القاهرة: مدينتى وثورتنا (٢٣) - أهداف سويف - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القاهرة: مدينتى وثورتنا (٢٣)

نشر فى : الخميس 2 يوليه 2015 - 11:00 ص | آخر تحديث : الخميس 2 يوليه 2015 - 11:01 ص

الموجة الأولى
الثلاثاء ٨ فبراير
التاسعة والنصف ولم يجد جديد

وبينما كنا، نحن الشعب، ننتظر فى التحرير، كان الرجل المُصِر على أن يظل رئيسنا، وهو على المنحدر الذى سيصل به للخَلْع بعد يوم واحد، يتحدث عبر الهاتف مع صديقه وزير الدفاع الإسرائيلى السابق، بنيامين بن إليعازار‪.‬ عشرون دقيقة يشكو لصديقه هجران الولايات المتحدة، وخذلانها له، ويتنبأ بأن الاضطرابات والقلاقل المدنية لن تتوقف عند حدود مصر بل سوف تمتد إلى الشرق الأوسط كله، ثم أيضا إلى الخليج ذى النفط.
يد على كتفى: علاء سويف. كيف وجدنى وسط الآلاف؟ أُمسك بذراعه حتى نصل إلى سهير فنجلس أنا وهى نرتعش على حرف الرصيف نواجه تمثال عمر مكرم ويأتينا أحد الكرام بالشاى فنمسك بالأكواب بامتنان، نُعَرِض أكفنا للدفء بقدر ما نستطيع. يقف علاء مع مجموعة من الأصدقاء تناقش الطرح: هل نحن فى الحقيقة نعيش انقلابا عسكريا سوف يُحوِل ثورتنا إلى عرض هامشي؟ نحن بحاجة إلى شخصية، أو مجموعة من الناس، تتقدم لتُمثل هذه الثورة وتعبر عنها، تعلن هذا التمثيل فى التحرير‪،‬ وبالتحرير من حولها يؤازرها. يبدو أن الوحيد الذى باستطاعته أن يقوم بهذا الدور الآن هو الدكتور محمد البرادعى، لكنه يوم أتى إلى التحرير لم يبق أكثر من نصف ساعة وغادر. يقولون إنه لا يحب الزحام.
الشباب يحاولون منذ أيام ان يُكَوِنوا تحالفات، ائتلافات، حكومات. يستشيروننا، نحن الـ«عواجيز»، فنجلس فى عرض الشارع فى التحرير المعتصم نشكِل وزارات وحكومات. لكننا فى مفرق صعب: لا نمتلك آلية تُمَكِن الميدان من انتقاء من ينوبون عنه للتفاوض باسمه ــ أو بالأحرى، هناك آلية تتشكل لكنها سوف تأخذ وقتا أكثر بكثير من المتاح لنا. ولذا تأخذ اللجان، والشخصيات، والقيادات القديمة على عاتقها أن تقوم بهذه المهمة، فيذهبون إلى مجلس قيادة القوات المسلحة يحادثونه، والمحادثات ــ لا نقول إنها سرية، لكنها ليست علنية، فصار كل من يتصل بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة أو يتحدث معه يفقد مصداقيته اليوم فى الميدان.

نقوم، أنا وسهير، من على الرصيف، نتمشى. تقترب منا ثلاث شابات، يسألن إن كنت أنا أنا، شاهدونى فى التليفزيون ويروننى «محترمة» ويردن الحديث. إحداهن طبيبة، والشابتان الأخريان فى الثانوية العامة وتنويان العمل بالصحافة. الثلاث يسكن المعادى ولهن أيام يجمعن المعلومات والملفات حول الشهداء الذين قتلوا هناك يوم ٢٨. يردن الوصول إلى الإعلام الـ«نظيف». والطبيبة تريد أن تعرف طريق هيئة أو جمعية تمكنها من خدمة المصابين. يقلن أن عدد الذين قتلوا فى المعادى يصل إلى أكثر من عشرين، وأن الشرطة كانت بالغة القسوة، وأنها أطلقت المسجلين الخطر ضد الناس، وأنها استخدمت الرصاص الحى من البداية. ويقلن أن قناصا تمركز بالقرب من البيت الذى يسكنه السفير الإسرائيلى، وأن هذا القناص كان يقتل أى شخص يدخل فى مجال رصاصه. دُرْن يجمعن الشهادات والمعلومات من أسر الشهداء والمصابين. يقلن إن المنطقة حول شارع الجمهورية امتلأت بملصقات الشهداء وكأننا فى نابلس أو بنت جبيل. نتبادل أرقام الهواتف بينما تتصاعد أصواتٌ تطالب بالصمت: «بس! بس ياإخواننا! سكوت عشان نسمع!»
ثم لا نكاد نصدق: هو لا يتنحى. لا نكاد نصدق: هو لم يفهم. لكننا نصدق تماما: لم يتمكن من التغيير، لا من تغيير الدور، ولا من تغيير اللعبة.

نقف بالملايين فى طول البلاد وعرضها نستمع إليه وهو يحدث الشباب من علٍ: «أحدثكم كأب». يؤكد لهم أن دماء «شهدائكم»ــ أى الشباب الذين قتََلَهم، قتلهم جهازه وشرطته وبلطجيته ــ ونعتقد أنهم أكثر من ثلاثمائة إلى الآن ــ أن دماءهم لن تذهب هباء. يعدنا أنه سيتحرك إلى الأمام كى يحقق الطلبات الشرعية. يبدأ البعض فى إطلاق الهتافات الغاضبة لكن الميدان يسكتهم. نستمع إليه باهتمام بالغ. يطلق تلك الجملة المرهَقة: «لن تملى علينا جهات خارجية ــ » فنحدِق فى بعضنا غير مصدقين، هذا الرجل كان طوع إشارة أمريكا وإسرائيل لمدة ثلاثين عاما والآن وفجأة لن تملى عليه قرارات من الخارج! حين يعلن إصراره على أن يستمر فى خدمة بلاده ننفجر «ياللى ما بتفهمشى: إرحل يعنى إمشى!» يعدنا بالحوار، بالتعديلات الدستورية، يتحدث عن روح الفريق وعن حماية الاقتصاد فتصيح الجموع «حرامي! حرامي!» ثم يبدأ فى مقطوعة «كنت شابا مثلكم» فتضج السماء بآهات ملل عظيمة من شباب مصر كلها، وحين ينتهى بتفويض سلطاته إلى نائبه تنفجر الميادين «لا مبارك ولا سليمان/ دول عملا للأمريكان!».

الميدان هو الغضب والثورة والدموع. ماذا علينا أن نفعل لنزيح الرجل؟ أكتب للـ«جارديان»: «باختياره لهذا الطريق يتعمد مبارك دفع مصر أكثر وأكثر فى اتجاه الأزمة. هو يدفع بالقوات المسلحة إلى موقف سوف تضطر فيه قريبا أن تواجه إما الشعب أو الرئيس وحرسه الرئاسى. ونتيجة موقفه هذا أنه حين تأتى لحظة انتصار الثورة سوف تكون القوات المسلحة فى وضع أقوى بكثير من وضعها فى ٢٥ يناير. لكننا فى الشوارع، وسنظل فى الشوارع، لن نعود إلى البيوت».
بدأ الناس فى التحرك. تحركت جموع نحو ماسبيرو، لكنها فقط تحاصر مبنى الإذاعة والتليفزيون ولا تحاول اقتحامه. وتبدأ جموع أخرى المسيرة الطويلة نحو مقر مبارك فى القاهرة: قصر العروبة.
«هو لسه مش فاهم»، أقول للحاج أشرف.
يجيب: «لأ هو فاهم. بس هو عنيد».
أتصل بليلى وأسألها عن الأخبار. تقول إن الناس، ملايين الناس، ناس لم ينزلوا إلى الشوارع وإلى المظاهرات من قبل ــ يتحركون، يتوجهون نحو الميادين. وأن التحرير مليان عن آخره.
«النظام ده عنده يخرب البلد ولا إنه يمشى»، يقولها الحاج أشرف ثم ينزل من السيارة ليفتح بوابات الأرض.
حين أكون هنا أكون بعيدة تماما عن العالم، لبرهة.
أتسلق السلم الخشبى وأجلس على السطوح. الأهرامات هناك، وراء هذه الأشجار. فى طفولتى كنا نزورها على الأقل مرة فى الشهر، نجرى ونرمح على الرمال، نقيس أطوالنا المتغيرة ونقارنها بارتفاع أحجار المصطبة الأولى فى هرم جدنا خوفو، ثم نحاول أن نتسلق مصطبتين أو ثلاث.. أو أربع، وأخيرا نتناول الشاى فى استراحة الملك (كان للملك فاروق استراحات فى الهرم وحلوان والفيوم وكل المناطق الجميلة فى مصر، فلما جاءت ثورة يوليو حولتها كلها إلى استراحات للشعب)، ودائما دائما كنا نقف عند حافة الهضبة، ننظر نحو القاهرة، ونعجب للخط الفاصل بين الصحراء والوادى الأخضر؛ كم هو محدد قاطع لا لبس فيه ــ ذلك الخط الذى تقع عليه هذه الجنينة الصغيرة، الخط الذى أقف عليه أنا الآن.
أنا بحاجة إلى أن أذهب إلى مدفننا. لم أزرهم منذ فترة: أمى طوفى وخالى، جدى وماما حاجة؛ كلهم هناك.
عم حامد، الذى يعنى بالجنينة وزراعتها، يدعونى أن أتمشى معه إلى الجدار المتآكل الذى يحدد أحد جوانبها. الأطفال يقفزون على هذا الجدار ويسرقون الفاكهة، وهو يريدنى أن أعيد بناءه. كيف أقول له أن الفاكهة التى يرسلها لنا هى من الكثرة بحيث أننا ــ وبعد أن نوزع منها على الأهل والأحباب ــ نجد بعضها تزوى فى قاع درج الثلاجة؟ فلماذا لا نترك الأطفال يأخذون بعضها؟ أقول «نستنى شوية على الحيطة، كفاية مصاريف تصليح البيت».
نمشى فى الأرض ونلتقط حبات الليمون ويرينى عم حامد نخلة تهاوت؛ طولها الفارع يرقد الآن على الأرض.
«طب ــ إيه اللى وقعها؟»
«عمرها ــ»
«شوفى فضل ربنا سبحانه وتعالى ــ » يقول الحاج أشرف، «النخلة، حتى لما تقع، تقع فى مكان فاضى، ما تقعش على حاجة ولا على حد».
ويتفق معه عم حامد: «النخلة ما تأذيش أبدا، حياة وممات».

الرابعة بعد الظهر
«باى!»
«سلام!»
«باى!»
سلسلة من الوداعات. الأبواب تُغلَق بدرجات متفاوتة من العنف والرقة. تخرج سهير ثم علاء ثم سلمى ومريم وتشكيلة من الأصدقاء والأقارب الذين كانوا فى البيت. الكل ذاهب إلى التحرير وأنا جالسة إلى مائدة السفرة فى بيت أخى لأعمل على النص الذى علىَ أن أتِمُه وأرسله إلى الجريدة فى اللحظة التى ينتهى فيها مبارك من خطابه. هل سيرحل؟
أنا جاهزة للخروج حالما أرسلت المقال. شنطة يدى على كرسى إلى جانب الباب والبطاقة والمفاتيح فى جيبى. المحمول لا يكف عن الرنين: لندن، مونتريال، دلهى، دبلن، العالم يريد أن يعرف كيف نشعر ونحن فى التحرير، وأضطر إلى القول والتكرار: لا أعرف لأننى لست فى التحرير. لكن التحرير مليان عن آخره، الملايين فى التحرير.
أكتب وأقوم أخطو. ذهابا وإيابا. أكتب وأناور. هل سيكون نصا يحتفى بحريتنا؟ أم سيكون نصا يصر على المثابرة، الاستمرار؟ جيئة وذهابا وأرد على الهاتف وعينى على شاشة التليفزيون. التحرير هو مركز الكون، وهو على بعد عشر دقائق وأنا لست هناك. أخرج إلى الشرفة. الشارع مهجور. الخفافيش تلهو مرحة فى أشجار المانجة. أكتب فقرة جديدة. جيئة وذهابا. أراجع أشيائى فى جيوبى وفى حقيبتى.

السادسة مساء
انتهى الأمر. بيان مقتضب يلقيه عمر سليمان وهو يبدو ميتا أكثر حتى من المعتاد، وخلفه فى الكادر رجل ثقيل البنيان مقطب الجبين. حسنى مبارك تنحى والقوات المسلحة هى حاكم البلاد. قلبى يدق يدق يدق ويداى قطعتان من الثلج. المشاعر تتدفق داخلى. سأنفجر وأتناثر على السقف والجدران. أجرى إلى المائدة وأقرأ ما كتبت. أكاد لا أستطيع القراءة لكن من الواضح أن هذا النص لن ينفع. أجلس. أغمض عينىَ وأجبر نفسى على الإبطاء، على أخذ عدد من الأنفاس العميقة. ثم أبدأ من جديد:
«فى ميدان التحرير وفى شوارع مصر أصر الشعب على استعادة نفسه وإنسانيته. والآن سوف يستعيد دولته. منذ هذه اللحظة ليس لنا رئيس سارق، ولا نائب رئيس يؤجر بلادنا مقر تعذيب لاستعمال الإدارة الأمريكية، لا وزارة فاسدة ولا برلمان مزيفا ولا قانون طوارئ. رحل النظام وبدأنا مرحلة جديدة. على مدى أسبوعين كانت الناس تهتف «الشعب! الجيش! إيد واحدة!» سوف نعمل الآن على أن نجعل هذا الهتاف يعكس حقيقة إيجابية إلى أقصى حد: القوات المسلحة ستضمن أمن البلاد وسلامتها بينما نحن نشكل ونبنى المؤسسات المدنية التى ستعمل على بلورة خطتنا ــ خطط الشعب لهذه البلاد.. فى التحرير التقيت سيدة فى المراحل الأخيرة من الحمل، كانت بانتظار الولادة بين يوم وآخر وتريد لمولودها أن يأتى إلى مصر حرة. الآن يمكنها الوضع.. راقَب العالم هذه المعركة بين ــ من ناحية ــ حكومة فاسدة عنيفة متسلطة متشبثة، تحت يدها كل أدوات الدولة، ومن الناحية الأخرى تكوين عضوى هائل متنوع من المواطنين، أدواتهم هى أجسادهم ــ والكلمات والموسيقى والمشروعية والأمل. وصلت إلينا مساندة شعوب العالم صادحة عالية لا تُخطأ، وما حدث هنا عبر الأسبوعين الماضيين سوف يمد المواطنين والمدنيين فى كل مكان بالصوت وبالقوة.. يبدأ عملنا الآن: أن نعيد بناء بلادنا على شكل مثالى، جميل كجمال الثورة التى قمنا بها لاسترجاع الوطن. أن نتذكر دائما شبابنا الذين استشهدوا فى سبيل أن يحدث ما حدث الليلة، وأن نحملهم معنا إلى مستقبل يليق بهم وبنا، يليق بأصدقائنا، يليق بالعالم.. انظروا إلى شوارع مصر الليلة: هكذا يبدو الأمل».

أضغط «إرسال».
أنطلق فى شارع الدقى ثم شارع المساحة فأجدنى فى زنقة مرور فى ميدان الجلاء: الكل يحاول الوصول إلى التحرير. أجلس فاتحة النوافذ ليدخل منها صوت الطبل، صوت الفرح. الناس يرقصون، يتقافزون على الجزيرة فى وسط الميدان، يرقصون على السيارات، يضحكون، يوزعون الحلوى. يمر رجل بأكواب من الشربات. الأطفال والشباب يتسلقون أعمدة النور لكى يلوحوا بأعلامهم من أعلى موقع ممكن. أهاتف ليلى، أبى، علاء، عمر، إسماعيل، لولى. أهاتف الحاج أشرف: مبروك، مبروك، مبروك. لا نتحرك سوى بضعة سنتيمترات من حين لآخر. ليست مشكلة، المهم أننا نتحرك، وأننا خلعناه.
تكاد لا ترى أسود قصر النيل من تكدس الأطفال فوقها. مئات الأيادى ترفع الموبايلات عاليا: الكل يريد صورة فى اللحظة، وأنا جزء، خلية، فى الموجة الإنسانية الفرحة التى تموج عبر الكوبرى، عبر النهر، نيلنا، حَى بالأضواء المتلألئة، بالألعاب النارية، بدقات الطبول.

ثم التحرير
تأخذ نفسا عميقا على عتبة التحرير. الميدان تتصاعد منه طاقة عجيبة، هدير صوت الشعب الفرِح، الصواريخ والشماريخ تزهر وتخبو لتزهر ثانية، آلاف الأعلام والرايات تلوح، اللافتات المرفوعة تحتفل «خلاص مافيش تعذيب!»، «أهلا ببكره!»، «مبروك للدنيا!» وقرب محطة المترو يلاقينى صوت عبدالحليم: «بالأحضان بالأحضان بالأحضان، تارارارارا، بالأحضان يا بلادنا يا حلوة بالأحضان..» آخر مرة سمعت هذه الأغنية كانت فى سنة ٢٠٠٥ فى المسرح الكبير فى دار الأوبرا وتفاجأنا جميعا ــ فاجأنا أنفسنا، حين أخذنا ــ نحن الجمهور ــ نبكى بحرقة. والآن أرانا هنا نبكى من الفرحة ونضحك ونحضن ونسلم على بعضنا ــ وحين تنتهى بالأحضان وبدون فاصل يتصاعد ذلك النشيد العربى الذى كان مغضوبا عليه سنين طويلة والذى يتضح أن الشباب أيضا يعرفه عن ظهر قلب فيغنى الجميع مُقْسِمين «فى فلسطين وجنوبنا الثائر هنرجعلك حرياتك» ثم، وبصوت أرَق، «إحنا وطن يحمى ولا يهدد، إحنا وطن بيصون ما يبدد، وطنى حبيبى الوطن العربى..» وها هم الألتراس يجوبون الميدان، أحبابنا الألتراس، الروح ترتفع حين نراهم، تكاد ترى الطاقة شررا حيا ينبثق عنهم، يطقطق كالنار الملونة، كالشماريخ، على جدران جامعة الدول العربية: «اللى يحب مصر، ييجى يصَلَح مصر»، من على جدران المجَمَع: «هنتجوز! وهنخَلِف!»، من على المتحف المصرى: «إرفع راسك فـو و ق، إنت مصرى! إرفع راسك فـو و ق، إنت مصرى! إرفع راسك فـو و ق.. ».
وفى قلب الميدان الصينية، وفى قلب الصينية سكون. صور الشهداء. شبابنا. سالى زهران: ضربات عنيفة إلى الرأس، تلقى إلينا بنظرة جانبية بها شقاوة، وتضحك. محمد عبدالمنعم: طلق حَى فى الرأس، شعره مرتب بعناية بالجل. على محسن: طلق نارى، يحمل طفلا صغيرا ضاحكا على خلفية من بحر أزرق واسع. محمد بسيونى: طلق نارى، يستلقى مبتسما حاضنا طفليه. محمد عماد، يفتح ذراعيه واسعة مرحبة ويرتدى تيشيرت مكتوبا عليه «لندن». إسلام، يأخذ وضعا أمام النيل. إيهاب محمدى يبتسم لكن عينيه بها شرود.. وآخرون وآخرون، ٨٤٣ آخرون. فى لحظة الانتصار، هذه اللحظة الفرحة المستبشرة المبهمة، هم القلب الساكن: شبابنا الذين نزلوا إلى الميدان مُصِرين ومسالمين لينقذوا بلادهم وينقذونا. مستقبلنا دفعوا ثمنه بأرواحهم.

التعليقات