حينما يرفّ «جناح فراشة» فى الخليج - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حينما يرفّ «جناح فراشة» فى الخليج

نشر فى : الأربعاء 17 ديسمبر 2014 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 17 ديسمبر 2014 - 10:34 ص

استيقظ عرب الخليج بعد قمة مجلس التعاون، كمن يستيقظ بعد عاصفة سوداء مدمرة، سمعوا أن صفحة الخلافات الأخيرة قد طويت . وأن منظومة التعاون أيقنت أن قوتها بوحدتها، وأقرت بأن الزمن قد تغير، وأن تأجيل الأزمات أتاح تفاقمها، وأن الغد يحتاج إلى قدر أكبر من التعاون والجدية والرؤية البعيدة .

قال السياسي العربي الخليجي، العائد للتو من ندوة عن مجلس التعاون:

الصفحة الجديدة، يفترض أن تستدعي آليات عمل مختلفة، في ظل وقائع إقليمية ودولية، والأيام القادمة، ستختبر التزامات هذه المنظومة الخليجية المعلنة، تجاه عدد من الأطراف والقضايا والمفاهيم الجديدة .

وتساءل السياسي العربي الخليجي، هل ستتغير آليات العمل المشترك، للتعامل مع تحديات واختراقات ومتغيرات جارفة غير مسبوقة؟ وهل ستعيد هذه المنظومة الأمل إلى الإنسان العربي، وهل ستؤسس لمرحلة جديدة من الوفاق العربي، وتنسج نظاماً إقليمياً جديداً، وتفتح الطريق لوقف التدهور العام، ومواجهة استحقاقات مساومات كبرى مقبلة في إقليم الشرق الأوسط؟

وأضاف: "لقد ظلت هذه المنظومة، منذ ولادتها، تعيش في بيئة إقليمية شديدة التغير، في سنوات شبابها تباهت كثيراً، وظنت أنها هي المركز، أثناء عزلة مصر، وورطة العراق في حربين عبثيتين، مالت حيناً إلى الشراهة بدلاً من الشراكة، تباغتت بحدث احتلال العراق للكويت، الحدث اللاممكن، "البجعة السوداء" كانت عصية على التكهن، عاشت المنطقة بعده في "فراغات" مسكوت عنها، فرّت من مواجهة أسئلة العراق وإيران "وسلام الشرق الأوسط"، وتمنعت أمام إعلام صاخب في ثنايا ردائها، وضاعف من إرباك شعب هذه المنظومة، فوضى فضائية عابرة للحدود، استمع طويلاً "لمشايخ الصحوة"، ولخطبهم الدينية الملتبسة بالسياسة، وعاش عولمة لا ترحم حتى من ركب قطارها .

وقال السياسي العربي الخليجي: "أصحاب النوايا الطيبة، والأجندات التقليدية، حلموا بحصاد اللؤلؤ، لكنهم أهملوا ما بين سطور الأحداث والمتغيرات الجارية، ولم يدركوا أن قطرات المطر العابرة، هي التي تشكل المحيط .

***

جاء الأمريكي، واحتل العراق، وتركه في عهدة إيران مباشرة، ثم بكينا على اللبن المسكوب . . واستيقظنا على "خراب البصرة"، ورأينا كما رأى النائم، كيف يقترب الغرب من إيران تدريجياً وبالتقسيط، وكيف يخطف ما سمي بالربيع العربي، وكيف يتصاعد هدير آلة القتل والتفتيت في أكثر من مكان، وكيف يقترب جنون الإرهاب من جلودنا وتخومنا، وتصبح هويات ودول عربية في مهب التفكيك والتجزئة والخوف والفشل .

ويضيف: "لم تلتفت المنظومة إلى "الاستشراق الجديد" الذي يغذي الهويات الفرعية والمذهبية، في زمن فقدت فيه هذه المنظومة الكثير من الوهج الذي عرفته قبل أكثر من عقد، وحجب ضجيج "الربيع" كل الأصوات الحكيمة والعقلانية، وجاءت مواقف سياسية متوترة وصلت حد العصاب . . في ظل مناخات اشتعلت فيها بؤر النار والغلو والتطرف، والتدخلات الأجنبية .

قال السياسي العربي الخليجي، وهو يتنهد:

"لقد تورط بعضنا في التزامات وأكلاف غير مسبوقة، واحتفلنا كمنظومة بمواعيد مع الماضي، ومع إنجازات هي أقل من طموحات شعوبنا، وصمدنا أمام ثلاث حروب شرسة مدمرة، دارت في بيوتنا مرة، وفي فنائنا الخلفي مرتين، وتعرضنا لهزات داخلية آخرها كادت أن تقطع أوصالنا كمنظومة . تداركنا كوارث وردود أفعال، وأنتجنا قناطير من الخطب والبيانات، وقليلاً من الخطط الواقعية والاستراتيجيات المستقبلية ومن "دراهم" الوقاية، وجاء اليوم، لفتح صفحة جديدة، وإنتاج نمط جديد من التفكير . وإعادة النظر في آليات العمل والتنسيق وإدارة الشأن الخليجي الجماعي" .

وأضاف: "اليوم . . تبدلت أوزان دول، وتغيرت قدرات لاعبين، وظهر فاعلون جدد غير "دولاتيين"، تقليديون ومهجنون، ناعمون وخشنون . قادرون على التأثير في الأمن والاستقرار والجغرافيا . كما ظهرت مواقع لصناعة الأخبار وبلورة رؤى ومشاريع ورأي عام . تجاوزت في تأثيرها مواقع السلطة التقليدية" .

وتساءل السياسي العربي الخليجي قائلاً:

"هل أحسنّا قراءة تداعيات ضعف التنمية وهشاشة التعليم وغياب العدالة، وضعف بنية الدولة الوطنية وتقاعسها عن القيام بوظائفها الأساسية" .

***

هل قرأنا ما بين سطور انشقاقات الهوية الوطنية الجامعة، وانبعاث شرر لهيب الفتن الطائفية؟ وهل تعلمنا دروساً من تفاعلات اليمن - خاصرة المنظومة الخليجية - والحوثي المصنع على أيدي وظروف معروفة في داخل اليمن، ينزل من الجبال ويهيمن على عاصمة هذه الخاصرة، وبعض مفاصلها؟ هل حسبنا أكلاف تحول هذه الخاصرة، من خاصرة فقر إلى خاصرة نار؟ هل أعطينا اهتماماً جاداً لإنهاض النظام الإقليمي العربي، على أساس الجمع ما بين المشروعية والإمكانات، ولمواجهة التحديات الداهمة، سواء كانت تحديات "إسرائيلية"، أو إرهابية عابرة للحدود، أو تغيرات إقليمية كصعود إيران، ليس كقوة إقليمية كبرى، بل كقوة ديناميكية صاعدة ومهيمنة؟ هل ادركنا (وتصرفنا) معاني التغيرات في السياسة الأمريكية واهتماماتها المتراجعة بمسائل شرق أوسطية، بما فيها نفط الخليج؟

هل تنبّهنا - أمناً وفكراً وتربية ومؤسسات - لظواهر سلبية خطرة، بدأت نواتها صغيرة للغاية، وبين عشية وضحاها، صارت وحشاً برؤوس كثيرة، "القاعدة" وسلالاتها تنتشر في أكثر من مكان، وحركات الإسلام السياسي الحركي صارت بأسنان مسلحة، وبطموحات غير محدودة، في المشرق والمغرب، وفي مدن إسلامية آسيوية، وأخرى غربية؟

وتحدث السياسي العربي الخليجي بإسهاب، عن مصر المستقبل، وقال "لو أن مصر سقطت في كمين ما سمي بالربيع العربي أو "الحل الإخواني" لتغير المشهد العربي كله، بما فيه إقليم الخليج" .

وأضاف: "الأمية مثلاً في مصر، هي عورة تخصنا كمنظومة خليجية، وأن عبور مصر إلى المستقبل، هو عبور لمنظومة التعاون أيضاً، وأن فشل مصر . . هو فشل عربي بامتياز، وشمولي ومدمر بشكل غير مسبوق" .

نعم . . ليس أمام هذه المنظومة في القادم من الزمن، خيارات مترفة، وليس أمامنا كشعوب ونخب مثقفة، إلا بناء وعي سياسي جماعي حول هذه المنظومة لحمايتها من التشققات والترهل والقصور، وتطويرها (بحيث لا تبقى جسماً فوقياً) وتفعيلها، وتأسيس هوية شعبية وسياسية ودفاعية جديدة . ولنتذكر قانون الفراشة "إن رفة جناح فراشة في الخليج" تستطيع أن تغير نظام العواصف فوق "الشرق الأوسط" .

 

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات