حمدي عبدالرحيم يكتب: زفاف حبيباتي - مختارات - المعصرة - بوابة الشروق
مختارات
حمدي عبدالرحيم يكتب: زفاف حبيباتي أخر تحديث: الخميس 4 أبريل 2013 - 11:25 ص
حمدي عبدالرحيم يكتب: زفاف حبيباتي

مفتتح:

 

 قالت : «ليس لك عندى سوى أن أبكى على قبرك».

 

 

( 1 )

 

كانت حبيبتى الأولى تؤمن بجدوى الضربات الاستباقية ، ولذا فقد صالحتنى فجأة بعد قطيعة دامت شهوراً ودعتنى للتسكع معها فى شوارع  المنيل. لماذا كان الصلح المفاجئ ولماذا شوارع المنيل تحديداً؟.

 

الصلح المفاجئ شرط ضرورى لنجاح الضربة الاستباقية المباغتة .

 

أما المنيل وشوارعه فلكى تثبت لى أنها تحتفظ فى قلبها بكل ما أقول ، كنت قد قلت لها مرة : «سأكتب يومأً نصاً تحت عنوان لا أقسم بالمنيل».

 

إذن التقينا ضحى يوم من أواخر شهر أكتوبر ( اختيار الزمان كان مقصوداً كاختيارها للمكان) وذلك لأن أواخر شهر اكتوبر تجعلنى مهيئاً لحب بعرض السموات والأرض.

 

●●●

 

تجولنا فى شوارع المنيل وتوقفنا عند دلالة الأسماء (شارع قطز وميدان المماليك وشارع عبد العزيز آل سعود ومحطة الباشا).

 

كلام وحب ثم حب وكلام وصعلكة من التى لا تبرح القلب ذكراها .

 

ها ، فاتنى تسجيل أن اليوم كان الخميس (تعرف هى جيداً محبتى لهذا اليوم) . مضى خميسى منتعشاً بعودة الحبيبة ومسكوناً بحديثها عن الوفاء الأبدى الأزلى .

 

جاء الجمعة لأستحلب فيه منفرداً حلاوة الخميس ، ثم كان لابد للسبت من المجئ ، ولما كان السبت التقينا مجدداً كما طلبت فى قلب ميدان الجيزة (مكان مناسب جداً لافتراق محبين ).

 

شنتْ هجوماً حاداً ومكثفاً على الأنانيين الذين هم لا يقدرون ظروفها والذين هم يعبثون بمستقبلها والذين هم لا تشغلهم سوى رغباتهم . كانت تتحدث لى مستخدمة ضمير الغائب للجمع (صورة من صور الإقصاء).

 

ثم صرختْ مدافعة عن نفسها لتصف ذاتها بالجريحة وقلبها بالكسير ومشاعرها بالرهيفة التى لا تتحمل ظلم أحد أى أحد.

 

●●●

 

 

فى الخميس التالى على خميس صعلكة المنيل ، جاءنى شقيقها (من باب اللباقة الاجتماعية) ليدعونى لحضور حفل زفافها ، اعتذرت بعذر من الأعذار المعتادة ، ثم جلست أعوى من ألم كوني شملني ، ضاع مفعول الضربة الاستباقية التى كانت مثل مخدر العمليات الكبرى وحلّ بي وجع فقدها .

 

●●●

 

قال الذين هم قد حضروا الحفل إنها كانت آية من آيات الجمال فى ثوب عرسها وإنها أصرت على أن تعزف الفرقة لحنين ليس من المعتاد عزفهما فى حفلات العرس ، كان الأول لحن (آمنت بالله نور جمالك آية ) للمغنية القديمة لور دكاش (هو ذات اللحن الذى كنت أعزفه لها) كلما تصالحنا بعد خصام .

 

أما اللحن الثانى فقد كان (حسب الذين هم قد حضروا الحفل) خاصا لوجه إغواء العريس ، طلبت حبيبتى لحن عبد الغنى السيد) وله يا وله) ورقصت على نغماته مقلدة الراقصة حورية محمد التى كانت مع المطرب فى الفيلم الذى ضم الأغنية الشهيرة . كانت حبيبتى إذا قال مغنى الفرقة : «يا بتاع الرمان رمانك دبلان بص علينا وطل» تقوم بإلقاء نظرة سريعة جدا إلى نهديها (ضربة استباقية تستهدف ذكورة العريس).

 

لم يجمعنى بعدها بحبيبتى الأولى لقاء ومازلت أبحث عن «الذين هم يعبثون بمستقبلها».

 

(2 )

 

كانت حبيبتى الثانية طيبة كأنها أمى (كنت إذا تخيلتها فى سريرى أشعر بذنب قاتل ) ، ولأنها طيبة كأنها أمى كانت تؤمن أن من يفعل خيراً فى الحياة الدنيا الفانية سيجده فى يوم لقائه بربه . تفاصيل طيبة حبيبتى الثانية أكثر من أن أتذكرها ، يكفى إصرارها على أن يكون يوم مقابلاتنا هو يوم الجمعة (به ساعة إجابة) وتحديدا بعد صلاة العصر (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) أما مكان مقابلاتنا فهو مقهى شعبى (من باب التواضع لله شكراً على منحه الحب لقلبينا) يقع بالقرب من ضريح ولى الله علىّ زين العابدين (لتظللنا بركات آل البيت).

 

●●●

 

جاءت حبيبتى الثانية لميعادنا كما تأتى دائما (مغتسلة بطيبتها ) شربت شايها الخفيف (لونه يشبه لون شعرها) ثم جمعت يديها على صدرها وقربت ما بين قدميها وعلت وجهها إبتسامة طفلة مذنبة ثم قالت بتلعثم (عرفت منه ما ستقوله) : «حددوا زفافى يوم بعد غد».

 

لم يجمعنى بحبيبتى الثانية لقاء ومازلت أبحث عن الذين حددوا ميعاد زفافها بعد غد

 

( 3 )

 

كانت حبيبتى الثالثة فى منزلة بين المنزلتين فلا هى مشغولة برُمّانها كما حبيبتى الأولى ولا هى مشغولة بصلاة العصر كما حبيبتى الثانية.

 

كنت أقول عن الثالثة إنها ثابتة (كما ينص المثل الشعبى)، وكانت هى تحمد الله أن جعل زمن حبنا هو زمن نضجنا لكى لا ترتكب معى الكوارث. كنت إذ سألتها عن كوارثها تقول ضاحكة :«أستطيع بيسر رشفك فى جرعة واحدة».

 

●●●

 

ولأن الذى تَعُضُّه الثعابين يخشى من الأحبال فقد قلت لها : «عندما يقوم الذين هم أنانيون بالعبث بمستقبلك ويقوم الذين هم طيبون بتحديد ميعاد زفافك المفاجئ ، لا تخبريننى بشيء ، فقط تبخرى».

 

●●●

 

ظهيرة يومٍ أُغسطُسيٍ تبخرت حبيبتي الثالثة ، وهطلت على أرض بروكسل ببلجيكا لا على هيئة قطرة مطر ، بل على هيئة عروس ، زَفّها عازف كمان يونانى عجوز قضى شطراً من شبابه فى الإسكندرية ، يقال إنها ضحكتْ كثيرا والعازف يغنى لها : «اتمخطرى يا حلوة يا زينة».

 

●●●

 

اذا كانت عوامل التعرية كما يؤكد الجغرافيون تفتت الصخور أفلا تفتت الذكريات ؟.

 

حسنٌ لقد تفتتْ ذكرياتى فلم أعد أذكر شيئاً عن حبيباتى الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة.

 

●●●

 

حبيبتي العاشرة كان لها إيقاعها الخاص جداً لذا قاومت عوامل التعرية .

 

ولأن حبيبتي العاشرة كانت تُحِبُّ كأنها تتنفس فقد أجلستني أمام عينيها مباشرة ، تأملتْ وجهي طويلاً حتى ارتبكتُ ثم أطلقت ضحكة مجلجلة تبعتها بثانية فثالثة ، وعندما هدأت موجات ضحكاتها ، قالت : «سأتزوج فى مساء ليلتنا هذي» ثم تقلص وجهها تحت وطأة ألم مفاجئ ، ودندنت بصوت حزين: «وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان».