محمد إسماعيل سلامة يكتب: الحياة بين النفس والروح

آخر تحديث: الإثنين 7 يناير 2013 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

في الحياة لابد أن تكون قويا لكن ليس إلى درجة البلطجة، ولابد أن تكون مثقفاً متكلما لكن ليس إلى درجة أن تناقش الله في أمره لك. الحياة صعبة لاشك في ذلك، لكن الأصعب أن تحياها دون أن تثق بالله وتشعر في نفسك بثقل الامتثال لأوامره، تاركا نفسك لما تريده، ساعيا لها وأنت تغض بصرك عن روحك التي تسجنها في ملعب شهواتك، متنقلا بين فرضياتك التي تضعها كحلول لما أنت فيه، فتشق كل طريق إلى طريقين، وكل نظرية إلى نظريتين.

 

إن كل احتمال ممكن تضعه في حسبانك وأنت تحاول جاهدا أن تتخلص من عذاب روحك الذي يلح عليك ويؤرق ضميرك، متمسكا بنزوات نفسك، ووقع حياتك كما استسلمت له، فتجرب كل ما تكتشفه من طرق ونظريات واحتمالات، ترضي بها روحك المعذب وتسكته لتخلو إلى نفسك وشهواتها بضمير ساكت وروح صامت متألم من فقدان الصلة بينه وبين أصله ومركزه الذي يقبس منه بين الحين والآخر ما تقيم به أنت عيشك وقوام حياتك التي ليست كلها ملكا لك.. "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ" [الحجر : 29].

 

إن الله -عز وجل- ما كان ليأمر الملائكة أن تسجد لتصوير فارغ من الصلصال، إلا أن يكون نفخ فيه من روحه، وأنت تستطيع أن تحترم تلك الروح الرهينة فيك حتى حين، فتجعلها وقود حياتك، فتصبح إلها لجوارحك وسيدا لنفسك، أو أن تسلسل تلك الروح في ظلام نفسك التي هي بعض الهرمونات واللحم والدم والعظام التي تقوى وتضمر وتحيا وتموت وتكرم وتذل وتثاب وتعذب بقدر ما أنت مشبعا لها من نور هذا الروح الإلهي المرهون فيك، وبقدر ما تصله بأصله ومركزة فتقويه أو تقطعه فتقطع.

 

لهذا.. فإن الذي احتمل النار وتقطيع الأوصال والنشر بالمناشير على أن يغضب الله لم يكن مجرد جسدا مستسلما لنفسه وإلا كانت النار كفيلة بأن يسجد لفراعنة البشر، وأنت لا تتصور ولا تحتمل أن تتصور كيفية احتماله لعذاب كهذا كونك تتصوره بنفسك التي تستشعر الألم وتقشعر من ذكره، ولا تتصوره بروحك التي لا تؤثر به أبدا.. تلك الأمور "البسيطة" إذا ما وصل بأصله ومركزه، وهو الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved