وفقي فكري يكتب: المرور.. تطوير بلا تغيير

آخر تحديث: الثلاثاء 30 سبتمبر 2014 - 2:35 م بتوقيت القاهرة

بدون مقدمات وبلا جمل براقة، أدخل في الموضوع مباشرة، منذ أسبوع ذهبت إلى مجمع المرور الذي أتبعه لأجدد رخصة سيارتي، وكلي تفاؤل وراحة نفسية، خاصة أنني كنت قد قرأت أن هذا المجمع المروري قد تم افتتاحه منذ أيام بعد تطويره، ليقدم خدمة متميزة للمواطنين ، وبالفعل بمجرد دخولي من البوابة شاهدت منظرًا مختلفًا عن المعتاد في أي مرور مصري، فالمبنى تم تجديده بالكامل، وهناك كافتيريا وشاشات LCD لتسلية المنتظرين، وإذاعة داخلية تبث الموسيقى الهادئة، وكراسي انتظار حديثة بتندات لحماية المواطنين من آشعة الشمس.

وقبل كل ذلك لفت نظري علم مصر الذي يزين واجهة المبنى من الدور الثالث وحتى الأرضي، وحين نظرت يمينًا ويسارًا، وجدت صناديق القمامة الجميلة في كل مكان حولي، وتوجد في كل ركن لوحة إرشادية تطلب منا إلقاء القمامة في المكان المخصص لها، صعدت إلى الدور الثاني لتكتمل فرحتي بوجود شبابيك خدمة حديثة، وشاشات تعمل بالأرقام الضوئية وتطبيق نظام الانتظار بالرقم، مثلما يحدث في البنوك مع خاصية النداء الآلي على المواطنين لتقديم الخدمة، بصراحة تفاءلت كثيرًا واعتقدت أن المرور تحول من قطعة من الجحيم إلى ركن في الجنة.

ولكن كان هذا مجرد اعتقاد شكلي فقط، فحينما أردت أن أستخرج شهادة مخالفات، طالبوني بأن أتوجه إلى مرور آخر بخطاب مختوم من مدير وحدتي لاستخراجها، وكأنني في القرن التاسع عشر ، وحينما قلت إن هناك نيابة للمرور بالدور الأرضي، قالوا لي هذه ليست تتبعنا، واضطررت في النهاية أن أرضخ للتعليمات، وذهبت وأحضرت شهادة المخالفات من نيابة مرور أخرى بعيدة، وحين عدت كان لي موعد مع عملية الفحص لسيارتي، ولم يكن بها مثلث أو شنطة إسعافات، وكان بالزجاج الأمامي شرخ، وأخذت البصمة بعد أن دفعت للعامل 20 جنيهاً، ثم جاء المهندس ذو الجسم الضخم وصاحب الهيبة التي اكتسبها من سلطته، وطالع السيارة ورفض أن يوقع الأوراق بسبب وجود شرخ في الزجاج، ولعدم وجود شنطة إسعافات أو مثلث عاكس، وحاولت معه بأني سأشتري حالاً المثلث والشنطة، وسأصلح الزجاج لاحقاً ، ولكنه أصر على عدم التوقيع لحين توفير المطلوب، وغادرني ليباشر عمله، شعرتُ للحظة بالغضب لضيق الوقت، لكني عدت وحدثت نفسي بأن لديه الحق واحترمت حرصه على إتقان عمله، وهممت أن أنصرف، ولكن المهندس المبجل كان يتابعني بطرف عينيه من بعيد، يبدو أنه كان يريد أن يتركني حتى "أستوي" كما يقولون لأدفع الرشوة بدون فصال ولا جدال، وحين شاهدني أهم بالانصراف، جاءني قائلا: "اركن سيارتك بعيداً وعُد لي"، فعلمت أنه سيوقع الأوراق مقابل رشوة، عدت له وفي يدي خمسون جنيهًا، فوقع كل الأوراق وأنهيت الفحص بكل بساطة، وعدت إلى شباك التجديد في المبنى لأنتظر دوري ساعة من الزمن، لا تتحرك فيها أرقام الشبابيك، فلما لاحظتها وجدت أن هناك إنهاء لأوراق مواطنين بلا أرقام انتظار، ممن يدفعون رشوة لموظف الشباك مباشرة، وبعد طول معاناة وصلت إلى الشباك، وقد جمعت ملف بيدي يحتوي على 13 ورقة من جراء ضرورة وجود نماذج تقليدية هدفها الوحيد دفع رسوم وفقط،، ودفعت الضريبة والتأمين والفحص والطفاية وانهى الموظف ملفي، وطلب مني انتظار الرخصة بعد قليل، بعد انتظار أكثر من ساعة أبلغوني أن جهاز الحاسب الآلي قد تعطل، وسلموني أوراقي وطلبوا مني الحضور غدًا، فانصرفت وأنا في غاية الغضب والإرهاق بعد ساعات طويلة من الجري في الشوارع ، واندهشت من جمال المبنى والشكل الخارجي، ورغم ذلك جهاز الحاسب الآلى يتعطل بدون وجود بديل .

عدت في نفس اليوم من الأسبوع الذي تلاه، لأصدم بأني لابد ان أنتظر دوري مرة أخرى، رغم أن ورقي منتهٍ وينتظر فقط الحاسب الآلي ، ولما دخلت للضابط مدير الوحدة، تفهم موقفي وطلب من أحد الموظفين إنهاء أوراقي، لكن الموظف رفض وتعامل معي بغلظة، فاضطررت أن أنتظر ساعة أخرى، وحين وصلت لموظف الشباك وجدت شخصًا آخر بلا رقم انتظار ينهي ورقه بعشرين جنيهًا رشوة، سلمت ورقي وذهبت لساحة الانتظار أتطلع إلى استلام رخصتي، فوجدت الكراسي الحديثة التي شاهدتها في الأسبوع الماضي، وقد تحطم منها جزء والقمامة تملأ المكان، وأناس كثيرة واقفون ينتظرون في الشمس، وبعد انتظار ساعة ونصف تسلمت رخصتي وانصرفت.

يا سيادة رئيس الجمهورية يا معالي رئيس مجلس الوزراء يا حضرة وزير الداخلية، هذه قصتي كاملة بدون رتوش أو حذف ، تبرز معاناة مواطن والمخالفات التي يرتكبها حين يريد أن يجدد رخصته ، سواء بدفع رشوة أو إحضار واسطة أو معرفة لإنهاء أورراقه ، وبالتأكيد هذا حال كل مواطن مصري يذهب لينهي مصلحته في أي جهة حكومية، أناشد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الذي كلفه رئيس الجمهورية بالقضاء على الفساد وأطرح عليه سؤالا، كيف ستقضي على الفساد الإداري في مؤسسات الدولة وحالنا هكذا ، كيف تتركون موظفون اكتسبوا فن المعاملة بالرشوة والمحسوبية والواسطة من عصر مبارك، ومازالوا يتعاملون به مع المواطنين في كل مؤسسة وهيئة تخدم المواطن المصري! رغم أنكم تنشدون التطوير، فقمتم بتطوير المبنى دون تطوير العقول التي تعمل به ، يا سيادة رئيس مجلس الوزراء لقد اضطررت أن أخالف القانون وأن اقدم أكثر من رشوة رغماً عني لأنهي مصلحتي الملحة مع إحدى الجهات التي من المفترض أنها تتبع وزارة الداخلية، قلعة تطبيق القانون في مصر ، ولماذا نصر أن نهدم كل تطوير وتحسين نقوم به ونحطمه ، أمام تلال الروتين ونظرية "دوخ المواطن وخليه يلف كعب داير من أجل إنهاء مصلحته" ، في حين أن العالم كله بدأ يستخدم نظام الشباك الواحد والوسائل الحديثة لإنهاء إجراءات تجديد رخص السيارات ، حتى أصبحت تتم عن طريق ماكينات تشبه ماكينات الصراف الآلي وفي دقائق معدودة ، أي مصري يرى التطوير الذي حدث في المجمع المروري الذي تم افتتاحه مؤخراً سيشعر بالفخر ، ولكن فخره هذا سرعان ما يتلاشى مع تلال النظام العقيم الرجعي والتكدس والزحام الذي بدأ يأكل كل ما صرف على تطوير المبنى في مدة قصيرة لم تتجاوز الأسابيع .

لماذا نصر على أن يذهب المواطن كل مرة لمرور بعيد آخر لإحضار شهادة بيانات، رغم أن وحدته بها كمبيوتر به البيانات المطلوبة، لماذا نذهب لمكان آخر لاستصدار شهادة براءة ذمة من المخالفات رغم وجود نيابة مرور بنفس المبنى، لماذا نضظر لجمع عشرات الأوراق في ملف كبير، رغم أن بياناتي كلها من ترخيص وضريبة وتأمين وملكية ومخالفات كلها موجودة على جهاز الإدارة العامة للمرور، لماذا نصر على تعذيب المواطن رغم أننا نطلق كل يوم تصريحات بالاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في تجديد الرخص وغيرها؟! لكنها في الحقيقة تصريحات لم ولن تتحقق، لأن الإرادة والنمط الوظيفي لدينا قديم ، ولا نرغب في تغييره، أم أن التطوير في المرور في الجدران فقط بدون تغيير في منظومة عقول الموظفين، كلها صرخات في صورة أسئلة عاجلة للمسؤولين تحتاج إلى إجابات بحلول واقعية عاجلة رحمة بالمصريين، ونموذج المرور مجرد نقطة في بحر من نماذج كثيرة تؤخر مصر عن اللحاق بالتقدم والرقي.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved