هل كانت الثورة مؤامرة؟ - في أحضان الكتب - المعصرة - بوابة الشروق
في أحضان الكتب
هل كانت الثورة مؤامرة؟ أخر تحديث: الأربعاء 3 أبريل 2013 - 1:47 م
هل كانت الثورة مؤامرة؟

هل أنت من الذين يحبطهم تفشي الحديث عن أن ثورة يناير كانت مؤامرة خارجية؟، هل تضايقك السموم التي ينفثونها بحق ثورتنا في كل مكان؟، هل يحزنك إقتناع البسطاء بذلك الكلام الذي لا يحترم دماء الشهداء ولا تضحيات الثوار؟. نصيحتي الشخصية: لاتهتم بكل ذلك الهراء ولا تبذل أدنى مجهود في الرد عليه، لكن ذلك لا يعني أن تتوقف عن قراءة هذا المقال وتذهب لحال سبيلك، فما سأقوله لك لاحقا هو الذي سيجعلك تجمد قلبك وأنت تتجاهل ذلك الهراء   .

 

إذا كنت تحب أن أجيب لك من الآخر، دعني أقل لك أنه يمكن فعلا دحض كل هذا الهراء الذي يبدو بعضه علميا ومدعما بالأدلة، في حين لا يبذل بعضه الآخر أدنى مجهود في إخفاء حقيقة أنه محض هراء، وأنجع وسيلة لذلك هي أن نتحرك جميعا وسط الناس لكي نكون ثورة تمشي على الأرض، ليس بالصوت العالي والجعجعة والعصبية، بل بالفهم والوعي والقدرة على التواصل مع الناس وتحمل مخاوفهم وإحتواء همومهم، ببساطة أنت واجهة الثورة، فانظر كيف جعلت من حولك يتواصل معها، وستعرف هل أحسنت إليها أم أنك أسأت إليها بأكثر مما أساء الذين اتهموها بأنها مؤامرة. إذا كنت ترى أن كلامي محض وعظ لا طائل من ورائه وأنني لم آتك بالجديد الذي وعدتك به، فدعني أقل لك أن جديدي اليوم قديم لكن أحدا لا يذكر الناس به: ببساطة لا توجد ثورة كبرى لم تتعرض للإتهام بأنها كانت مؤامرة، وكان ذلك الإتهام وسيلة أعدائها لمقاومتها أو وسيلة الذين لم يشاركوا فيها لتبرير خذلانهم لها، ودائما كانت تلك الإتهامات تموت عندما تمضي الثورة قدما وتشق طريقها لتصبح واقعا أقوى من التشنيعات والإتهامات، فيتحول الذين شككوا فيها إلى مؤيدين لها طمعا في مكاسبها أو حتى قانعين بكف أذاهم عنها خوفا على أنفسهم.

 

في مذكرات العالم الأزهري العظيم الشيخ عبد الوهاب النجار عن وقائع ثورة 1919 (الأيام الحمراء) والتي أصدرتها دار الكتب والوثائق القومية قبل ثورة يناير بتقديم وتحقيق المؤرخ الفذ أحمد زكريا الشلق، يروي النجار أن الإنجليز حاولوا مقاومة الثورة بالتأكيد على أن أعداءهم الألمان يقفون وراءها، وتحدثوا كثيرا عن نقود ألمانية تقوم بتمويلها، لكنهم لم ينجحوا لا هم ولا مناصروهم المصريون في إثبات ذلك، وعندما فشل السيناريو الألماني ظهر سيناريو آخر يتداوله الكارهون للثورة من أبناء مصر إما لأنهم اعتبروا أنها تضرب مصالحهم مع الإنجليز وإما بسبب خوفهم من المجهول، حيث قالوا أن جمعية الإتحاد والترقي التركية التي كانت تصارع ضد الخلافة العثمانية هي صاحبة اليد الطولى في إثارة الثورة، والغريب أن الشيخ النجار برغم أنه كان يمتلك عقلا نقديا بديعا جعله يتصدى بالتحليل لكل ماعايشه منتقدا كثيرا مما عايشه من شطحات وأخطاء، إلا أنه لم يضيع أكثر من سطر ونصف للرد على ماقيل، حيث كتب بالنص «فما أسخف العقول التي تتصور ذلك، وما أحط النفوس التي تسمح لنفسها بإعتقاد هذه السحافات»، بس، هذا كل ماقاله في مذكراته البديعة التي أرجو أن أعرضها لك بالتفصيل عندما تروق الأحوال قليلا بإذن الله.

 

في كتابه المهم (دراسة تحليلية للثورات) الذي أعادت إصداره مشكورة دار الكتب والوثائق القومية عن سلسلة (مصر.. الثورة) بإشراف من المؤرخ الجليل د. أحمد زكريا الشلق، يصل مؤلف الكتاب كرين برنتون الذي قام في كتابه بدراسة أربع أكبر ثورات في التاريخ الحديث إلى نتيجة هامة هي أن «كل الثورات شهدت جدلا حول ما إذا كانت مؤامرة أم لا، المعارضون للثورة الفرنسية ظلوا يصرون أنها كانت من فعل أقلية مدبرة خبيثة من الماسونيين والمهيجين المحترفين، ولسنوات طويلة ظل معارضو الثورة الروسية يؤمنون أنها كانت مؤامرة دولية مع البلشفيك، وكذلك الحال في الثورتين الإنجليزية والأمريكية لم تختف نظرية المؤامرة في تفسير الثورة، «وكان دائما مؤيدو النظام القديم المهزوم ينسبون الثورة إلى خطط أقلية من الأشرار المهرة منعدمي الضمير، بينما الثوار المنتصرون ينسبون نجاحهم دائما إلى قيام الغالبية في وجه الطغيان، وكلا التفسيرين لا يعنى بالتفسير العلمي ويستهدف إرضاء العواطف البشرية بهذا الهراء، لأن الثورات تنمو فعلا من بذور غرسها أناس يريدون التغيير ويبذلون جهدا كبيرا في تنظيم حديقتهم، لكنهم لا يعملون ضد الطبيعة، بل يعملون في تربة وطقس ملائمين لعملهم، وثمار الثورة تمثل التعاون بينهم وبين الطبيعة المحيطة بهم».

 

 


لاحظ أن ما أنجح هذه الثورات أو أفشلها في النهاية كان قدرتها على التطور والتواصل مع الشعب، فعندما نجحت لم يتذكر الشعب سيناريوهات المؤامرة، وعندما فشلت انشغلوا بفظائع فشلها أكثر من ملابسات قيامها.... ياصديقي إذا كنت غاضبا لأن كثيرا ممن حولك مقتنعون بأن الثورة مؤامرة، فعليك أن تسعى شخصيا لإنجاحها بالعبور بها إلى مرحلة الحكم الديمقراطي المنتخب الذي لن يشهد الناس ثمار الثورة الحقيقية إلا من خلاله، إذا كنت تخاف من تزوير الإنتخابات فقاوم من أجل ألا يحدث ذلك بكل ما تستطيعه، إستحضر ثانية روح 25 يناير عندما هتفنا جميعا «يا أهالينا انضموا لينا قبل بلدنا ماتغرق بينا»، تذكر أن الثورة لم تتفجر إلا عندما صدق كثير من الناس هتافنا، لذلك لا تتعال على الناس، لا تجعلهم يأخذون عنك دائما إنطباع الثائر العصبي ضيق الخلق، لا تنشر اليأس فيمن حولك، قاوم الحجة بالحجة، إذا وجدت حجة أقوى منك فلا تلجأ إلى الشتيمة بل إلى المعرفة، تذكر أنك أنت أخطر على الثورة من إتهامها بالمؤامرة، واشعر أن في يدك وحدك مفتاح نجاحها أو فشلها،كن واثقا بنفسك فأنت وحدك الذي تعرف أن الثورة لم تكن مؤامرة، وأنت وحدك الذي تستطيع أن تقنع الناس بذلك.

 

اللي يحب الثورة يزق.

 

(يؤسفني أن أقول أن هذا المقال نشر من قبل يوم 7 سبتمبر 2011)

زفاف حبيباتي

 

مفتتح:

 

 قالت : «ليس لك عندى سوى أن أبكى على قبرك».

 

( 1 )

 

كانت حبيبتى الأولى تؤمن بجدوى الضربات الاستباقية ، ولذا فقد صالحتنى فجأة بعد قطيعة دامت شهوراً ودعتنى للتسكع معها فى شوارع  المنيل. لماذا كان الصلح المفاجئ ولماذا شوارع المنيل تحديداً؟.

 

الصلح المفاجئ شرط ضرورى لنجاح الضربة الاستباقية المباغتة .

 

أما المنيل وشوارعه فلكى تثبت لى أنها تحتفظ فى قلبها بكل ما أقول ، كنت قد قلت لها مرة : «سأكتب يومأً نصاً تحت عنوان لا أقسم بالمنيل».

 

إذن التقينا ضحى يوم من أواخر شهر أكتوبر ( اختيار الزمان كان مقصوداً كاختيارها للمكان) وذلك لأن أواخر شهر اكتوبر تجعلنى مهيئاً لحب بعرض السموات والأرض.

 

●●●

 

تجولنا فى شوارع المنيل وتوقفنا عند دلالة الأسماء (شارع قطز وميدان المماليك وشارع عبد العزيز آل سعود ومحطة الباشا) .

 

كلام وحب ثم حب وكلام وصعلكة من التى لا تبرح القلب ذكراها .

 

ها ، فاتنى تسجيل أن اليوم كان الخميس (تعرف هى جيداً محبتى لهذا اليوم) . مضى خميسى منتعشاً بعودة الحبيبة ومسكوناً بحديثها عن الوفاء الأبدى الأزلى .

 

جاء الجمعة لأستحلب فيه منفرداً حلاوة الخميس ، ثم كان لابد للسبت من المجئ ، ولما كان السبت التقينا مجدداً كما طلبت فى قلب ميدان الجيزة (مكان مناسب جداً لافتراق محبين ).

 

شنتْ هجوماً حاداً ومكثفاً على الأنانيين الذين هم لا يقدرون ظروفها والذين هم يعبثون بمستقبلها والذين هم لا تشغلهم سوى رغباتهم . كانت تتحدث لى مستخدمة ضمير الغائب للجمع (صورة من صور الإقصاء).

 

ثم صرختْ مدافعة عن نفسها لتصف ذاتها بالجريحة وقلبها بالكسير ومشاعرها بالرهيفة التى لا تتحمل ظلم أحد أى أحد.

 

●●●

 

فى الخميس التالى على خميس صعلكة المنيل ، جاءنى شقيقها (من باب اللباقة الاجتماعية) ليدعونى لحضور حفل زفافها ، اعتذرت بعذر من الأعذار المعتادة ، ثم جلست أعوى من ألم كوني شملني ، ضاع مفعول الضربة الاستباقية التى كانت مثل مخدر العمليات الكبرى وحلّ بي وجع فقدها .

 

●●●

 

قال الذين هم قد حضروا الحفل إنها كانت آية من آيات الجمال فى ثوب عرسها وإنها أصرت على أن تعزف الفرقة لحنين ليس من المعتاد عزفهما فى حفلات العرس ، كان الأول لحن (آمنت بالله نور جمالك آية ) للمغنية القديمة لور دكاش (هو ذات اللحن الذى كنت أعزفه لها) كلما تصالحنا بعد خصام .

 

أما اللحن الثانى فقد كان (حسب الذين هم قد حضروا الحفل) خاصا لوجه إغواء العريس ، طلبت حبيبتى لحن عبد الغنى السيد) وله يا وله) ورقصت على نغماته مقلدة الراقصة حورية محمد التى كانت مع المطرب فى الفيلم الذى ضم الأغنية الشهيرة . كانت حبيبتى إذا قال مغنى الفرقة : «يا بتاع الرمان رمانك دبلان بص علينا وطل» تقوم بإلقاء نظرة سريعة جدا إلى نهديها (ضربة استباقية تستهدف ذكورة العريس).

 

لم يجمعنى بعدها بحبيبتى الأولى لقاء ومازلت أبحث عن «الذين هم يعبثون بمستقبلها».

 

(2 )

 

كانت حبيبتى الثانية طيبة كأنها أمى (كنت إذا تخيلتها فى سريرى أشعر بذنب قاتل ) ، ولأنها طيبة كأنها أمى كانت تؤمن أن من يفعل خيراً فى الحياة الدنيا الفانية سيجده فى يوم لقائه بربه . تفاصيل طيبة حبيبتى الثانية أكثر من أن أتذكرها ، يكفى إصرارها على أن يكون يوم مقابلاتنا هو يوم الجمعة (به ساعة إجابة) وتحديدا بعد صلاة العصر (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) أما مكان مقابلاتنا فهو مقهى شعبى (من باب التواضع لله شكراً على منحه الحب لقلبينا) يقع بالقرب من ضريح ولى الله علىّ زين العابدين (لتظللنا بركات آل البيت).

 

●●●

 

جاءت حبيبتى الثانية لميعادنا كما تأتى دائما (مغتسلة بطيبتها ) شربت شايها الخفيف (لونه يشبه لون شعرها) ثم جمعت يديها على صدرها وقربت ما بين قدميها وعلت وجهها إبتسامة طفلة مذنبة ثم قالت بتلعثم (عرفت منه ما ستقوله) : «حددوا زفافى يوم بعد غد».

 

لم يجمعنى بحبيبتى الثانية لقاء ومازلت أبحث عن الذين حددوا ميعاد زفافها بعد غد

 

( 3 )

 

كانت حبيبتى الثالثة فى منزلة بين المنزلتين فلا هى مشغولة برُمّانها كما حبيبتى الأولى ولا هى مشغولة بصلاة العصر كما حبيبتى الثانية.

 

كنت أقول عن الثالثة إنها ثابتة (كما ينص المثل الشعبى)، وكانت هى تحمد الله أن جعل زمن حبنا هو زمن نضجنا لكى لا ترتكب معى الكوارث. كنت إذ سألتها عن كوارثها تقول ضاحكة :«أستطيع بيسر رشفك فى جرعة واحدة».

 

●●●

 

ولأن الذى تَعُضُّه الثعابين يخشى من الأحبال فقد قلت لها : «عندما يقوم الذين هم أنانيون بالعبث بمستقبلك ويقوم الذين هم طيبون بتحديد ميعاد زفافك المفاجئ ، لا تخبريننى بشيء ، فقط تبخرى».

 

●●●

 

ظهيرة يومٍ أُغسطُسيٍ تبخرت حبيبتي الثالثة ، وهطلت على أرض بروكسل ببلجيكا لا على هيئة قطرة مطر ، بل على هيئة عروس ، زَفّها عازف كمان يونانى عجوز قضى شطراً من شبابه فى الإسكندرية ، يقال إنها ضحكتْ كثيرا والعازف يغنى لها : «اتمخطرى يا حلوة يا زينة».

 

●●●

 

اذا كانت عوامل التعرية كما يؤكد الجغرافيون تفتت الصخور أفلا تفتت الذكريات ؟.

 

حسنٌ لقد تفتتْ ذكرياتى فلم أعد أذكر شيئاً عن حبيباتى الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة.

 

●●●

 

حبيبتي العاشرة كان لها إيقاعها الخاص جداً لذا قاومت عوامل التعرية .

 

ولأن حبيبتي العاشرة كانت تُحِبُّ كأنها تتنفس فقد أجلستني أمام عينيها مباشرة ، تأملتْ وجهي طويلاً حتى ارتبكتُ ثم أطلقت ضحكة مجلجلة تبعتها بثانية فثالثة ، وعندما هدأت موجات ضحكاتها ، قالت : «سأتزوج فى مساء ليلتنا هذي» ثم تقلص وجهها تحت وطأة ألم مفاجئ ، ودندنت بصوت حزين: «وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان».