سعيد مرزوق - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سعيد مرزوق

نشر فى : الثلاثاء 16 سبتمبر 2014 - 9:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 16 سبتمبر 2014 - 9:00 ص

أمينة رزق، فى «أريد حلا»، تجلس بجوار فاتن حمامة، على سلالم دار القضاء العالى. المرأتان، المهزومتان، يزداد حجمهما ضآلة إزاء العمدان الضخمة.. أمينة، فى لحظة وهن نفسى، تفتح حقيبتها الصغيرة، القديمة، لتخرج منديلا، تفركه بأصابعها، تمنع دموعها من التساقط. فاتن حمامة تكاد تحتضنها، بعينيها.

هذا الموقف القوى، المرهف، الذى حققه مخرجنا الكبير، جعل أمينة رزق، تعلق عليه بقولها، أنها أدركت، أخيرا، مدى عمق تأثير البكاء المعنوى، الصامت، إذا قيس بأشد أنواع الإجهاش الصاخب بالبكاء.. هنا، فى «أريد حلا»، تمكن سعيد مرزوق من نقل شحنة الشجن إلى المتلقى، فجعله مشاركا، متفهما للانفعال، لا مجرد مشاهد متعاطف وسلبى.

فى ذات الفيلم، على العكس من الموقف الهادئ، السابق الذكر، تطالعنا رجاء حسين، المرأة الشعبية الغاضبة، المقهورة، وسط الزحام والفوضى، فى أروقة المحكمة، تتشاجر مع زوجها، الأفاق، وحيد سيف، تشتبك معه باليد، يعلو الصراخ والضجيج، يزداد التجمع كثافة، تحاول الكاميرا ــ عين المخرج ــ أن ترصد المتعاركين، تارة بالقفز إلى أعلى، وتارة من خلال ثغرة بين الناس.

انحاز «أريد حلا» إلى قضايا المرأة، بإنصاف ونفاذ بصيرة، وباسلوب سينمائى مرهف الإيحاءات، يعتمد على أداء متمكن من ممثلين، يبتعد معهم عن المغالاة، يجيدون الأخذ والعطاء، يختار، بعناية، أماكن تكثف الحالة النفسية لإبطاله، فها هى، فاتن حمامة على سبيل المثال، فى قاعة ضيقة، خانقة، أمام القاضى، تستمع، بألم، لافتراءات محامى زوجها، حيث يعدد أسباب رفض الطلاق.. أصبح الفيلم، منذ العام 1975، من كلاسيكيات السينما المصرية.

قبل «أريد حلا»، حقق سعيد مرزوق فيلمين: «زوجتى والكلب» 1971، و«الخوف» 1972.. وفيهما يبدو تأثره واضحا بفيلم «هيروشيما حبيبى» لآلن رينيه 1959، الذى يعد من أجمل انجازات «الموجة الجديدة» فى فرنسا، حيث تصبح الذاكرة، والمشاهد التخيلية، جزءا من اللحظة التى يعيشها البطل أو البطلة.

«زوجتى والكلب»، يدور فى «فنار» بعيد عن الحياة. محمود مرسى، بماضيه الملوث بخيانة أصدقائه مع زوجاتهم، يروى للفتى نور الشريف عن مغامراته.. «مرسى»، يرسل الفتى برسالة إلى زوجته. ما أن يغادر حتى تنتاب الذئب القديم موجات من الشك. تتراءى له خيالات مضنية عن علاقة بين الفتى وزوجته الشابة، تغذيها الوحدة، والحرمان.. الفيلم يتسم، فى لقطاته، بروح تشكيلية لا تتأتى إلا لفنان يجيد رسم اللوحات، كما الحال بالنسبة لسعيد مرزوق، رئيس جماعة الرسم على مستوى محافظة القاهرة، حين كان طالبا.. هنا، نلمس عتمة الليل، مع صوت الأمواج، مما يعزز الهواجس.. وثمة أسياخ الحديد المحيطة بممر الفنار.. هى، فى الفيلم، أقرب لقضبان السجن الموحش. «زوجتى والكلب» حمل معه نفحة حداثة، ظل أثرها باقيا، فى «الخوف»، حين تداهم البطلة ــ سعاد حسنى ــ مشاهد مدينتها المدمرة، إبان حرب 1967.

«المذنبون» 1976، نقطة فارقة فى مسيرة سعيد مرزوق، بل علاقة على روح الاستبداد فى تاريخنا السينمائى. الوقائع معروفة. بعض السخفاء من العاملين بالخارج، زعموا أن الفيلم الانتقادى، الذى يكشف الفساد، يشوه صورة مصر.. وفورا، نشطت الأجهزة القمعية لتطول، حتى الرقباء الذين وافقوا على عرض الفيلم، فتم معاقبيهم، وتأديبهم، بالخصم من رواتبهم.. إنه العار بعينه.

فيما يبدو أن مخرجنا اهتز بشدة، عقب ما حدث لـ«المذنبون»، سنجده يتخبط، فكريا، فى «إنقاذ ما يمكن انقاذه» 1985، فيقدم مرثية للعهد القديم، متغنيا بأفضال وتحضر أصحاب القصور التى استولى عليها الرعاع.. وفى 1988، يحقق «أيام الرعب»، الذى لا يعبر عن الخوف بقدر ما يقع الفيلم نفسه، فى قبضة الرعب.. إنه ليس فيلما بقدر ما هو حالة، تشير بجلاء إلى ما يعانيه صاحبه من أرق وذعر، يمتد من بطل «أيام الرعب»، محمود ياسين، ــ المرتجف، الهائم على وجهه فى المولد ــ إلى صانع الفيلم.. وأظن أن ثمة علاقة سببية بين ما حدث مع «المذنبون»، وسعيد مرزوق.

تضطرب مسيرة مخرجنا الكبير، يحقق قدرا من النجاح فى الكوميديا السوداء «أى.. أى» 1992، ودرجة من الاحكام الفنى فى «المرأة والساطور» 1997 ــ ولكنه، يتخبط فى «الدكتورة منال ترقص» 1992، و«قصاقيص العشاق» 2002.. ثم، يخفت حضوره، اللهم إلا فى تكريماته التى يستحقها فعلا، قبل أن يغادر.. رحم الله فقيدنا الكبير.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات