محمد زين العابدين: الإعلام وجرائمه التي لا تغتفر - منبر الشروق - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 4:41 م القاهرة القاهرة 24°

محمد زين العابدين: الإعلام وجرائمه التي لا تغتفر

نشر فى : الأربعاء 22 فبراير 2012 - 11:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 فبراير 2012 - 12:01 م
هو الإعلام إذن ودوره في ثقافة الآخر، والذي تحول إلى حمى الأنظمة ومحرماتها
هو الإعلام إذن ودوره في ثقافة الآخر، والذي تحول إلى حمى الأنظمة ومحرماتها

(قل بابا.. قل ماما.. قل نظام.. قل إله.. قل حاضر.. قل نعم.. لا تقل قرار..) هي تلك ثقافة الأجيال في عالمنا العربي وهى أيضا حبر وورق وإذاعة ولسان ووجوه وميكروفونات، هي تلك مكونات الثقافة بعمومها وخاصة العربية والوعي العربي بهما تصنع إنسان وبهما أيضا تهدمه.

 

هي إذن مكونات الوعي والإدراك وربما البيئة لنشأة أجيال تتحكم في تكوينها واتجاهاتها ومن المحزن أن تلك الآلة ومكوناتها لم تكن يوما حرة أو مستقلة ولكن ظلت عمرا طويلا بيد الأنظمة والتي صنعت لها أضرحة وصروح ُتدخل في معاملها العقول لحقنها بمخزون تراثي ورؤى ملوثة وتائة.

 

هو الإعلام إذن ودوره في ثقافة الآخر، والذي تحول إلى حمي الأنظمة ومحرماتها سواء كانت تلك الثقافة دينية أو دنيوية فكلاهما تضافر وتكاتفا لإظلام العقول وربما تغيبها نهائيا عن المشهد الحياتي نفسه.

 

لقد انتهجت المنظومة الإعلامية بنخبها منهج الموالاة للأنظمة وتلميع بلاطها والارتزاق منه سواء برضا أو بإكراه ومن أخرج منهم بوقه ليصرخ إنما أخرجه لجرح غائر في جنبه خاص به أحدثه النظام كل هذا وارد ومنقول من نظام عربي لأخر وأحيانا متطابق ومتشابه.

 

ولكن المفزع والمرعب هو أن تساهم هذه الآلة التنويرية في زرع ثقافة الشعور بالذنب عند المواطن والمسئولية عن جرائم وأخطاء الأنظمة وزرع عبء المسئولية لكل الشعب عن أي انحراف قائم أو ربما يقوم مستقبلا.

 

وقد اعتاد الشعب على تقبل تلك الثقافة بل وولد قناعاته الخاصة بها حتى صارت الشعوب مسخ أدمن التوجيه والإرشاد وظل عاجزا عن تقييم وتحليل الأحداث من حوله وصار يهرول وراء كل شئ ملبيا أي نداء يناصره ويعادى معارضيه دون وعى وإدراك لدرجة إننا صرنا بحاجة إلى مراكز تأهيل وعلاج من إدمان التبعية للإعلام المرئي والمسموع والمكتوب.

 

وقد بدا ذلك واضحا في كم القطعان المسيرة لا المخيرة بفعل الغسل الدماغي الممنهج وغير المنقطع على مدار السنين ولضعف البدائل المتاحة أو التفكير في بدائل في انتخابات مجلس الشعب والشورى أن الاختيار في لجان الانتخاب كان (اختيار مسير لا مسير مخير) للناخب الذي انتفخ عقله من موائد ثقافية بعينها لم ير غيرها، وإن رأى غيرها فهو محبط بالنسبة له.

 

فالحديث والصراخ يكون دائما بلسان صاحبة ولكن مخزون الكلمات والأسطر فهو معبأ ومخزن في عقله الذي فقد السيطرة على توازناته ففي أيديولوجيات التيارات الإسلامية الشيخ أو المربى هو ذلك الهامة العالية والقدر الجلي الذي يتجاوزه فقد كفر لقد اخُتزل الإسلام هنا في الشخوص ولم تختزل الشخوص في الإسلام فالشيخ هو المرشد والهادي والممسك بيد العباد للعبور بهما على الصراط حيث الجنة فلا مجال إذن للتفكير أو التحليل لما يقول فهو دابة الأرض التي دلت عن صاحبها.

 

أما التيارات الليبرالية فهي نخب ومُثل لا تقارن عند معجبيها وهم الآلهة التي ملأت الأرض وعى وتنوير فما يقولوه هو الدستور الأرضي في أحيانا كثيرة وعند نخب بعينها هو البديل للقرآن فبهم العلم والثقافة والتنوير تتزين الأرض ولا مجال للرجعية وفى كلا الحالتين السابقتين أُسر العقل وسلبت إرادته وتم تسليمه طواعية لتلك الثقافات التي تلاعبت وعبثت بالعباد وجرجرت شبابهم وشيوخهم إلى صناديق الاقتراع لبريق وحلم سعوا إلى تحقيقه وإلى جنة وعدوا بها وهم في انتظارها فيتحول العامة من رعية إلى رعاء ثم الى قطعان ثم إلى وقود بأيدي صانعيهم تحرق كل من يخالف ويعترض على مقدسات الأفكار التي تتولد من عقول نادرة ومعصومة.

 

وقد نجحت الأنظمة وخاصة النظام المصري السابق في احتضان تلك الطبقة بمؤيديها ومعارضيها له فمن أطاع دخل حظيرة الأنعام يغترف ومن عارض تمت مغازلته بعد قهره لينفض عن نفسه بعض من نقمته الثائرة، وحينما تم عزل الرأس العفنة من النظام أملا في شفاء الأعضاء العليلة نكتشف أن الوباء بسبب طول الصبر علية قد طال غالبية أعضاء النظام.

 

فالكل قد أصابه الفيروس اللعين وتكتشف أن الثائرين ما هم إلا ديكورات تشرع وتحرك مراكبه وأنهم لم يكونوا أبدا هذا المسمار في نعش النظام أو الشوكة في حلقه ويكتشف عامة الشعب أنهم مفلسين من كل شئ وعاجزين عن صناعة نموذج يحاكى أحلامهم التي حلموا بها، لأنهم لم يجدوا أدوات نقية لم يصبها الوباء ليصنعوا منها أحلامهم التي حصدت أرواحهم في الميادين.

 

فنحن منذ سقوط النظام وتمر بنا أحداث مرعبة وقاتلة ورغم أننا نراها بأعيننا ونتيقن من صانعيها إلا أننا نصر على ان نسمع ما يقال لنصدقه على ما رأيناه وعشناه ومازلنا نتتبع القنوات والمحللين والجرائد لتخبرنا بحقيقة نحن عايشناها وصرنا جزءا منها إذن هو مرض نفسي وعقوق عقلي على الاستيعاب لما يجرى، لأننا لم نثق بعد في أنفسنا ولكن نثق في محدثينا وملهمينا.

 

فكان علينا أن ننتظر حتى يكشف لنا رموزنا ونخبنا عن الأيادي الخفية والعدو الخارجي واللهو الخفي والذي هو صناعة إعلامية بامتياز فهم حتما يأتوا به للقصاص منه ولسنا على استعداد لأن نصدق انه أكذوبة مثل الأكاذيب التي انتفخت بها عقولنا ومازلنا نصدقها ونسير خلفها.

شارك بتعليقك