حالة من الارتباك والخوف الشديد تخيم وتسيطر على أفراد المجتمع المصري بعد وقوع العديد من الحوادث المؤسفة في الآونة الأخيرة والتي تصطبغ بالصبغة العقائدية, وآخرها مقتل الشاب أحمد حسين في مدينة السويس على يد أشخاص مجهولين يقال أنهم ينتمون إلى جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهذه الحوادث المتكررة مؤخراً بدورها تنشط الذاكرة وتعيد إلى أذهان البعض منا مشاهد الدم التي كانت تلطخ أحداث العنف الطائفي والإرهاب في أواخر فترة الثمانينيات.
كالعادة نحن أمام وقائع وأحداث مادية ملموسة زهقت فيها أرواح أناس أبرياء وروعت بسببها نفوس آخرين, يقابلها فتور وضبابية معلوماتية من الجهات الرسمية نعاني منها على الدوام في مثل هذه النوعية من الحوادث. وهذه الضبابية المعلوماتية تعد السبب الرئيسي وراء إطلاق العنان لخيال الكثيرون منا لتفسير ما يحدث كما يحلو لهم, فهناك من يقول إن السبب وراء هذه الأحداث أفراد من جهاز أمن الدولة وفلول النظام السابق, وهناك من يرجعها إلى وجود جماعات دينية متشددة ومتطرفة لديها رغبة قديمة في تطبيق هذا النهج في مصر, وهناك آخرون يرون أنها أصابع خارجية (أجهزة استخباراتية).
ربما يحمل كل تفسير من هذه التفسيرات معطيات وبراهين تضفي عليه نوعاً من أنواع المنطق الذي يقبله العقل, فهناك قاعدة أمنية تقول إن أردت معرفته الجاني في جريمة ما فابحث عن المستفيدين, وجميع الأطراف المشار إليها في التفسيرات المختلفة السابقة مستفيدة مما يحدث, ومن المنطقي ألا نتبنى وجهة نظر واحدة منهم وننكر الباقي جملة وتفصيلا طالما لم تخرج علينا أي جهة شرطية أو سيادية معنية بالأمر بمعلومات وأدله مادية تدين جهة ما بأنها وراء ما يحدث.
وأياً كان الفاعل سواء أفراد أو جماعات أو حتى دول معادية فأنا هنا لستُ بصدد الكشف عن ذلك, لأنني كغيري من ملايين المصريين لا أمتلك من المعلومات ما يجعلني متيقناً من الفاعل الحقيقي ولكنني أيضا من الملايين التي تريد معرفة الحقيقة كي نتقي شر ما يحدث بالعلاج المبكر, فالهدف من وراء كل هذه الحوادث واحد وهو خراب ودمار وإثارة القلاقل والبلبلة في هذا البلد بصرف النظر عن الفاعل, فكما نقول "تعددت الأسباب والموت واحد".
الحقيقة الثابتة الآن أننا أمام مشكلة مجتمعية خطيرة تحدث وسط الشوارع وفي وضح النهار, ونتائجها ستكون وخيمة على الجميع بلا استثناء لو مكثنا كما نحن نسترسل ونتحكي ونتهم بعضنا البعض في ظل صمت الجهات المعنية, والأدهي أن هناك من يلوم على الإعلام والإعلاميين لتسليطهم الضوء على هذه الحوادث ويتهمهم بالإساءة إلى التيار الإسلامي, والحقيقة أن الإعلام لا دخل له بذلك، فهذه الحوادث تحدث بالفعل، وفي النهاية هي وظيفة وهدف أصيل من أهداف الإعلام وهو نقل الحقيقة والواقع كما هو وتسليط الضوء على المشكلات التي يعانى منها المجتمع من أجل الوصول لحل مناسب لها.
ما عادت سياسية الصمت والتعتيم الإعلامي تجدي الآن فقد تبدلت الأحوال, وكنا ننتقد في الماضي القريب الرئيس السابق إزاء صمته المقيت حيال العديد من القضايا المشابه, ولكننا الآن أصبح لدينا رئيس منتخب وهو يمثل مصدر ثقة لملايين من المواطنين وسيكتسب ثقة ملايين آخرين حين يخرج علينا بنفسه بمعلومات وأدلة مادية تشير إلى الفاعل الحقيقي لهذه النوعية من القضايا وكافة القضايا الأخرى التي تهم الرأي العام وتثير القلق والخوف في نفوس المواطنين, وهذا لن يتأتى له إلا إذا أشرف بنفسه على هذه القضايا ثم يعرضها بكل صدق وشفافية على الرأي العام.
الأيام والشهور الأولى من حكم الرئيس محمد مرسي وما سيفعله فيها هي التي ستوضح الخطوط العريضة والسمات الرئيسية لسياسته طوال فترة حكمة وطريقة تعامله مع القضايا التي تهم المواطنين, ولكي لا يُترك الشارع المصري يعاني من كثرة الشائعات "والقيل والقال" والتي بدورها تزيد من التخبط والبلبلة, ومن ثمَ تكون الفرصة مواتية لكل من يريد العبث بأمن المواطنين وفي النهاية تذوب الحقيقة تحت هذا الغطاء الهلامي من الشائعات.
أتمنى من السيد الرئيس أن يخرج علينا بشخصه بشكل دوري منتظم وليكن شهرياً واستثنائياً عند الضرورة بخطاب معلوماتي وليس سياسي يعرض فيه بشكل مفصل ومدقق كل ما تم فعله وإنجازه على جميع الأصعدة بالأرقام والمعلومات الموثقة، فلغة الأرقام هي السبيل الوحيد لقطع الشك باليقين ووضع الشعب أمام كل الحقائق بلا تزييف, وهذا بلا شك ما نحتاج إليه كمواطنين, ويحتاج إليه هو الآخر لفتح قنوات اتصال بينه وبين شعبه من شأنها أن تزيد من شعور الثقة المتبادلة, وليِعرف الشعب أن هناك تغييراً حقيقاً قد تم بالفعل, ولتتبدل معها أيضا الصورة السلبية التي تكمن في الأذهان عن أن الرئيس دائماً ما يكون بمعزل عن الشعب ويسكن في برجاٍ عاجياٍ.