نورهان إسماعيل: لا.. لن نكون كآبائنا الأولين!! - منبر الشروق - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:35 ص القاهرة القاهرة 24°

نورهان إسماعيل: لا.. لن نكون كآبائنا الأولين!!

نشر فى : الثلاثاء 6 مارس 2012 - 10:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 6 مارس 2012 - 10:32 ص
جمعة الغضب 28 يناير 2011 (صورة أرشيفية).. تصوير: أنيس روجيه
جمعة الغضب 28 يناير 2011 (صورة أرشيفية).. تصوير: أنيس روجيه

كلمة "لا".. من الصعب تقبلها، ومن يقولها يتهم دائما بعدم احترام الأوامر. فيعاقب الطفل حين يقولها لأهله إذا حاول أن يبدي اعتراضه علي شيء قد يكرهه كشرب اللبن أو ضرورة النوم مبكرا. هكذا هي صورة الأطفال في أذهان الأهالي، حتي لو تطورت الحياة كثيرا عن الماضي لا تقبل كلمة "لا"، ليس علي هذا النطاق فقط، بل هي مرفوضة تماما حينما يبدأ الحديث عن الخروج عن المألوف، والأمر الذي لا يعيره العديدون انتباههم أن المألوف قد يكون خطأ، فقد كان يعبد الكفار ما عبده أباؤهم الأولون، ولكن مع الوقت تبين أنه كان خطأ فادحا رفضوا الاعتراف به، وحاربوا واستماتوا لاثبات صحته، ولكن تبقي الحقيقة أنهم مخطئون.

 

في الآونة الأخيرة كثيرا ما سمعنا أن الشباب هم من أعادوا الحياة إلي الجسد الميت للشارع المصري بعد سنوات عديدة من الظلم، ولكن لا تتوقف هذه الجملة عند هذا الحد، فدائما ما تكتمل بمقولة "و لكن لم يكن سينجح الشباب ألا حينما نزل الشعب الي الشارع".

 

هذه المقولة كانت السبب في حيرتي طويلا، حيرتني ليس فقط في تساؤلي لماذا نزل الشعب إلي الشارع؟ ولكن تجلي لي واضحا بعد الانتهاكات الصارخة التي حدثت أمام مجلس الوزراء، أن الفتيات غير مرغوب في وجودهن في الشارع أصلا، وبالطبع وجود أطفال الشوارع أيضا في نفس الأحداث قد انتقد بشكل واضح.

 

وظهرت إدعاءات بأن هذه المعارك للرجال وليست للأطفال، كما قالها رئيس الوزراء كمال الجنزوري واضحة "ماذا يعي طفل في الثانية عشر من عمره حتي يصبح من الثوار؟" فكرت كثيرا كيف يمكننا تحليل مقولة "لولا الشعب".. فمن هو الشعب؟

 

المؤسف في الأمر أن كمال الجنزوري وافقه كثيرون، ولا اتكلم علي أطفال الشوارع في هذه الحالة، بل أتكلم عن رأيه في دراية الأطفال.. وقد كنت أقولها ساخرة عقب حديثه الصحفي، "هل يظن الجنزوري أن أطفال اليوم يفكرون مثله حينما كان يرتدي تيل نادية؟" هذا هو بالضبط ما توقعته، والمشكلة التي تتبلور واضحة لي يوما بعد يوم، في حياتي الشخصية والعملية، هي أننا نعامل كالقصر مهما كبرنا، ودائما ما نسمع كلمة "ماذا تفقه؟ ما هي طول مدة خبرتك؟".

 

ومازال يعيش العالم كله في نظرية "أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة"، ويستمر كل من هم أكبر منا في نقدنا المستمر، والتشكيك في أي معلومة نتداولها، وتصبح كارثة إذا ما قررت أن تدخل في حوار وتجادل، ودائما ما ينتهي الحوار بكلمة "أنتم جيل قليل الأدب" وذلك لأنه ببساطة يعتبر كل من يجادل أحدا حتي و لو كان علي حق بأنها قلة أدب وعدم احترام لفرق السن، وتترك القضية الاساسية ويمسك فقط في كيفية الحوار، وبالطبع تسئل "أين كلمة حضرتك؟".

 

سئمت حينما نتهم بعدم الفهم التام أو عدم امتلاك الخبرة الكافية لتحليل مشاكل قد يراها أحد أن لا حل لها، فمثلا أنا درست العلوم السياسية، وشهادة تخرجي متخصصة في العلوم السياسية، وحينما أدخل في جدل مع أحد قد يكون أكبر مني في السن (في الخمسينيات مثلا) يبدأ في نقد كيفية تفكيري، وإذا به يقلل من مدي ادراكي للقضية، وحينها فقط اؤكد أنني أنا من تخصصت في دراسة السياسية، ولكن إذا به يتلكك بامتلاكه معلومات أكثر، ويبدأ في استعراض ثقافته.

 

ما يضحكني عادة هو أن هؤلاء يتناسون (أو في حقيقة الأمر لا يدركون) أن جيلنا يمتلك قدرات خارقة في الاستيعاب نظرا لاستخدامنا أساليب التكنولوجيا، فيمكننا بلمسة واحدة معرفة كل ما نريد أن نعرفه. ولكن إذا فاجأت هذا الشخص بمعرفتك للمزيد، فدائما ما سينتهي الحوار بأنك لا تدرك كل شئ، وأنك لم تعش تلك الأيام السابقة لتتكلم عنها.

 

إذن فالجدل والاعتراض والتحاور أصبحوا شيئا مقصورا علي كبار السن فقط، وما علي الأصغر سنا غير أن يسكت ويتقبل!! أو هكذا تربي آباؤنا الأولون.. اعتقادا منهم أن هذه هي العادات والتقاليد، فكيف بنا الآن نطالب بتغيير هذه العقيدة؟ حينما نتهم بأننا لا نمتلك الدراية الكاملة؟ هكذا يفكر أنصار مبارك (اعتبره ابوك) وهذا ما اعتقده السادات، والشفيق الفريق وشباب الاخوان المسلمون، ومؤيدي المجلس العسكري. فهؤلاء هم من رفضوا خروج الشباب علي الأب، ورفضوا خروج البنت الي الشارع (رغم أن المرأة لها دور فعال في التاريخ المصري قبل كل هؤلاء)، وبالطبع يرفضون آراء الشباب حتي إذا كانت في الحياة العملية أو العلمية وليس في السياسة فقط، إذن فالشعب بالنسبة لهؤلاء هم رجال، كبار في السن، فقط لا غير..!!

 

هل يعني اتباع قائد ما أن هذا القائد لا يخطئ و لا يجوز محاسابته؟ هل خلقنا لنقول سمعنا وأطعنا؟ حتي لغير الله؟ كيف يمكن أن أقول كلمة سمعنا وأطعنا إذا كان يحق لي أن أقولها لوالديّ إذا كانوا مخطئين؟ فلا تطعهما وقل لهما قولا كريما! لا تطعهما.. هؤلاء هم والديّ.. لا أطيعهما، فكيف بي أن أطيع إنسانا آخر؟؟ تخيلت الآن منظر طفل في عشرينيات القرن الماضي، وقارنته بقريبتي ذات الأعوام الخمسة، فضحكت حينما تخيلت ماذا تقول وكيف تفكر مقارنة بهذا الطفل الذي يبلغ الآن ثمانين عاما؟

 

ومن هنا يجب تذكر أن الله له حكمة في خلقه، فالإنسان حين يبلغ أرذل العمر يتحول إلي طفل، ويكون هذا الطفل علي فطرته وينسي كل ما لديه من خبرات، فيصبح طفل اليوم أكبر بعشرات السنين من عجوز اليوم، وقد يساعد الطفل العجوز، فيكون العجوز غير قادر حتي علي مساعدة نفسه، ومن هنا لا يجب أبدا أن يتم الحكم علي الشباب بالجهل، فهذا الجاهل قد يكون منقذك!

 

إذا ما قمنا بتجميع كل هذه النقاط، فيجب اعتبار مقولة (أن الإنسان يكذب الكذبة ويصدقها) أثناء التفكير، فكما هو واضح فأن العديدين يعتقدون بأن الشباب ليسوا على دراية ولا يمتلكون الخبرات الكافية حتي يصبحوا في مناصب سياسية، وقد ظهر هذا بوضوح في انتخابات مجلس الشعب حيث انتخبت الأغلبية الإخوان المسلمين وحزب الوفد، واعتقد الكثيرون أن الاخوان المسلمين فازوا في الانتخابات نظرا لتدين الشعب المصري، وآخرون اعتقدوا أن فوزهم بهذه النسبة تعكس مدي شعبيتهم.

 

ولكن في حقيقة الأمر يوجد العديدون ممن انتخبوا الإخوان المسلمين انتخبوهم لأنهم الأكبر سنا في الحياة السياسية (يطبق علي حزب الوفد أيضا)، وبالتالي كذب المجتمع علي نفسه وصدق بأن هؤلاء هم الأكبر سنا وبالتالي فهم الأكثر دراية بمصلحة هذه البلد، أكثر ممن قاوموا واستشهدوا في سبيل الله ولهذا البلد.

 

دعونا نتذكر كل من قاوم الطغاة علي مر العصور، فستجد أنهم شباب، وستجد أن معظم الطغاة شيوخ (نعم، شيوخ، فالشيخ هو رجل كبير في السن، و لا يشترط أن يكون الشيخ هو من يرمز للدين، فهناك من رمز للدين وقتل في هذه الثورة العزيزة، وهو الفقيد الشيخ عماد عفت، وأكثر من بكي عليه هو معلمه الشيخ مفتي الديار، وصديقه الشاب ابراهيم الهضيبي..!!).

 

ولكن هذا لا يعني أن هذه هي القاعدة، والفيصل الحقيقي ليس هو عنصر السن.. بل هو الرغبة الحقيقة في احداث التغيير، والخروج عن المألوف.. ترددت في كتابة هذا المقال لهذا السبب، وهو أنه تم اضطهادي أنا وغيري من الشباب من قبل العديد من كبار السن، ولكن يبقي قلة قليلة من هؤلاء يكنون لنا كل احترام وتقدير ويدفعوننا للأمام.

 

ومن هنا تكون اجابتي لكل من سألني هل يختلف شباب جماعة الاخوان المسلمين عن قياداتها؟.. الحقيقة أن الاختلاف هو من قال "لا" من شباب وشيوخ.. فقد قالها في الماضي حينما كان شابا دكتور عبد المنعم ابو الفتوح، حينما وقف صامدا أمام الرئيس الأسبق السادات (واتهمه كالعادة السادات بقلة الأدب وعدم الاحترام).. وقالها كل شاب إخواني فصل عن الجماعة.. وقالها شباب حركة كفاية وشيوخها، وشباب 6 إبريل، وشيوخ العمال والفلاحين، قالها جورج إسحاق، وقالها شهير جورج إسحاق... فالعمر ليس هو كل شئ، فالأهم هو أن تقول "لا" قبل فوات الأوان.

 

التفكير هو الحل!!

شارك بتعليقك