الفرح ابتلاء، والحزن ابتلاء، والمرض ابتلاء، ومن يصبر على البلاء يبدل الله حاله فتصير النقمة نعمة والهزيمة نصر.. هذا ما حدث لصاحبنا, هو شاب مصري أستاذ ومحاضر في التنمية البشرية (محمد صبحى إبراهيم) أو كما يطلق عليه تلاميذه المقربون ( أبو عمر), أتاه الله من فضله طفلا مريضا بمرض التوحد فصبر واحتسب وناضل من أجل علاجه, كل يوم يرى عمر أمامه غير متفاعل معه, لا يلتفت إليه حين يناديه, لا يتكلم وقد بلغ الثانية من عمره, الأب يموت كل لحظة وهو يرى صغيره يقف والحياه تسير من حوله, وكل محطات القطار موصدة والقطار يجري بكل الأطفال ونسى عمر, وأمه تبكي على مصير طفلا كان يراد به أن يكون سندا لها, وحماية تحتمى بها في الكبر, وأملا يبث الثقة والتفاؤل في أسرة عاشت في تعاسة, وكان مصدر شقاءها هو نفس الأمل المتوقع منه السعادة..عمر.
أخذ الأب ابنه إلى الطبيب الذي لم يفلح في علاجه فتركه إلى آخر، ويسمع عن طبيب لآخر فيشد الرحال إليه حاملا ألمه في قلبه وعمر بين يديه .تملك اليأس من الأب فثار على يأسه محطما كل إحباطاته, وقرر أن يبحث في علاج مرض التوحد, فأخذ يقرأ ويترجم أحدث الأبحاث إلى اللغة العربية, وعكف على العلم والبحث, وكلما توصل إلى طريقة جديدة طبقها على ولده عمر حتى شفى عمر وصار أبو عمر قادرا على علاج مرض التوحد بكفائة, وسعدت كثيرا بلقائي معه، فقد رأيت شخصا مؤمنا بضرورة العلم والبحث لخروجنا من كل المصائب التى قد تصيبنا, أشرقت ضحكة عمر فأضاءت البيت وأبى الضى الذي انبعث منها إلا أن يضيئ طريق نجاح للأب الصابر المحتسب الذي حول الله نقمته إلى نعمة عليه, فقد ذاع صيته وبدأ يساعد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة متبرعا محبا لهم، فإنه يرى في كل طفل يعاني من مرض التوحد ابنه عمر، ويريد أن يسعد أباءهم وأمهاتهم كما أسعده الله بشفاء ابنه .
مددت يدى وفتحت المصحف وقرأت سورة الكهف, وتدبرت وعرفت وأمنت أكثر من ذي قبل أن الخير هو الذى يكون باطنه خيرا, وليس ظاهره، فكم من أشياء تبدو لنا خيرا وهى شر محض! وكم من ابتلاءات نبتلى بها ويكون ظاهرها شرا وهي خير محض! كما حدث لأبي عمر فهو لولا ما أصاب صغيره من ابتلاء لما صار باحثا ومعالجا عظيما لمرض التوحد .