنشر ثقافة إخضاع الجميع لرغبات السلطة. فى المقبل يزداد التباعد بين النظام وبين الشباب، وهو ما يؤثر سلبا ليس فقط على الحاضر، بل والمستقبل معا.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات