محمد إسماعيل سلامة يكتب: مرارة خيارنا الغامض

آخر تحديث: الجمعة 14 ديسمبر 2012 - 12:50 ص بتوقيت القاهرة

هن يتململن من ذوات الحجاب والخمار، الآتيات من الريف، مباشرة للبرلمان والبرامج الحوارية والأضواء التي يرينها أولى بأناقة ساكنات المعادي والزمالك وذوات العناقيد الألماسية واللغات الأجنبية. فيدفعهن بالجهل والرجعية في مجتمع، متى نظر إلى بذة الرجل يقسم بأنه يعلم وهو من أجهل الجاهلين.. هذا فيما يسمى الصفوة.

 

إلا أن الجماعة في ميزان العدل والحساب والدين وميزان التاريخ، تخسر كثيرا مما كانت قد اكتسبته وفقط من سقطات غيرها من أشخاص وكيانات امتلأ بها الوطن حتى كتمت أنفاسه وأثقلت كاهله، إن ذلك الكيان المريب من الداخل لابد له أن ينفتح وأن يقف اليوم لا غدا صريحاً واضحا طالما أنه يحمل الراية. وما لم يحدث ذلك، فقد بلغوا المبلغ الحق من المثل، إذا بلغ الشيء مداه بدأ في النقصان، وها هي الجماعة داخل القصر الرئاسي التي طمحت له منذ ثمانين عاما. فإما أن تكون على قدر المسئولية، منحيةً بذلك أغراضها الغامضة وقوانينها الداخلية على أفرادها، أو أن تخسر الجماعة بالعشوائية والتداعي ما بلغته بالتنظيم المتقن والمهام المنظمة.

 

نحن نقدر التنظيم والطاعة وإيكال الأمر إلى من هو أهل له- كأركان للتقدم والبناء، لكن بشرط أن يكون ذلك في منظومة حكم شامل لدولة تسع مائة مليون إنسان، تقودها الجماعة بانتخاب لم يكن حرا بقدر ما كان خيارا صعبا بين أمرين كلاهما مر، إما تجربة الجديد الغامض، أو العودة للفساد الظاهر. وقد كان الجديد الغاض – وقتها – خياراً يمثل أخف الضررين لأي عاقل. فلا يسوغ اليوم التشدق بأن الرئيس محمد مرسي رئيسا منتخبا وأنه خياراً شعبيا جاء بانتخاب حر وكلنا يعلم وكما وضحتُ كيف كانت ملابسات الانتخاب ذاك.

 

وحتى اليوم.. فإن غير حادثة في أكثر من مناسبة تجعلنا نشعر بمدى مرارة خيارنا الجديد الغامض، فلم يكن ليتصور أحد أن الغموض قد يتكنف قرارات الرئيس محمد مرسي للدرجة التي يقر فيها زيادات ضريبية لأكثر من عشرين بالمائة على سلع أساسية وفي توقيت حرج تعيشه البلاد سياسيا، ثم يتراجع عن القرار بعد إقراره ودخوله حيز التنفيذ بما له من آثار خطيرة على المستهلك البسيط لهذه السلع. وإذا كان الرجوع في القرار للحفاظ على "المواطن بسيط الدخل" كما قيل، فأين كان المواطن بسيط الدخل في حسابات السيد الرئيس وهو يقر هكذا قرار بالأمس وقبل أربع وعشرين ساعة فقط! أين المستشار المالي، الإقتصادي، وزير المالية، وغيرهم من أشخاص يفترض بهم التشاور والدراسه لأي قرار من شأنه رفع أسعار السلع سيما الأساسية منها!؟

 

أما الدستور والقوانين والتشريعات فقد كانت الأحداث التي اضطردت في الخطورة حتى تطورت إلى مظاهرات واعتداءات راح ضحيتها مواطنون ومقرات حرقت ومؤسسات للدولة تم الاعتداء عليها، فإن الوزر الأكبر في ذمة الإخوان المسلمين ومؤسسة الرئاسة التي تسببت في حالة من الغموض والالتباس لدى المواطن الجاهل والمثقف على السواء. وإذا كانت الحجة الواهنة للجماعة بأن الإعلام يهول الأمور ويؤثر سلبا بالمواطن فإن رئيس الجمهورية الذي انتظره الشعب المصري حتى صلى العشاء وركعتي السنه ليخرج يخطب في الناس، كان كفيلا بتوضيح الصورة وبيان كل الأمور وإن استمر خطابه لأذان الفجر، كما استمرت جلسة إقرار مسودة الدستور حتى صلاة الجمعة!

 

إلا أن الرئيس مرسي، وإن كان ألقى البيانات والخطابات لمدد طويلة منذ توليه الرئاسة، فإن المفهوم والظاهر والذي لا يتطرق له الشك فيما يقوله هو القيل الهين الذي لا يشفي غليل المواطن ولا يضعه في صورة الموقف، فضلا عن قناعة المواطن أن الرئيس نفسه يقف على صورة صحيحة للوضع السياسي الكائن! لقد كان الرئيس السادات في بداية عهده يُحارب من جهات الدولة مجتمعه واستقالت الحكومة استقاله شبه جماعية وحاربه الإعلام، لكن الرجل وقف بشجاعة، كما كان فطنا في السياسة فحرص على لغة صريحة وكاشفة للمواقف للمواطن، كما حرص على مواقف حازمة مع مفاصل الدولة التي تمردت عليه في بداية عهده بحيث أسقط مراكز القوى جمعيها واستتب له الأمر دون أن يخسر المواطن، أو يحدثه بخطاب من وراء حجاب، أو بقرار متلكيء متردد بدون دراسة أو أن يشعر المواطن أن الرئيس يتعامل بنديه ويؤمن مصالحه أو قراراته فضلا عن مصالح وقرارات جماعة ينتمي إليها وهو ما يسود الموقف كثيرا في حالة الدكتور مرسي.

 

إن جماعة الإخوان المسلمين وضعت المواطن المصري البسيط وأنصار التيارات الدينية من الشباب المعتدل صاحب الرأي في موقف حرج ومأزق حقيقي، ذلك أن ثمة أخطاء وأخطاء جسيمة في ممارسة السلطة والقرار السياسي والسيادي، وكلها أخطاء تستحق النظر والمؤاخذة إلا أن موقف الجماعة من إلقاء التهم على المعارضين ووضعهم جميعا في جهة أصحاب الأهواء والمصالح أو معدومي التدين، فتحت المجال الواسع لمن هم على هذه الأوصاف فعلا، من رجال أعمال فاسدين وإعلاميين متربحين بالباطل، وأنصار الحزب الوطني المنحل، فتحت المجال لكل هؤلاء أن يكونوا وفقط، كما وصفت الجماعة معارضيها، وما كان عليهم إلا أن يقولوا بصوت عال ، نعم.. نحن المعارضون من أجل هذا الشعب، والوطن، والثورة!

 

لتجد شريحة عريضة من الشعب المصري من خارج هذه الفئات ومن الشباب الثائر الحق، والذي كان وقود الثورة ، نفسها في صف واحد مع هذه الأصناف.. شاءت أم أبت، وكأن الجماعة قنعت بقدرتها التصويتية في أي انتخابات، أو استفتاءات، أو ممارسات شعبية، وكأن الجماعة قنعت بأن أعضائها وشبابها كافون على الأرض، وكافون في الصندوق، وكافون كجمهور! للدرجة التي أرى فيها رئيس الجمهورية في مكان منزوي يخطب في جمع بسيط من الناس، أغلبهم من أنصاره ومؤيديه، وأغلبهم من الإخوان المسلمين.

 

إن حمدين صباحي ومحمد البرادعي وعمرو موسى وغيرهم ممن دخلوا السباق الرئاسي وخرجوا منه غير مصدقين أنهم كانوا على شفا حفرة حفرها لهم الإخوان المسلمين، من قصر الرئاسة، فانبرى كل منهم كالتي تلطم خدها على بعلها، يتحيزون الفرصة لرفع السقف، والمقاطعة، والحشد، فقط.. من أجل إسقاط حكم الإخوان المسلمين، ولا يتخيل أحدهم كيف يراه المواطن العاقل وهو يسيل لعابه على حكم مصر.. وفقط! في خطاب خبيث يكشف عن صاحبه، فواحد يدعو لحشد، وآخر يصرح في جريدة ألمانية بأن الإخوان ينكرون الهولوكوست، وآخر يتحدث للمراسلين الأجانب أكثر مما يتحدث لأي مراسل أخبار مصري. هذه الشخصيات ليس لها ثقل على الأرض ولا جمهور يمثل حقا نسبة كبيرة من شعب مصر الذي لا يفهم أغلبه الإنجليزية ولا يعنيه الهولوكوست المتهم بنكرانه هذا.

 

أما ما يجعل لهم ثقلا ولو في الظاهر، تماما كفلول الحزب الوطني، وأيا من الأحزاب الورقية الهشة كالوفد وغيره، فهو أخطاء جماعة الإخوان المسلمين ذاتها، وعدم قدرتها حتى الآن على تبني لغة تحتوي المواطن الذي ما عاد يفهم شيئا، كما هي غير قادرة حتى الآن عن التعامل بمسئولية ودراسة قبل اتخاذ أي قرار سيادي من شأنه التأثير المباشر بالسلب على المواطن المطحون في هذه الأيام، وتماما كما هي من أضعف ما تكون في نديتها مع تلك الشخصيات الهشة المهمشة التي لا تمتلك جمهورا حقيقيا في الشارع، لكن يصعدون على أخطاء الجماعة، ويكسبون ما تخسره هي، بغرابة وغموض يزيدان شك المواطن البسيط، ومرارة حلقة التي تذكره بخياره الذي تحدثنا عنه، خيار جماعة الإخوان المسلمين.. في الحكم الجديد الغامض.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved