محمود عبدالظاهر يكتب: خطيئة الأنوثة - منبر الشروق - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 4:08 م القاهرة القاهرة 24°

محمود عبدالظاهر يكتب: خطيئة الأنوثة

نشر فى : الثلاثاء 15 يناير 2013 - 11:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 15 يناير 2013 - 11:50 م
محمود عبد الظاهر
محمود عبد الظاهر

لو قدر الله لي في يوم من الأيام أن أصبح أبا فأنا أتمنى من كل قلبي أن أنجب ذكرا وسأسهر طول التسعة أشهر – مدة حمل زوجتي – أدعو الله أن لا تلد أنثى, لا يتعلق الأمر بحقد شخصي مني على جنس النساء ولا احتقار لهن، كل ما هنالك إني لا أستطيع تحمل أن أجلب لهذا العالم مخلوقا بريئا ليتعذب طول حياته بجريمة لم يرتكبها أو قل خطيئة ووصمة عار سيحملها هذا المخلوق ما قدر الله له أن يعيش .

 

منذ خطواته الأولى في هذه الدنيا يدرك هذا المخلوق أنه مختلف من قائمة الأوامر والنواهي الطويلة التي تقنص براءته وتحرمه من الاستمتاع بطفولته التي ينعم بها المخلوق الآخر فقط لأنه ذكر وليس لأي أسباب أخرى، ومع مرور الأيام تتضح الأمور أكثر وتزيد القيود يوما بعد يوم.. قيود على اللبس، على طريقة المشي، على أسلوب الحديث، وحتى على طريقة الأكل.. إلى آخره، ولو سأل هذه المخلوق يوما عن سر هذه المعاملة الخاصة سيجد الإجابة البديهية: لأنك أنثى.. هكذا فقط وكأن (أنثى) هذه الكلمة السحرية التي تفسر كل شيء وتتيح للآخرين حرمان هذا المخلوق من أبسط حقوقه الإنسانية التي ينعم بها الآخرين، أو كأنها جريمة ارتكبها هو فصار (أنثى) لباقي حياته عقابا له.

 

وتكتمل فصول المأساة حين يجد هذه المخلوق نفسه دائما موضع شك واتهام إن لم يكن بالتصريح فبالتلميح, هو دائما المخطئ.. لو تحرش بها أحد الأنذال فذلك لأن طريقة لبسها مستفزة وليس لأن البعيد حيوان، ولو غازلها مدرس في مدرستها الثانوية فهذا لأنها سمحت له بذلك وشجعته وليس لأن هذا الوغد يعاني من حالة مراهقة متأخرة, تظل الأمور هكذا إلى أن يقتنع هذا المخلوق بأنه مذنب بالفطرة، ويجاهد للتكفير عن خطيئته التي ارتكبها في حق البشرية بكونه (أنثى) فتصبح الأنوثة عارا يتنصل منه ويحاول نفيه عن نفسه بكل السبل رغبة في كسب رضا هذا المجتمع المريض لكن هيهات، فقد أقنع هذا المجتمع الذكوري نفسه منذ أمد بعيد بأن هذه الكائن المكلل بذنب الأنوثة هو سبب كل الكوارث التي يعاني منها، فمشكلة البطالة سببها أن النساء تركن البيوت ونزلن لسوق العمل فحصلن على الفرص المتاحة للسادة الرجال، وهن كذلك سبب انتشار التحرش الجنسي والانفلات الأخلاقي التي تعاني منها شوارعنا بملابسهن المثيرة.

 

ومن المؤسف حقا أن أحد الأحزاب السياسية المحسوبة على الإسلام حينما قررت أن تواجه ظاهرة التحرش الجنسي قامت بحملة عنوانها (احتَرمي.. لتحُترمي) وما العجب في ذلك!؟ فهن سبب انهيار منظومة القيم التي تحكمنا بل هن أيضا سبب ظاهرة الغلاء وارتفاع الأسعار. نعم أنت لم تخطئ قراءة العبارة فقد انتشر في السنوات الأخيرة في الشوارع وعلى جدران وسائل المواصلات العامة ملصق ملون بحجم كف يدك ليخبرك بتلك الحقيقة العبقرية.. رجاء لا تحدثني عن معدل التضخم الذي يتمدد بشراهة أو عن الفساد والذمم الخربة وانهيار قيمة الجنية أمام العملات الأجنبية، ولا عن أزمة الغذاء العالمية، فما قيمة كل هذا أمام كارثة أن تكشف النساء شعورهن؟

 

صارت الأمور حقا لا تطاق بانتشار الأفكار الظلامية القادمة من الصحاري في ربوع مصر أولئك الذين يعانون عقدة تجاه كل ما هو مؤنث، ويفرغون كبتهم السياسي والاجتماعي على المخلوق الضعيف إنسانيا واجتماعيا، يقيمون الدنيا ويقعدوها لأن فتاة مريضة بحب الظهور خلعت ملابسها على النت ولا يحركون قيد أنملة لموت عشرات البشر في معتقلات الطغاة، وانتهاك كافة الأعراف الإنسانية والقيم الدينية. هم يصارعون في معركة أبدية ضد المرأة ليقنعوا أنفسهم أنهم أدوا ما عليهم تجاه المجتمع ولم يسكتوا عن كلمة الحق، فكما تعلم الساكت عن الحق شيطان أخرس. أما عن الحاكم الظالم فدعك منه الآن فلتذهب الدولة كلها إلى الجحيم ولنستمر نحن في معركتنا المتعلقة بشعر المرأة وصوتها ونزولها للشوارع.. وأي جهاد أعظم من ذلك!؟

 

هذا مجتمع مريض ارتضى لنفسه دور القاضي والجلاد، فحكم على هذا الكائن بأن يعيش مكللا بعار الخطيئة ونفذ فيه الحكم فصدقن، إنهن سبب كل البلاء الذي نعاني منه. بالله عليك كيف تريدني أن أشارك في هذه المهزلة وأن أجلب لهذا المجتمع (أنثى) جديدة ليحملها نتيجة كبته وجهله وغطرسته ولتعش ما شاء الله لها أن تعيش تكفر عن خطيئة لا ذنب لها فيها, فرجاء لا تنزعج إذ رأيتني يوما أقف أمام كشك الولادة بأحد المستشفيات وأنا أدعوا الله من كل قلبي هاتفا: يا رب ولد .

شارك بتعليقك