محمد إسماعيل سلامة يكتب: الإخوان والجبهة.. والردح النسائي

آخر تحديث: الجمعة 1 فبراير 2013 - 11:15 م بتوقيت القاهرة

للذين يطالبون بإسقاط الرئيس.. هذا الرئيس لم نستورده من الصين بضمان، هذا الرئيس انتخبناه، وإسقاطه يعني إسقاط الشرعيي التي يمثلها انتخابه. صحيح أنه كشف عن مستوى متدني ورؤى ضيقة تثبت فشل الإخوان المسلمين كحزب حاكم، وهي تجربة لن تتكرر أبدا في وجهة نظري، لكن ما تدعو إليه جبهة الإنقاذ الوطني من إسقاطه يمثل الفوضى بذاتها، كما يكشف عن رؤى مقابلة على ذات المستوى من ضيق الأفق وإيثار المصالح واستغلال الأخطاء لمكاسب سياسية، وهذا ظاهر وواضح في مواقفها.

 

لهذا أنصح من يشارك في الأحداث التي وصلت في عنفها للقتل أن يراجع موقفه جيدا لأن الرأي العام ضد إسقاط الرئيس وإن كان مستفزا بضعفه الذي فوجئنا به، وضد مشاهد العنف وإن كان متفقا على بعض الانتقادات الموجهة للإخوان، ويثبت ذلك أن شعبية الجبهة ليست بأفضل من الإخوان، وحتى الآن لم تثبت أنها بديلا وطنيا جيدا بل العكس تماما.

 

المرجعية الدينية ليس لها تمثيل حق في كل الرموز الموجودة، فكفى متاجره بها من جهة أو تخويفا منها من جهة أخرى، وكذلك فإن رؤى ما يسموا بكتاب الصفوة ورموز الإعلام تصل في تطرفها اللا ديني تحت سماء ما يسمى بالدولة المدنية إلى مستوى لا يتفق ونظام دولة علمانية أوروبية حديثة، فزواج المثليين مثلا لم توافق عليه فرنسا التي غرمت المنقبة غرامة فورية! وكذا فإن اضطهاد المسلمين في أوروبا اليوم يثبت كذب إدعاء ديمقراطية الدولة المدنية الحديثة، وبالأخص النموذج الأوروبي منها كفرنسا. فبأي منطق يقالإن سعيهم إلى دولة مدنية حديثة، وما يتم طرحه من رؤى لا يتفق ومباديء المدنية من وجوب مراعاة عُرف الدولة ومبادئها الدينية وعاداتها، وهذا أساس لو لم يكن في اعتبار ساسة أوروبا اليوم لما اضطهد المسلمين هناك، ولما أصرت فرنسا على رفض السماح بزواج المثليين، وهو أمر يسمح به النظام المدني الذي يطالب به صفوة الكتاب في مصر اليوم للأسف.

 

وما يروج له الأسواني وغيره من مباديء العلمانية، فقد كشفنا عورته في أكثر من مناسبة واتضح أن اللادين هو الجو المناسب جدا لكتابة وطبع ونشر أعمال من قبيل رواية عمارة يعقوبيان ثم طرحها فيلما سينمائيا! هذه أقنعه مكشوفة، وأما أن يقال إنه تعصب للدين، أو إلباس الجماعات الدينية ثوب الإسلام دون غيرها ومن ثم تكفير الناس، فهذا لا يقبله الناس ذلك أن تشدق هذه الجماعات، وبالأخص الإخوان، بالدين لا ينفي أن الدين نفسه لا يزال موصولا بالمجتمع مؤثرا فيه كمجتمع عربي - مسلم أو مسيحي - ولا يزال المجتمع، يعرف بالعيب والأصول والحرام والحلال كل شيء تقريبا، تاجر به البعض أم لم يتاجر، استغله السياسيون أم لم يستغلوه، الدين أصل هنا وسيظل إلى فترات طويلة كذلك.

 

فلا تقل لي إن الخلاص من جماعة ضلت الطريق ولا تزال تردد أن عملها لله وللدين يكون بالخلاص من ارتباط الدين الوثيق بالناس في مجتمعنا، لأنه الأساس الذي تستند إليه تلك الجماعة وغيرها من كيانات دينية في المجتمع، ولأن هذا الارتباط يستغل في ذلك للتأثير على البسطاء، أنت تدفع الباطل بما هو أشنع منه في البطلان. فما عليك إلا أن تبين للناس مدى ابتعاد الإخوان عن النهج الذي يدعونه من المرجعيه الدينية وعدم اتفاقها والدين. ثم تقدم أنت حلولا تتفق وطبيعة المجتمع وأعرافه وأصوله التي أغلبها دينية، فلا علمانية ولا مدنية ولا أي نظام آخر سيتماشى مع أفكار الناس إن تم فصله عن عقيدتهم التي لا يمكن تجنيبها في ممارستهم اليومية لأي نشاط، هذا المجتمع مختلف عن أوروبا وأصحاب الفكر المادي، لن يكسبوا أي معركة في هذا الخصوص، وجد من يتاجر بالدين لتنفير الناس منه أم لم يوجد.

 

ولا يخدعك رفض الناس لهذا الفصيل (الإخوان) بناء على أخطائه، لتطرح أفكار لن يقبلها أحد ثم تتذمر من تأثير الإخوان وغيرهم مستغلين الدين في نفوس الناس. أغلب الرأي العام لا يرى تمثيل الدين بالإخوان ولا يعتبرهم مجموعه دينية، لكنه في الوقت ذاته لن يتقبل أبدا مفهوم العلمانية أو اللادينية أو حتى الدولة المدنية بهذا الطرح الملتوي، ومالم تستطع جذب الناخب الجاهل والذي ما تنفك تعايره بجهله وبأنه مُغيب و"خروف"، وضحية التأثير الإخواني المصطبغ بالتدين، فأنت فاشل بأكثر مما فشل الإخوان، والسياسة ليست مجالك، هذا سيّان كنت فيها كاتبا أو ناشطا أو حزبي أو موظفا عاما.

 

هذا الجاهل هو سبيلك لصندوق الانتخابات.. إذا كان ثمة نهج ديمقراطي، ما لم يكن نهجك منصبا على نسخ الثورة واستنساخ الغضب الشعبي ضد بطش بوليسي سلطوي لثلاثين عاما ومحاولة فرضهما على تجربة ناشئة متخبطه كثيرة الأخطاء لتقذف أصحابها بغضب الناس، أو كما في خيالك، بثورة جديدة!

 

الناس لن تغضب ولن تنزل إلى الشارع بالأعداد التي كانت عليها في ثورة يناير من أجل "سواد عيون" كاتب يرى الكل جهلة، ويجب قصر الانتخابات على المتعلمين والمثقفين! أو سياسي لا يقدم رؤى يتفهمها المعارض للإخوان بقدر ما يقدم ردحا نسائيا في الإخوان كل يوم ولا يقدم حلولا ترضي البسيط والجاهل قبل المتعلم والمثقف.. فيضيف إلى رصيده السلبي لدى العامة نقاط تتخطى كثيرا ما أضافه الإخوان.

 

إن ظهور كيانات جديدة فجأة في المجتمع كشباب "البلاك بلوك" مثلا، أمر سمح به واقع فشل الحزب الحاكم والمعارضة في آن عن احتواء غضب الشارع، ورفضه للجهتين معاً، والدليل على ذلك أن ظهور مثل هؤلاء الشباب وبرغم العنف الذي أظهروه اتفق معه البعض وبخاصة الشباب وأيدوه، وربما يكسبون أنصارا ومؤيدين لهذا النهج من العنف، وما ذلك إلا إيذانا بسقوط شعبية كل من على الساحة السياسية بعد أن ثبت فشلهم وإصرار كل منهم توجيه الشارع توجيها سلبيا في مواجهة الآخر بدون تقديم حلول إيجابية أكثر تعقلا وقبولا من إسقاط رئيس منتخب مهما كانت أخطاؤه، حلول تتفق وطموح رجل الشارع الذي تصدعت رأسه بهذا الردح النسائي اليومي من الجهتين معا.. الإخوان والجبهة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved